• Monday, 23 December 2024
logo

اشتباكات قامشلو هل غيرت المعادلة....شفان ابراهيم

اشتباكات قامشلو هل غيرت المعادلة....شفان ابراهيم
انتهت الاشتباكات المندلعة بين طرفين مسلحين, من مجموع الأطراف المسلحة الكثيرة في كوردستان سوريا, ومع فوضى انتشار السلاح بين المدنيين, والتجمعات العسكرية الكثيرة. كان من المؤكد اندلاع اشتباكات بين الحين والأخر وهو ما كان يحصل, لكن ليست بضراوة وحجم الخسائر البشرية والمادية التي حصلت خلال الاشتباك الأخيرة.
ما ميز هذا الاشتباك أنه نتيجة تطابق السبب المباشر للاشتباك مع الأسباب المتراكمة منذ سنين والمهيأة لتفجير الوضع بأي لحظة. فكان تطابق السبب الظاهر للاشتباك مع الأسباب الدفينة والكامنة المؤدية للاشتباك بين الحين والأخر. فإن كان سبب الاشتباك وبحسب بيان الاسايش, إنه نتيجة إطلاق النار من جهة الدفاع الوطني على دورية للاسايش, فإن عِلة الاشتباك منسجمة مع الوضعية العسكرية المفروضة على قامشلو والحسكة لجهة تشعب انتشار السلاح بيد فئات مختلفة ومتنازعة فيما بينها, أدى لتهيئة الأرضية المناسبة للنزاع والاشتباك.

أن انتشار السلاح بين الكتائب والتنظيمات المسلحة, سواء المنظمة أو الرديفة, دون وجود رادع أو قانون يحمي المدني ويحمي العسكري من سلاح العسكري الأخر, هو نفسه السبب المؤدي إلى إطلاق النار من جهة على جهة أخرى. فلا أحد يعترف بالأخر, ولا بسلطة الأخر, ولا بشرعية سلاح الأخر. لكن إحدى أسئلة النغصة الكوردية يتجلى في موقف ودور الكتائب أو التنظيمات أو الجماعات المسلحة ضمن الاسايش وضمن قوات الحماية الشعبية دون أن يكون لهم الموقف الحاسم والوقوف على مسؤولياتهم, خاصة مع تفاقم الغلّ والحقدّ على الكورد ربما يزرع أكثر من إشارة استفهام. في مقابل رفض الإدارة الذاتية التنسيق والعمل المشترك مع المجلس الكوردي و بيشمركة روز افا, علماً أن لا سند ولا تحالف استراتيجي ولا ضمانات مستقبلية لأي جهة كوردية كانت, ما لم يكن العمق الاستراتيجي لها هو المد الشعبي والسياسي الكوردي أولاً وقبل كل شيء.

من جهة ثانية فإن الاشتباك الأخير أوضح وبجلاء فاضح هشاشة التنظيمات السياسية الكوردية لجهة إدارة أزمة طارئة, فالغالبية العظمى من سكان قامشلو بكوردها وعربها, يعتمدون في قوتهم اليومي على ما يحصلون عليه من عمليات البيع والشراء, والأعمال اليومية الأخرى, وبقائهم لثلاث أيام دون عمل نتيجة الاشتباكات, افقدهم كل شيء في بيوتهم, دون وجود أي طرف يتمكن من تلبية ابسط احتياجاتهم اليومية, وإن كان اللوم والنقد بغالبيته يصبّ باتجاه الإدارة الذاتية على اعتبارها السلطة في المنطقة, فإن باقي التنظيمات السياسية هي الأخرى لم تقدم على ما يتطلبه الشارع الكوردي, لأسباب كثيرة منها الخلافات الكوردية – الكوردية, وعدم سماح الإدارة الذاتية لمشاركة أي قوة كوردية أخرى ما لم تكن تحت وصايتها.
صحيح إن تواجد الاسايش في الأسواق والأماكن العامة منع من تكرار سيناريو 2004 من نهب وسرقة أملاك الكورد من قبل تلك الجماعات حصراً, لكن المؤلم أيضاً أن استمرارية العلاقات العربية – الكوردية, والكوردية - الكوردية على ما هي عليه سترفع من وتيرة الحقد والاحتقان والكراهية بين الأطراف المدنية المتعايشة في المدينة وأريافها, خاصة وان غالبية الشعب الكوردي تحلم برؤية جيش كوردي موحد قوامه قوات بيشمركة روز افا, ووحدات الحماية الشعبية.
الاشتباكات الأخيرة أفصحت عن تنامي القوة العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي, واستبسال عدد كبير من الشباب المتواجد في المعركة لصدّ هجمات الحاقدين على الكورد. القوة المتنامية هذه أثارت حفيظة النظام السوري لدرجة دعمه للدفاع الوطني, وإظهار نفسه بموقف المحايد, هذا إن لم يكن لحسابات جنيف ومعبر سيمالكا دور في كل ما حصل.
الاشتباكات الأخيرة رفعت من وتيرة الاحتقان الكوردي – العربي, والكوردي – الكوردي, فالدفاع الوطني كان يُشيعُ أنه نزاع بين الكورد والعرب, وأنهم يُعيدون فرض هيبة الدولة على المدينة, وإن مفهوم العروبة هو وحده ما يستوجب أن يبقى وينهض من جديد. في الوقت عينه كانت الجهات الإعلامية العائدة للإدارة الذاتية منهمكة في إلصاق تهمة الخيانة برئيس إقليم كوردستان الرئيس مسعود البارزاني, وهو ما أجج مشاعر غالبية الشعب الكوردي في سوريا, وفي الوقت الذي كان الطاقم الطبي في الإقليم الكوردستاني على أهبة الاستعداد لاستقبال جرحى الاشتباكات كانت نفس الجهات الإعلامية بصدد صناعة الخبر المضاد وإلصاق تهمة التخلي عن الحس والفكر القومي بالإقليم, ومنعهم من دخول الجرحى لتلقي العلاج هناك, وفي الوقت الذي دخل 14طن من الدواء إلى كوردستان سوريا بأمر من الرئيس بارزاني, كانت صور البارزاني تعمم على مدن كركي لكي/ تربسبية/ درباسية كخائن وبائع للقضية الكوردية.
إن الاستعداد لنشر الخطاب التخويني المنفلت من عقاله, يضع الأيام القادمة أمام أسوأ وأبشع لحظات قدّ يعيشها الكوردي في أي لحظة, وفي الوقت عينه كانت مكاتب الحزب الديمقراطي الكوردستاني – سوريا, وحزب يكيتي الكوردي في سوريا في بلدة تل تمر تتعرض للإغلاق من قبل اسايش تل تمر بحجة عدم الترخيص, كل هذه الأمور جعلت من الشعب الكوردي في حيرة من أمره, بين الدفاع عن الاسايش في وجه جماعات عُرفت بحقدها الأعمى على الكورد, وبين الاعتكاف في بيوتهم بسبب الأعمال والتصرفات التي تجرح الوجدان الكوردي.

استمرار الاشتباكات لثلاثة أيام جعلتها تخرج من الإطار المحلي, لتصل إلى حد وصول وفود ثلاثي سوري, إيراني, روسي, إلى مطار قامشلو لفض الاشتباكات وفرض نوع من الهدنة بين الأطراف, وهو ما توج ببنود اتفاق بين الطرفين. الاجتماع جاء بعد كشف صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أن روسيا أقرت بإرسال وحدات برية لدعم "الوحدات" الكوردية شمالي غرب سورية، ، في خطوة اعتبرتها الصحيفة تكتيكاً قد يؤدي إلى زعزعة التحالف الذي أقامته الولايات المتحدة الأميركية مع المكون الكوردي، وتعزيز موطئ قدم روسيا. وفي الوقت الذي كان الموقف الأمريكي واضح من الاشتباكات وضرورة إنهائها فوراً, فإن ما نشرته الصحيفة ربما يضعنا أمام حالتين بخصوص الوضع الكوردي في سوريا وتحالفاته الدولية:
1ـ وجود قاعدة عسكرية أمريكية في الرميلان والدعم العسكري من قبل طيران التحالف لقوات الحماية الشعبية, والرغبة الروسية بحضورهم مفاوضات جنيف, ورفض أمريكا لذلك, يضعنا أمام حالة اقتصار الدعم لحزب الاتحاد الديمقراطي على الدعم العسكري الدولي لقوات الحماية الشعبية في الحرب التي تخوضها.
2ـ عدم تمكن الروس من فرض الاتحاد الديمقراطي في مفاوضات جنيف, دفع بالروس للتغلغل أكثر ميدانياً في العمق البري الكوردي في كوردستان سوريا, وانتقاما من إسقاط الطائرة الروسية في الأجواء التركية, وهو ما سيتأكد لو تم إزاحة الدفاع الوطني من مقراته في كل من قامشلو والحسكة, وتقليل صلاحيات النظام السوري, سواء بشكل جدّي أو على الأقل ظاهرياً.
الاشتباكات انتهت, وأسدل الستار على حالة طمر الأنساق المضمرة, المتوترة والمخيفة في العلاقات الكوردية – العربية, وبات من الواضح بروز أكثر لأزمة الثقة العربية – الكوردية, وفي الجهة المقابلة أيضا تعرَّ أصحاب التجييش العرقي في المنطقة, والتزم أصحاب الدعوات الحقيقية للعيش المشترك بالحياد وعدم الانجرار للفتن التي تُحاك ومنذ 2004 ومن أكثر من مصدر.
Top