سفراء الكورد في بغداد....صبحيي ساليي
في العراق، وبسبب تعاظم ميل التوازنات لصالح البعض على حساب البعض الآخر، عشنا عقودأ في أزمات متتالية، وكنا كلما خرجنا من ازمة تلفت الانتباه وتثير الاهتمام، دخلنا في ازمة آخرى أشد فتكاً، وكل الأزمات كانت تؤدي الى نتائج متشابهة تحتسب لصالح الذين كانوا يملكون المال والسلاح ويسيطرون على القوات المسلحة وقوى الامن والاستخبارات، وكانت تصب في خانة الخسائر المتكررة بالنسبة للآخرين، ولشعب كوردستان بالذات الذي ظل مصمماً على انتزاع حريته والتمتع بها، مع علمه ويقينه بأن العنف لا يصلح كوسيلة لمعالجة المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتراكمة والمعقدة، لذلك كان يبدي المرونة في الكثير من الأحيان، إلا أن اصحاب القرار في بغداد، على مدى القرن الماضي، تجاهلوا الحكمة والمنطق الواقع وحدوده المعقولة، وفشلوا في التوصل الى حلول مقبولة، لذلك، كان الشعب الكوردستاني مجبراً على الدفاع عن نفسه، وبالطبع فان هذا الإجبار كان يتطلب على الدوام تعبئة الطاقات وزيادة القدرات وحماية الأنفس والممتلكات.
بعد إسقاط صدام حاولت الحكومات العراقية تمرير بعض المعالجات الجزئية لمشكلات وخلافات جذرية، ولكن ثقافة التسلط والعقلية الإستبدادية وسوء النية المسبق أفشلت تلك المحاولات ومهدت لإرتكاب أخطاء جديدة ربما أكثر فداحة من أخطاء صدام وحزب البعث، واليوم وفي ظل المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية التى تنذر بتغيير الكثير من الامور، وبالذات بعد ما حصل من إعتداءات على الحقوق الدستورية والقانونية للكورد خصوصاً، وبعد الدعوات العلنية الشوفينية التي تطالب بتهميش الكورد بحجج وذرائع مختلفة، تعالت في كوردستان الأصوات التي تدعو الى قطع شعرة معاوية بيننا وبين بغداد وإلغاء مشاركتنا الصورية هناك، وهناك أصوات أخرى تدعو الى المبادرة والحوار الجدي معها والتفاعل مع الخطوات الإيجابية والواقعية وتثبيت الأقدام أمام المتغيرات الحاصلة في البلاد والمنطقة، لوضع النقاط على الحروف، لكن آخرين يرون الحوار معها عقيماً ودون فائدة لاننا استنفدنا كل الجهود التفاوضية والدبلوماسية معها ولم تجدِ نفعا، وبما أن التنازل عن كل شيء غير ممكن، كما لا يمكن ان نتناسى أونهمل تضحياتننا ونضالنا الذي سرنا في دروبه لمدة مئة عام، لذلك هناك من يدعو الى تعبئة العقل والمنطق وتنظيم وترتيب البيت الداخلي الكوردستاني لمواجهة كل الإحتمالات، وعلى كل المستويات والصعد والإستناد بثقة عالية وقناعة راسخة على شرعية المقصود والهدف. وبين هؤلاء وهؤلاء، ظهر أحد النواب الكورد في بغداد، قبل أن يتعرض مبنى البرلمان العراقي الى الاقتحام فوصف وجوده ووجود زملائه والوزراء ورئيس الجمهورية هناك بالضروري، بحجة، إنه، حتى لو أكملنا بناء دولتنا، لابد أن تكون لنا سفارة في بغداد، قد يكون عدد موظفيها بقدر عدد النواب والوزراء الحاليين، أو أكثر، وقال مبتسماً: إعتبرونا سفراء في بغداد.. ولكن هؤلاء (السفراء) تعرضوا الى الغدر والإهانة، عندما تم إعدام دولة العراق بحجة الإصلاح، وعادوا الى الإقليم، هرباً، بطائرات مدنية وعسكرية..
ترى هل يعودون الى هناك وكل العلامات تؤكد إستحالة بقاء الأوضاع الحالية على حالها؟ وكل الحقائق تشير الى أن العراق تجاوز مرحلة الثغرات والمطبات والإنحدارات، ويعيش على برميل من البارود وبركان من الغضب، أم يبقون هنا ليعيدوا النظر، مع غيرهم، في جدوى مشاركة الكوردستانيين في العملية السياسية في العراق؟