المرأة شريك في التنمية...سارا سهيل
كما أثبتت الدراسات أن ثلثي النساء العربيات العاملات يعملن تحت ضغط الظروف الاقتصادية بدافع معاونة أسرهم، في مقابل 12% فقط منهن يعملن بدافع إثبات الذات .
ورغم هذه الاهمية التي يدركها الجميع فان المرأة العربية العاملة تواجه تحديات وعقبات جمة تحول دون ارتقائها لما تستحقه من مناصب قيادية او مساواة في الاجر مع زميلها الرجل، وقد تتفوق عليه كفاءة واخلاصا ـ فتواجه تمييزا واضحا في العمل، بينما تواجه انتقادا لاذعا في بعض المجتمعات من اهتمامها بعملها ويشعرونها بالنقص الدائم بحق الزوج والابناء رغم قدراتها النفسية والعقلية علي تحقيق التوازن بين مسئولياتها .
ويرجع البعض هذه النظرة الدونية لعمل المرأة إلى طابع الثقافة الذكورية وانانيتها تجاه المرأة ورفض هذه الثقافة منح المرأة اية حقوق ومنها حق العمل، وقصر دورها في الحياة علي رعاية أسرتها .
ولاشك ان معطيات هذه الثقافة الاجتماعية تتعارض تماما مع قيم الدين الاسلامي الذي أرسى قواعده على إكرام الانسان رجلاً وامرأة، واحترام حقوقهما حيث أعطى المرأة ـ كما للرجل ـ الحق في إبرام العقود، فأعطاها حقّ العمل والاجارة والتجارة والبيع والشراء والهبة والدين والضمان والوكالة وكافة التصرفات الاقتصادية بحرية واستقلالية كاملة.
بل ان نظرية الاسلام الاقتصادية قد عملت علي تثبيت الميراث للنساء وتوفر المال لديهنّ واستقلالهنّ اقتصادياً في الاسلام بما يجعلهن صاحبات ثروة ويمكنهن الاسهام بطاقتهن ومالهن في ادارة اي مشروع اقتصادي .
وحفلت المجتمعات الاسلامية عبر التاريخ بمشاركة النساء للرجال الحياة الاقتصادية في العديد من مجالات العمل، وان كانت النساء قد اختصصن باعمال تتناسب طبيعتهنّ وقدراتهنّ كصناعة السجاد والصناعات اليدوية والتطريز والخياطة وغيرها .
علما ان القدرات تختلف من إمرأة لأخرى و غير مبنية على جنس معين دون الآخر.
وفي المجتمعات العربية في التاريخ وحتى يومنا المعاصر تمثل 60% من النساء العربيات في الريف العمود الفقري للانتاج الزراعي من تنشيط التربة في الحقول وتربية الحيوانات وحلب الماشية وصناعة الألبان .
وبالرغم من تطور التشريعات القانونية التي تحمي حقوق المرأة العاملة في بلادنا ، الا ان هذه التشريعات في واد، والواقع المعاش في واد آخر، حيث لا تتساوي المرأة مع الرجل فى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على الاطلاق .
وتشير غالبية التقارير الصادرة إلى أن المرأة العربية تعاني من تدني أجرها مقارنة بالرجال. ووفقا للتقاير التي تصدرها المنظمات الدولية المتخصصة، فان حجم مشاركة المرأة العربية في سوق العمل هو الأدنى من بين دول العالم، وذلك بسبب غياب الوعي بدور المرأة وبحقوقها وواجباتها .
فرص قليلة
يكاد ينحصر عمل النساء في العالم العربي، بعدد محدود من المهن، حيث تشير البيانات إلى أن أكثر من ثلثي النساء يعملن في القطاع الزراعي، والثلث الباقي يعملن في مهن مثل : الطب والهندسة والتعليم والإدارة والوظائف الفنية، كما لا يوجد سوى نسبة 12% منهن يعملن في قطاع الإنتاج والمبيعات، وهذا التوزيع يتناسب إلى حد بعيد مع الأوضاع التعليمية للمرأة العربية، فبعض المهن تسيطر عليها النساء مثل التمريض والخدمة الاجتماعية (68% بالنسبة للتمريض و40% للتدريس)، بل إن 50% من خريجي كليات الصيدلة والتمريض العربية من النساء .
وبالرغم من وجود نظام نمطي للأجور في القطاعات الحكومية في العالم العربي، إلا أنه – بسبب تركز معظم النساء في أدنى سلّم العمل، فإن مستوى متوسط أجورهن يتدنى لحوالي ثلثي نظيره بين الرجال، فضلاً عن محدودية فرص الترقي بالنسبة للنساء .
مشاكل العمل
تواجه المرأة العاملة في بلادنا العربية مضايقات عديدة، خاصة اذا كانت تتمتع بقدرات عملية وكفاءة مهنية تعرضها لمشكلات كثيرة بسبب اعتبارها منافساً للرجل في سوق العمل، وقد يلجأ زميلها الي التعدي عليها بالعنف، وقد يلجأ للوشاية بها لدى مرؤوسيه نتيجه غيرته منها، وكذلك سعيه المتواصل للتقليل من قيمة ما تنجزه من مهام في العمل، مع استمرار صنع المكائد لها حتي تصاب بالاحباط والفشل. وقد تشمل هذه المكائد العمل على تشويه سمعتها بنشر الشائعات حولها مما قد يصرفها عن النجاح المهني والابداع فيه .
كما تواجه المرأة بمشكلة العنصرية، حيث قد يتحيز مديرها للرجال في انجاز المهمات الوظيفية على الرغم من قدرتها علي اتمامها، فيعمد المدير تهميشها باعطائها اعمال ومهام بسيطة .
المواثيق وحق العمل
كفلت المواثيق الدولية حق المرأة في العمل على أساس المساواة الكاملة مع الرجل. من ذلك المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة السادسة من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك المادة العاشرة من العهد ذاته. أما المادة 11 من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) فتلزم الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لكي تكفل لها، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة نفس الحقوق . كما تقرر تدابير لمنع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج أو الأمومة ضماناً لحقها الفعلي في العمل.
وتركز اتفاقيات منظمة العمل الدولية على حقوق المرأة العاملة ومساواتها بالرجل في الأجور لدى تساوى قيمة العمل وفي الفرص والمعاملة للعمال من الجنسين الذين لديهم أعباء عائلية.
وكفلت أول اتفاقية بشأن المرأة العاملة رقم 5 لسنة 1976 التي أصدرتها منظمة العمل العربية مساواة المرأة والرجل في كل تشريعات العمل في كافة القطاعات، ومساواة المرأة والرجل في كافة شروط وظروف العمل والأجور، وحقوق المرأة العاملة أثناء الحمل والوضع وتربية الأطفال.
أين التفعيل
رغم هذه الحقوق والمواثيق الدولية، التطورالذي طرأ علي التشريعات العربية فان المرأة العربية لم تنل مكانتها وحقوقها في سوق العمل، وتبدو هذه التشريعات كأنها حبر على ورق خطت لتوضع في الادراج !
ومع استمرار التحديات السياسية والامنية والاقتصادية التي تواجهها الدول العربية بفعل الانفلات الامني والسياسي، فان عمل المرأة بات يشكل ضرورة ملحة للحفاظ علي الحياة الاقتصادية العربية وتحقيق التنمية .
ولن تستفيد المجتمعات العربية من عمل المرأة بدون تفعيل القوانين والتشريعات التي تخدم المرأة وعملها وتمكنها من اداء مهم عملها بكفاءة .
ولاشك ان الحكومات العربية عليها دور رئيسي في تفعيل الاطر القانونية والتشريعية لحماية المرأة في مجال عملها، والقضاء علي على التمييز ضدها، وتعزيز دخولها ميدان المنافسة الاقتصادية، والعمل علي دعم قدراتهامن خلال التدريب والتأهيل المتواصل .
أما الاعلام والمؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية فعليها ادوار مهم في تغيير ثقافة المجتمع السلبية ضد عمل المرأة ونشر ثقافة مضادة تكرس لاهمية عمل المرأة وحقها في الاجر العادل والتمكين في الترقي المهني والوظيفي، وذلك باعتبار المرأة شريك اساسي في تحقيق التنمية