• Monday, 23 December 2024
logo

نحو رؤية موضوعية لتحديد المسار السياسي راهنا

نحو رؤية موضوعية لتحديد المسار السياسي راهنا
احمد ناصر الفيلي
في مشهد التداعيات المزمنة المتجددة التي يحفل بها تاريخ البلاد السياسي المعاصر كثيرة هي الاحداث والوقائع المتداخلة بأوراقها السرية المخبأة سراً في ضمير الغيب التي لن يطول الدهر بها طويلاً بعد التغييرات الجوهرية في موازين القوى والمصالح على المستويات الوطنية والدولية او تلك التي كانت لعبة مكشوفة على العلن تقف خلفها وتشد عودها قوى دولية بنت استحكاماتها على قاعدة لعبة اكبر وهي من العوامل التي تورث البلدان الدائرة في افلاكها مآسي سياسات خطيرة تحتاج معها الى جهود وطنية جبارة لا تتحقق الا بالتفاهمات والتوافق والحوار العميق المستدام فضلا عن ضرورة استظلال مناخ سياسي مستقر على دعامة ديمقراطية قادرة على النجاح في امتحانات الظروف والمصالح والتجارب .
في لجة الاحداث الماضية هناك من الامور ما لا يمكن طي صفحتها الا بعد العثور على ما يناسب من أجوبة عن تساؤلاتها في محاولة استقراء الماضي القريب لوضع اليد على العلل ومنابت الجرح في قضية البلاد لا يكفي التوقف عند بعضها لغاية التأمل والمناجاة والتغني بها لغايات سياسية لا هدف لها سوى تكرار المشاهد السابقة بل لابد من أعادة حسابات الامور بمنطق عقلاني يجنبنا تكرار المآسي على نحو ما ذكرنا فضلا عن صياغة فلسفة جديدة تلائم مقاسات وضعنا الراهن وتحسُسنا العالم من حولنا كما ينبغي لاننا بتنا خارج ايقاعه بامتداداته الحضارية والفكرية والقيمية ونفكر كما الآخرون من اجل صناعة بيئة قادرة على طمر الموروثات السابقة وادرانها في السياسة والحياة كي تنجو البلاد من شرنقتها المكبّلة على مختلف مراحل وحقب تاريخية وبناء خطوات للتقدم الحضاري كي تلحق البلاد ما فاتها ولو بتمهل.
من طبائع الأشياء تجديد استذكار الامور لتبقى حية خاصة تلك التي تحتاج الى اجوبة عنها ومنها جرائم كبرى بحق البشرية وما تثيره من لواعج تبعث نيران الثورة والهيجان في النفوس التي لا يخمد اوارها حتى تتم معاقبة الجناة وانزال القصاص العادل بهم او الاعتذار العلني بما يهدئ روعة النفوس من قبل الجهات الرسمية والمسؤولين عن وقوعها.
والطبيعة البشرية مجبولة كجزء من كينونتها على الاهتمام بما يستجد من احداث وقضايا وامور بحكم الواقع وحركة متطلباته وتصدر اولوياته حيث لا تجد للقديم من صدى في سوح الجديد وزحمته مهما كان الجديد صغيرا او ثانويا في اهميته .
ان معظم ما يقع الآن من جرائم وفتن ومشكلات هي نتائج واضحة لسياسات لها تاريخ في بلادنا وهي من آثار الاعتداءات بحق الانسان وشواهد على احتضار جدلية علائق الحقوق بين الدولة والمجتمع حتى وكأن كبح جماح التقدم ميزة اساسية تطبع تاريخ البلاد الحديث .
ان الجرائم والارهاب والخروقات والفساد المتغلغل في جسد دولة العهد الجديد تعد انتهاكات يجب التوقف عندها والتنديد بها ومعالجة آثارها وينبغي الا ينسى الشعب قضايا اساسية اخرى تنتظر التسوية والحل.
في المقدمة منها محاسبة المفسدين واعادة الاموال المنهوبة فلو جرت محاكمة علنية للمتهمين وتوضحت الحقائق حتى الآن لكان الامر رادعاً من منع وقوع المزيد منها.
ومسألة اخرى اساسية تجد صداها في تاريخنا هي تدمير البنية التحتية للبلاد وترحيل مئات الالاف من الناس من مناطقهم الاصلية وعمليات التطهير العرقي وتدمير البيئة في كوردستان والاهوار ومختلف انحاء العراق من المسؤول عن كل ذلك؟ ان البحث عن الجواب يرد على اسئلة كثيرة بشأن الجرائم الحالية ومرتكبيها من عدم ضبط ايقاع الامن ومحاولات اثارة الفتن وزرع النفاق بين الكورد والعرب وغيرهم.
هذه الجرائم والاتجاهات لا تنعزل عن ايديولوجية وتربية النظام السابق. مهما كانت مسوغات هذه السلوكيات فأنها مرفوضة لأنها عود ثقاب قد يشعل حريقاً هائلاً فبعض العراقيين ما يزالون خاضعين لمنطق نظرية المؤامرة فينسون أو يتناسون المسؤولية الذاتية ازاء مشكلاتنا او يجهلون ان اصل الداء هو في مجتمعنا وان المشكلة هي ذاتية خاصة بنا وليست من الخارج الا بقدر ما نفتح بأنفسنا ثغرات واسعة أمام هذا الخارج.
بعد اكثر من عقد تعلمنا دروساً جديدة اهمها ضرورة الحيلولة من دون استغلال الدين لاغراض سياسية ناهيك عن كون بعض هذه الاغراض ذاتية قصيرة المدى وهزيلة.
اعتقد ان المهمة الاولى والاساسية بعد دحر قوى الارهاب وتطهير تراب البلاد من دنسه وشروره وفلسفته العمياء ومحاولة اعادة الاستقرار هي اعادة بناء دولة ديمقراطية لتجنب سيطرة نزعة تسلطية ضيقة اخرى سواء بإسم الدين ام بإسم القومية فالخوف هو من التطرف والتعصب والتشدد سواء تحت أغطية دينية ام قومية ام ايديولوجية.
الحل او مفتاح النجاة هو في توصل العراقيين الى توازن بين القوى والمصالح والتكوينات الاساسية للمجتمع والى اقامة تعادل بين الدولة المقبلة وابعاد السلوكيات السابقة عن التواجد في ساحة البلاد الجديدة وتذكير مساوئ التطهير العرقي والتمييز بحسب الهوية وما خلفته من تداعيات خطيرة.
لم نفقد الامل بعد فالقناعة تزداد بأهمية هذا التعادل والتوازن على اساس التوافق والتفاهم.
ان العراق الجديد بحاجة الى مناخ ديمقراطي والى ولادة قيادات ديمقراطية ولاسيما في انتصار الحركة الديمقراطية وتداول السلطة واحترام الاطراف والثقافات المتنوعة.
كما إن غياب التنسيق الوطني يكاد يوصل البلاد الى حد الاختناق وقد ادى الفشل في بناء وتعزيز التجربة طوال مدة العقد الماضي الى اعادة البلاد الى مسارات كلفت البلاد استنادا الى تجاربه المرة الكثيرة السابقة مشروع بناء مستقبله ومستقبل ابنائه وهو ما ادى الى تلكؤ الاحزاب والقوى الاساسية في توحيد عملها ميدانياً وفي وضع برنامج وطني واضح.
Top