عندما نبني السلام تنتهي الحروب
من منطلق مبدأ الوقاية خير من العلاج فانه لو تم صرف نسبة قليلة جداً من الوارد الشخصي للفرد على صحته فان ذلك سيساعد بالتاكيد على تجنب صرف مبالغ كبيرة جداً على العلاج ساعة المرض وقد لايؤدي الى النتيجة المرجوة غالباً.
كذلك الحال بالنسبة للحرب والسلام والتناحر والصراعات المتعددة الابعاد، فلو تم تخصيص نسبة من الاموال العامة في اية دولة من اجل بناء السلام وصنعه ونشر ثقافة السلام والتسامح والتعايش بدلاً من صرفها على شراء الأسلحة فلن تكون هنالك حروب اصلاً ولن يكون هناك فساد .
ان قوة الدول والمجتمعات في السلم الاهلي، وليس في القوة العسكرية، وغالباً ماتكون القوات المسلحة أداة سياسية ان لم يكن النظام السياسي الحاكم ديمقراطياً بالشكل المطلوب.
اذاً النظام السياسي والقادة السياسيين والاجتماعيين عامة، مسؤولون مسؤولية مباشرة في توجيه الشعب نحو التعايش والتسامح وهذا الأمر يتطلب الشجاعة والجرأة وقوة الارادة ونكران الذات والاستعداد للتنازلات في سبيل المصلحة العامة، كما انه يعتبر مصلحة انسانية عليا في كل الاحوال .
وهذا الامر ينطبق تماماً على المعارضة ايضاً حيث ان هنالك مشتركات ومصالح عليا لأية دولة أو مجتمع يجب ان لايتم تجاوزها بأي شكل من الاشكال، او اذا اقتضى الامر طرح الموضوع المختلف عليه على الشعب ليحسم الموضوع .
ان للقيادات الدور البارز في احلال السلام بين الشعوب والدول والمجتمعات، والتاريخ يذكرنا بقادة عظام امثال غاندي، مانديلا، البارزاني وآخرون حيث اتخذوا من السلم قاعدة أساسية لنيل الحقوق والمطالبة بها ومايزال الرئيس بارزاني يسلك هذا المسار في قضية استقلال كوردستان العراق بالتفاهم والحل السلمي مع بغداد .
ان عملية بناء السلام اصعب من عملية صنع السلام لانها اوسع واشمل وتحتاج الى وقت اكثر ولذلك هي تعتمد على النظام السياسي الحاكم وارادته في ترسيخ وتغذية اسس بناء السلام المستدام والتي تبدأ من تحقيق العدالة الاجتماعية وسد الفجوات بين فئات المجتمع وتحقيق ادنى مستويات المعيشة والحفاظ على كرامة الانسان بكل الاحوال .
انا اعتبر كوردستان خير مثال على ذلك، لانها البقعة الوحيدة في الشرق الاوسط التي يمكن ان يعيش فيها اي شخص على اختلاف نوعه وجنسه وديانته بدون تمييز .
لذلك على المجتمع الدولي المحافظة على اقليم كوردستان وتجربته، ويمكن للعراق ايضا ان يستفيد من هذه التجربة في وأد الصراع الطائفي المذهبي المقيت .
ان الاصل في الانسان هو الخير وليس الشر ولا يمكن ان نعالج الاساءة بالاساءة او الكراهية بالكراهية او الحقد بالحقد كما قال غاندي، وكذلك عندما تم اطلاق سراح نيلسون مانديلا قال وهو يخرج من السجن ( علينا ان نضع الكراهية خلفنا والا سنبقى مسجونين للابد ) .
ويقول البارزاني الخالد ( نحن لانحارب العرب ابداً فالعرب هم اخوتنا ولقد عشنا معهم قروناً وسنظل نعيش معهم وبوسعنا ان نتعايش معهم الى الابد) .
اننا نعاني من عدم وجود استراتيجية شاملة لبناء السلام في المنطقة بشكل عام بسبب عدم وجود ارادة حقيقية وتغليب المصالح الضيقة على الانسانية العامة ووجود مظالم بحق شعوب المنطقة ومنها اتفاقية سايكس بيكو التي جاءت على حساب شعب كوردستان والتي اثبتت فشلها حالياً بعد مرور مائة عام عليها .
لا يمكن ابدا تسييس السلام، فهذا يتناقض مع مبدأ الحفاظ على كرامة الانسان بدون تمييز وعلى هذا الاساس يجب ان نتعلم كيف نبني السلام والخطوة الاولى تبدأ من الذات الانسانية والعائلة ومن ثم تنتقل الى مفاصل المجتمع ونظام الحكم، ونحن متأخرون جداً في هذا الشأن ونتحمل معاناة الاجيال القادمة اذا لم نتمكن من حل مشاكلنا فانها ستبقى لهم وعندها قد ارتكبنا خطأ فادحاً .