• Monday, 23 December 2024
logo

كوردستان والانهيار السياسي في بغداد...فائق عادل يزيدي

كوردستان والانهيار السياسي في بغداد...فائق عادل يزيدي
يشهد العراق منذ اواخر شهر آذار الماضي، مستجدات وتطورات سياسية، تجعل مصير هذا البلد كدولة فيدرالية اتحادية على المحك، وقد تودي هذه التطورات بالعراق الفيدرالي، ليكون عام 2016 اخر عام في عمر هذه الدولة.

ما يمر به العراق الآن هو انهيار سياسي بكل معنى الكلمة، بدأ بعد ان قرر رئيس مجلس الوزراء الاتحادي حيدر العبادي، تشكيل حكومة تكنوقراط وتقليص الوزارات ضمن مشروع اصلاحي يهدف الى النهوض بالعراق بعد سنوات من الفساد، الذي بات ينخر جسد الدولة في جميع مؤسساتها.
وباعتبار ان العملية السياسية في العراق مبنية على التوافق السياسي، الذي يحلو للبعض تسميته بالمحاصصة، فإن تشكيلة الحكومة يجب ان تكون كما غيرها من التشكيلات السابقة، تتم بتوافق بين الاطراف السياسية، العبادي هنا تجاهل بعض الاطراف ومنها الكورد، وقدم تشكيلة يفترض انها تضم اسماء تكنوقراط، وقدم هذه التشكيلة الى مجلس النواب يوم 31 آذار الماضي، على ان يدرسها مجلس النواب خلال مدة 10 ايام.
ما حصل انه لم يحصل التوافق والمجلس فشل في التصويت عليها، وطلب من العبادي اجراء تعديلات على القائمة، والعبادي بدوره قدم التشكيلة الجديدة للمجلس في جلسة يوم الثلاثاء 12 نيسان والتي حضرها، واتخذ المجلس قرارا بالتصويت على التشكيلة يوم الخميس 14 نيسان، بعد انتهاء جلسة يوم الثلاثاء، بدأ نواب باعتصامٍ تحت قبة البرلمان احتجاجا على عدم تصويت المجلس على التشكيلة الوزارية الجديدة، تطورات دراماتيكية شهدها يوما الثلاثاء والاربعاء ولاحقا الخميس، فالنواب المعتصمون بدأوا حملة لجمع التواقيع للمطالبة باقالة الرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية، رئيس الوزراء الاتحادي، ورئيس البرلمان)، وتقرر عقد جلسة طارئة يوم الاربعاء 13 نيسان لبحث طلب اقالة الرئاسات الثلاث، اخفق المجلس في اكمال الجلسة بعد ان افتعل بعض النواب المعتصمين أزمة مع النواب الكورد، وصلت الى حد العراك بالايدي وتقاذف قناني المياه تحت قبة البرلمان، مما حدا برئيس المجلس رفع الجلسة.
يوم الخميس وفي وقت كان مقررا فيه عقد جلسة للمجلس، يستضيف فيها العبادي، اعلن النواب المعتصمون عن اختيار النائب عدنان الجنابي، وهو اكبر النواب المعتصمين سنا، رئيسا مؤقتا لمجلس النواب، خلفا للجبوري وقرروا عقد جلسة للبرلمان، عقدت جلسة المعتصمين بعد اكمال النصاب، وطبعا الدائرة الاعلامية في المجلس اعلنت عدم اكتمال النصاب لعقد جلسة استضافة العبادي، بينما قام النواب المعتصمون بعقد جلستهم والتصويت على اقالة اعضاء هيئة رئاسة المجلس (رئيس مجلس النواب ونائبيه)، ورفع الجلسة الى يوم السبت 16 نيسان، بدوره اكد الجبوري في مؤتمر صحفي يوم الخميس 14 نيسان، ان جلسة المعتصمين غير شرعية وقرار اقالته لا يستند على اي مستند قانوني.
مر يوم السبت دون تصادم، وقام الجانبان بتأجيل عقد جلستيهما وسط مبادرة اطلقتها كتلة بدر، التابعة لمنظمة بدر التي يترأسها هادي العامري، الى يوم الاثنين 18 نيسان، لا اعتقد سيكون هناك تطورات، لكن بكل تأكيد ستكون هناك مواجهة سياسية من العيار الثقيل، وهي اقل ما يمكن وصفها به، اكمال لعملية انهيار سياسي تشهدها بغداد.
في ظل هذه التطورات وهذا الانهيار في العملية السياسية، واحب تسميتها انهيارا لان سقوط مجلس النواب وانقسامه، وحالة الفوضى التي دبت به، اسباب كافية لوصف الامر بالانهيار، في ظل كل ذلك فإن اقليم كوردستان، (الجزء من العراق الفيدرالي المبني على الشراكة الحقيقية)، امام مفترق طرق، فهو عليه التعامل مع الوضع كما هو طيلة الاعوام الماضية جزءا من الحل لا المشكلة، وان يكون على اهبة الاستعداد لتنفيذ الخطة (ب)، التي ستكون سبيله الوحيد للحفاظ على نفسه في ظل الانهيار السياسي في بغداد وانعدام الشراكة الحقيقية.

حتى اللحظة الكتل الكوردستانية والقيادة السياسية في اقليم كوردستان تتعاطى مع الامر بعقلانية وحكمة ودراية بحقيقة الأمر، وهي اكدت في بيان لها يوم السبت 16 نيسان، بعد اجتماع للكتل الكوردستانية في بغداد، اكدت ضرورة الحفاظ على حصة الكورد في ادارة الدولة (الرئاسة والحكومة ومجلس النواب وجميع مفاصل الدولة) وفقاً للدستور، ومقاطعة اي خطوة تخرج عن اطار الشراكة الحقيقية في البلاد، مؤكدة تأييدها لمطاليب الشعب العراقي بالاصلاح والتغيير والقضاء على الفساد لكن شريطة ان تكون في اطار الدستور والقانون. هذا الموقف النيابي تبعه موقف سياسي واضح اعلنته القيادة السياسية في اقليم كوردستان عقب اجتماع بين المكتبين السياسيين للحزبين الرئيسيين في الاقليم، وهما الاتحاد الوطني الكوردستاني والديمقراطي الكوردستاني، حيث شددا على اربعة نقاط، لخصت الموقف الكوردي الرسمي حيال الانهيار السياسي في بغداد.

القيادة السياسية الكوردستانية ابدت استعداد الاقليم واحزابه للتوجه الى بغداد بأسرع وقت، لبدء حوار جديد عن طريق وفد مشترك يضم جميع الاطراف المشاركة في مجلس النواب ومكونات كوردستان وفقاً للمشروع المصادق عليه من قبل جميع الاطراف السياسية، وبما يضم جميع مطاليب الكورد ومعالجة جذرية للمشكلات العالقة بين هولير وبغداد، فيما شددت على ان معالجة المشكلات الحالية في البرلمان والحكومة، تكون عن طريق حفظ توازن التوافق السياسي والحكومي وبارادة حقيقية، مبنية على اساس الثقة. كما اكدت القيادة السياسية على تفعيل الجهود داخل البيت الكوردستاني لايجاد حلول وحقوق الكورد في بغداد وفق الاستحقاق الانتخابي.
القيادة السياسية وفي اجتماعها بعثت برسالة مهمة الى بغداد بشأن استفتاء اقليم كوردستان على مصيره سواء بالبقاء مع العراق او اعلان الاستقلال، هذه الرسالة كان مفادها التأكيد على أن الاستفتاء حق ديمقراطي لشعب كوردستان، يجب التحاور بشأن حق الاستفتاء مع شعب كوردستان والاطراف السياسية العراقية في مجلسي النواب والوزراء.
يبدو واضحا للعيان ان موقف القيادة السياسية في اقليم كوردستان صريح لأبعد حد، بل وحتى يدعو بغداد للحوار بشأن الاستفتاء، وهذا ما يتطلب تجاوبا من بغداد ان كانت هناك نية حقيقية لدى الشريك العربي في حل المشكلات والازمات في البلاد.
امام هذا الانهيار المتواصل للعملية السياسية، فإن الذهاب الى الاستفتاء في اقليم كوردستان يعني ان الاقليم يمنح دوما لبغداد فرصة لحل المشكلات، على الرغم من مرور اكثر من 13 عاما على اسقاط نظام البعث وبناء العراق الفيدرالي، والذي شهد خلال هذه الفترة عدم التزام الحكومات الاتحادية المتعاقبة في بغداد، بالدستور ولا بالاتفاقات السياسية فيما يتعلق بالعلاقة مع اقليم كوردستان، فالمادة 140 من الدستور التي تحل مشكلة المناطق الكوردستانية خارج ادارة اقليم كوردستان لم تنفذ، بل وعمدت بغداد الى تأجيل المادة ظنا منها ان الحقوق تتساقط بالقدم، كما ان مستحقات وحقوق قوات البيشمركة لم تدفع لحكومة اقليم كوردستان، هذا فضلا عن الخلاف الاكثر تعقيدا وهو ملف النفط والغاز، حيث لم تعمل بغداد طيلة هذه السنوات على تشريع قانون النفط والغاز، بل لاتزال بغداد تعمل في هذا الملف وفق قوانين من زمن حكم البعث المباد، اضافة الى موضوع الموازنة وقطع رواتب موظفي اقليم كوردستان بقرار من رئيس الوزراء المخلوع نوري المالكي منذ اكثر من عامين.
اليوم بعد اكثر من عامين على ظهور تنظيم داعش الارهابي، واحتلاله لاكثر من ثلث اراضي العراق، فإن الموقف في بغداد حيال هولير لم يتغير كثيرا، رغم ان قوات البيشمركة تخوض حربا ضروسا ضد الارهابيين شهد العالم اجمع ببسالة هذه القوات، الا ان بغداد لم تدفع بعد مستحقاتها، ولم تشرع قانون النفط والغاز، وحتى بعد ان وقعت الاتفاق النفطي مع هولير، والذي كان ينص على ان يستلم اقليم كوردستان حصته البالغة 17% من الموازنة الاتحادية العامة للدولة، مقابل تسليم 550 الف برميل نفط يوميا من اقليم كوردستان وكركوك، هذا بخلاف المادة 140 التي لم تطبقها بغداد، بل ان الجيش كاد ان يسلم المناطق الكوردستانية خارج ادارة الاقليم، الى داعش كما سلم الموصل وغيرها من المدن والمحافظات العراقية، ولولا قوات البيشمركة لكانت هذه المناطق الآن ضمن حدود دولة داعش المزعومة.
مع ضبابية المشهد وحالة الضعف والانهيار التي تعيشها بغداد، ستكون عملية استفتاء اقليم كوردستان ليقرر شعبه مصيره، خطوة في الاتجاه الصحيح، لانه بعد سنوات من الكفاح والتضحيات الجسام، من غير المعقول ان يعود الاقليم، تحت جناح حكم شمولي مركزي في بغداد، يرتدي عباءة الديمقراطية، فهم بجحة انهاء المحاصصة (كما يحلو لهم تسمية الاتفاق السياسي في البلاد) يريدون اقرار حكم الاغلبية ( كما يسمونها، رغم ان حكم الاغلبية لا يكون بالتجاوز على البرلمان والدستور)، ويسعون لتحقيق ذلك باسلوب البلطجة ( مثال ذلك ما قاموا به في مجلس النواب من اعتصام وتجاوز على عمله كمؤسسة شرعية تمثل لب الديمقراطية والدستور، ومحاولة اعتداء على النواب الكورد، بعد استهزاء بعض النواب من ايتام المقبور صدام، وكتلة المخلوع نوري المالكي)، وهذا يعني اخضاع اقليم كوردستان لقرارات الاخرين، والعودة الى اضطهاد الكورد وهضم حقوقهم لكن تحت مسميات مختلفة عما كان يقوم به نظام البعث سابقا.


صحفي كوردي
Top