• Monday, 23 December 2024
logo

العجالة التي تحولت الى انقلاب

العجالة التي تحولت الى انقلاب
صبحي ساله يي
بعيداً عن الأصوات المخلصة والحريصة على ردم هوة الخلافات والتناقضات بين السياسيين، من أجل مواجهة التحديات والمخاطر التي تحدق بالكوردستانيين في جبهات عديدة، عن تلك التي تدعو الى إدراك أوضاع المنطقة والتغييرات المتوقعة وحجم المسؤولية الحقيقية الملقاة على عاتق الذين يناضلون من أجل الحفاظ على المكتسبات المتحققة بدماء الشهداء ودموع الامهات. هناك أصوات تقول الحق ولكنها تريد به باطلاً وتدعو الى نبذ الخلافات وتحجيمها وفق الطريقة التي تتناغم مع أهداف معينة، والى تفعيل برلمان كوردستان، وتجتمع حول تفسيرات وإضافات تؤكد على حل (كافة المشكلات) بمجرد تفعيل البرلمان، وكأننا لم نشاهد هذا البرلمان عاملاً وفاعلاً، ولم نشعر بما إفتعله بعض البرلمانيين من مشكلات لا تغني ولا تضيف أثناء تطرقهم الى مواضيع تمس الشهداء والبيشمركه والرموز الوطنية والقومية والدينية، وأثناء إصرارهم المؤلم على إعطاء مؤشرات تدل على فيضان نوازعهم التي تم تصميمها من قبل مهندسي المشكلات.

الكل يعلم أن المشكلة البرلمانية والسياسية الحالية في الإقليم نتجت بعد 18/5/2015، أي بعد أن اجتمعت الاحزاب والقوى السياسية في إقليم كوردستان لبحث نتائج الزيارة الدبلوماسية الناجحة والمثمرة للسيد رئيس الإقليم والوفد المرافق له الى الولايات المتحدة وهنغاريا والتشيك، وعودته وهو يحمل تطمينات سياسية تختلف عن كل المراحل السابقة خصوصاً فيما يتعلق بدعم الكورد وتقرير المصير للشعب الكوردي. وبعد ذلك اليوم تعطل التفكير عند البعض وبدأت العجالة البرلمانية المتلهفة في تمرير التوتر دون تعقل أو تفكير في النتائج، أو في الظرف الذي كان يستدعي التريث وإستحضار الحكمة وحسن النيات، والتأمل في أبعاد تأثيراتها على الاستقرار المجتمعي وعلى مناخ التوافق. هؤلاء حرموا أنفسهم من الاستماع الى الرأي الناصح، ونفذوا على عجالة ما أُمروا به في 23حزيران.
تلك العجالة التي سميت لاحقاً بالمؤامرة وبالانقلاب على الوضع الموجود، زادت من مساحة المشاكسات المسكونة بالحساسية، ومن النعوت الغليظة التي أطلقت في الفضاء السياسي عبر مشاريع خاصة لافتعال الازمات، وزادت من التباعد بين أفكار المستعجلين وبين تطلعات المواطنين، وصارت الأولوية لحشد المزيد من السهام وتخزينها في ترسانة البرلمان للجوء إليها في الوقت المناسب وفي اللحظات الضرورية ولفرض النفس بعيدا عن مبادىء وروحية التوافق والعمل السياسي المشترك والذي تشكلت على أساسه رئاسة البرلمان ومنحت لها الثقة والسلطة، وفي التاسع عشر من آب حاولوا تنفيذ الصفحة الثانية من العجالة ولكنهم فشلوا.
الكوردستانيون لم يستفيدوا من هذه الاضافات الغامضة والسريعة والغريبة وغير المناسبة التي جاءت في أوقات غير مناسبة، والتي صعدت الاحتقان في وطن تستلزم ظروفه وطبيعته تواجد الرصانة والإطمئنان وحسن النيات، ورسم الصور المريحة. بل خسروا بعضا من محتوى أمانيهم ومبتغياتهم التي ينشدونها، وربما لأنه لم يتم تبليغهم كل الحقائق والاحداث مراعاةً للمصلحة العامة، فإنهم ضبطوا أنفسهم عن الانفلات المؤذي. وفي المقابل ربح بعض البرلمانيين المستعجلين المجادلين، لأنهم أصبحوا نجوماً على شاشات الفضائيات، يمارسون اللاعقلانية السياسية في إسقاط الكثير من اللحظات التاريخية التي إنفتحت أمامنا ووجهوا مدافعهم الصوتية لإستحضار التهم وإستنفار الناس ومضاعفة حيرتهم، دون حرص على نظافة المفردات ونقاوة الكلمات، ودون النجاح في كسب التعاطف أو تجميل ما يريدون تجميله. هؤلاء لم يستوعبوا الحقائق ومازال البعض منهم يعيش في بيئة الوهن الفكري ويحمل أثقال أحلامه الكبيرة وأوهامه الكثيرة ويفكر في التآمر والانقلاب حتى لو تطلب ذلك التحالف مع الشيطان.
Top