في سوريا الشعب يتشرّد والنظام يتقهقر والدولة تتلاشى
لقد حلّ على سوريا قبل حوالي خمسة سنوات وأربعة أشهر، ربيعٌ سوري أزهَرَ ثورة بيضاء تحوّلت فيما بعد إلى دوّامة حمراء مضرّجة بدماء حرائر وأحرار سوريا من جهة وجنود الأسد والإرهابين الداخليين والدخلاء والأغراب من جهة أخرى، وبالرغم من عظمة تضحيات أهل سوريا ورغم أنّ هذا الربيع الحارق لايزال مستمراً، إلا أنّ ما يجري على أرض الواقع يتجاوز هذه التسمية شكلاً ومضموناً، ويطرح تساؤلات مشروعة وستبقى محيّرة ما لم تتحدَّد الملامح المستقبلية للمجريات الميدانية والدبلوماسية في الأفق المنظور، خاصة وأنَّ معظم المدلولات الدولية والسورية توحي إلى أنَّ هذه الأزمة الناشبة ستُدَحرج البلد من تحت مزارب البعث إلى تحت مدلاف الطائفية والإرهاب بكل أشكاله وألوانه.
ولعلّ العقلية الاستبدادية لنظام الأسد قد أدت إلى هيمنة مسلكية الاقتتال الطائفي والأطماع الإقليمية والتدخلات والدولية، وبروز ظواهر التطرّف الشيعي والتطرف السني المضاد الناجم بالأساس عن إرهاب الدولة وتعنُّت أهل الحكم وأسيادهم الإقليميين والدوليين، بل إنّ إستمرار مسلكية العنف والعنف المضاد في هذه المرحلة السورية الناشبة سيعرقل أي مشروع أو حل سياسي يطرحه المجتمع الدولي الذي لايزال يتفرج رغم مقتل أكثر من نصف مليون سوري وهجرة الملايين، وتدمير البنى التحتية والفوقية، وتقطيع أوصال البلد وتلاشيه وتحويله إلى إمارات إرهابية تتقاتل فيما بينها على مناطق النفوذ وعلى تحاصُصْ الكعكة على مركوب تقهقر النظام وإنهيار الدولة وتهرهرها وتقسيمها إلى دويلات متجاورة ومتعادية.
ومهما حاول النظام بالتعاضد مع حلفائة في محور الشر، أن يتمترس وراء شعار مكافحة الإرهاب، ومهما حاول تهويش الرأي العام العالمي، فإنه لن يستطيع إخفاء الجرائم الرعناء التي يرتكبها هو وأعوانه (حزب الله وداعش وجبهة النصرة و...إلخ) في عموم أنحاء سوريا التي يبدو أنها ستبقى منقسمة ومتعادية فيما بينها، ولن تنعم بالاستقرار ولن تهدأ ربوعها ما لم يحدث تدخل دولي عسكري مباشر لإسقاط النظام، وما لم يتم دحر وطرد والقضاء على جميع أعوان الأسد الإرهابيين الداخليين والخارجيين، وما لم تحدث تغييرات جذرية حقيقية تأتي بحكم ديموقراطي لامركزي (إتحادي أو فدرالي) تتحقق في رحابه التعددية والعلمانية والشراكة بين مختلف المكونات السورية (عرب وكورد و....غيرهم) التي ينبغي أن ينصفها الحق والدستور والقانون، وما لم يتمتع الشعب الكوري بحقوقه القومية المشروع المتجسِّدة بالفدرالية لكوردستان سوريا.
وإن إحتكمنا لمبدأ إحترام الحقيقة فإن شعبنا الكوردي ليس له لا ناقة ولا جمل في أي نزاع طائفي يجري بين هذه الفئة أو تلك، في حين يتطلّب منا جميعاً ونحن نعيش في أعماق مأساة العصر وفي ظلال هذا العالم المتغيّر على وجه السرعة، أنْ نحتكم إلى خيار إسقاط النظام وأعوانه ومن ثم الدخول في مسيرة حوار الحضارات الذي من شأنه توفير مستلزمات ومقومات السلم الأهلي الذي أمسى يهدّد لابل يهدّم سوريا ويشتت شمل شعوبها المتناحرة وسط النزاعات الفئوية، والتي (أي سوريا) لا ينبغي أن تغرق في غياهب المصالح الإقليمية الطامعة بالبلاد والعباد التي ينتظرها الإنهيار والتقسيم والتلاشي من الخارطة فيما إذا إستمرت الأمور وفق هذا المنوال الذي تسير عليه حالياً.
وفي كل الأحوال ومهما ساءت الأحوال، يُفترَض بنا أن نتطلع نحو مستقبل أفضل ونتنبَّه لمسلكياتنا ونبدي منتهى الحذر من مغبة التعاطي العدواني حيال الآخر والوقوع في فخاخ الإدمان الطائفي أو العرقي أو غيره من المتراكمات العقائدية التي تسبّبَت في إبقاء شعوبنا وبلداننا على هامش عصرنا.