• Monday, 23 December 2024
logo

عندما يكون الاستفتاء شرطا لازما للحرية... لماذا الاستفتاء الآن؟...احمد ناصر الفيلي

عندما يكون الاستفتاء شرطا لازما للحرية... لماذا الاستفتاء الآن؟...احمد ناصر الفيلي
يعرف القانونيون الاستفتاء بأنه الرجوع الى الشعب واخذ رأيه بصورة مباشرة لانتخاب قضية معينة أحيانا تكون مصيرية او قضايا دستورية جوهرية. وتلك من القضايا التي لا مراء فيها، لذا واستنادا الى ذلك التعريف القانوني فلا غضاضة من إجراء استفتاء في إقليم كوردستان العراق للبت في قضايا مصيرية، اذ هي أولا وأخيرا لا تصب إلا في مصلحة القضية الكوردية عالميا.
وقد دعا اليها الرئيس بارزاني مؤخرا بناء على ضرورات الواقع وحقائقه الموضوعية ومستقبل شعب كوردستان، فليس من الطبيعي ان لا يدرك الشعب حقيقة موقعه في التحولات الجارية حوله، فضلا على آفاق العلاقة الاتحادية مع المركز بعد رحلة اسفار سياسية اسفرت عن غمط حقوق جديدة من خلال تجاهل حقوق الكورد الدستورية مثل المادة 140 وقضية حقوق البيشمركة التي تقاتل الان الارهاب الداعشي وتفتدي الارواح دفاعا عن البلاد وعن القيم الانسانية وكذلك حصة الاقليم من الموازنة العامة التي يتم التهرب منها تحت مختلف الذرائع والحجج في واحدة من اسوأ عوامل المماطلة والتسويف برغم ما في هذه العوامل من صدى وآثار سلبية ما تزال طرية في ذاكرة الكورد، اذ كثيرا ماعلقت على شماعتها حقوقهم.
ان التجربة السياسية الجديدة لم ترتق الى مستوى المسؤولية التاريخية في بناء وطن يتسع للجميع ولعل التراجع الخطير على مختلف المستويات وابتلاع آفة الفساد لمستقبل اجيال من العراقيين وضياع الفرصة التاريخية لاعادة البناء التي وفرها سقوط الدكتاتورية فكله يعني ضياع الفرص التاريخية الحقيقية للتقدم، فضلا على محاولات أستعادة اللهجة الميلودرامية السابقة في التحريض والاثارة والتبرير بدلا من بناء الثقة وتعميم الفهم الانساني الذي من شأنه تدعيم التعايش الاخوي وغسل ادران الثقافات السابقة وهي بجملتها مؤشرات تداع ونكوص وتكرار لسياسات عانت البلاد منها طويلا وكلفت كثيرا، فالحكومات المتعاقبة للبلاد على مر تاريخها لم ترتق يوما بالبلاد الى حقائق العصر لتحيا بمعاييرها وتخرج على الاقل دولة منسجمة تعوم في بحر المنافسة الدولية بشيء من الثقة في المستقبل وبقاء الحال على المنوال يجعل التجارب موضع مساءلة، فالتجارب كلفت دماء وتضحيات.
محاولات البعض تكريس لهجة العداء ازاء الكورد وهم المكون الرئيس الثاني في البلاد مؤشر يعكس هلعا شوفينيا وحالة مرضية في المناخ السياسي الجديد وسموم قاع مظلمة تتحكمها عقد الاضطهاد والتمييز والاقصاء المبشرة بتعميق العداوات بين البشر.
لاقى اجراء الاستفتاء صدى طيبا من القوى المحبة للخير والسلام ومن اصدقاء الشعب الكوردي ولم يشذ عن القاعدة سوى اصوات نشاز تذمرت من إجراء الاستفتاء، بل ضاقت به ذرعا تحت أغطية واهية لا تستر حتى عري المحتجين المعترضين عليه لا سباب ليس اقلها جهلهم بمدخلات الصراع في المنطقة وتداعيات لأوضاع ليس لشعب كوردستان من مصلحة فيها او هدف.
مبدئيا يعد مبدأ حق تقرير المصير حقا ضمته وضمنته العهود والمواثيق الدولية الملزمة المنبثقة عن ارادة المجتمع الدولي وعلى اساسه وجدت الكثير من الدول الحديثة طريقها الى الوجود.
في اقرب المواقيت الدولية لهذا الوجود الاستفتاءات التي جرت في تيمور الشرقية وجنوب السودان والقرم وافرزت نتائجها ظهور دولا جديدة في القائمة الدولية .
دوليا اعطي حق تقرير المصير للشعب الكوردي من خلال معاهدة سيفر 1920 بعد الحرب الكونية الاولى التي شهدت ظهور خارطة تقسيم جديدة للشرق الاوسط بدول حديثة لم يكن لها وجود سابقاً، لكن الحق الكوردي في تقرير المصير وجد نفسه عند مفترق المصالح الدولية وتناقضاتها التي اجهزت عليها بمعاهدة لوزان1923 .
لم تكن كوردستان جزءاً من دولة العراق الحديثة لحظة ولادته وانما تم الحاقها به بعد عدة اعوام على اثر قيام لجنة التحقيق الدولية التي ارسلتها عصبة الامم للتحقيق في رغبة الكورد بذلك اي ما عرف حينها بمشكلة الموصل وقررت عصبة الامم قبول انضمام كوردستان الى الدولة العراقية الناشئة في 16-12-1924 بعد تقرير اللجنة الذي ثبت رغبة سكان ولاية الموصل ذات الاغلبية الكوردية الساحقة من خلال الاستفتاء الذي اجري في كوردستان واختار فيه الشعب الكوردستاني الاتحاد الاختياري مع العراق على اساس شراكة فعلية بوثيقة دولية وقعتها حينها اثنتان وخمسون دولة عضوة في عصبة الامم.
ان ارادة الكورد الجازمة ثبتت عليها اركان الدولة الناشئة وبدلا من ان تبقى هذه المأثرة التاريخية العظيمة والفضل الكوردي اساسا للعلاقة بين الشعبين ومصباحا ينير الطريق لحكام العراق في بناء كيان قائم على الاخوة والمساواة سرعان مانسي هؤلاء الحكام تعهداتهم ولم يذكروا للكورد هذه المأثرة وعومل الشعب الكوردي بمنتهى القسوة، وانكرت عليه حقوق المواطن العادي، وشنوا عليه الحروب المتواصلة رقي بعضها الى حرب ابادة حقيقية.
من الحقائق التاريخية ان الكيان الكوردي الذي اعلنه الشيخ الجليل محمود الحفيد المعروف بمملكة كوردستان عام 1918 سبق ظهور الدولة العراقية. وبعد سقوط النظام البائد حضر الكورد الى بغداد بمحض ارادتهم بعد كيانهم المستقل لاكثر من ثلاث عشرة سنة وساهموا في بناء التجربة الجديدة وبناء اسس النظام الديمقراطي الجديد ليواجهوا بعد فترة بسيل الاتهامات والتنصل من حقوقهم التي نص عليها الدستور، وبعد كل هذا السؤال لماذا الاستفتاء.
ان القيادة ومعها شعب كوردستان في الوقت الذي تبدي كل الاستعدادات النفسية والقانونية لهذا الاستفتاء تلقي على العالم أخلاقيا المسؤولية بممارسة دوره الداعم في قضايا الحرية والدفاع عن الشعوب لاسيما مع تعاظم الخطاب الديمقراطي، الأمر الذي لن يعفي العالم الحر من دعم الاستفتاء والعمل على تثبيت الحقوق التي هدرت في اتفاقات عالمية سابقة لان الكورد تعلموا من دروس الماضي وصاروا اصلب عودا وأقوى موقفا واشد فهما.
لقد أوضحت القيادة الكوردية ان الاستفتاء لا يعني بأية حال الانفصال في هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها البلاد جراء الأخطاء القاتلة للحكومات السابقة مما أوقع البلد في دوامة أزمات متلاحقة اقتصادية وسياسية لا مفر من مجابهتها بحزم.
دافع الكورد عن خياراتهم بالاتحاد الاختياري غير مرة في حدثين بالغَي الدلالة توقف عليهما وضع البلاد، أولهما في استفتاء عام 1924 وثانيهما بعد عام 2003 وهو أمر غير مستغرب من الكورد الذين تمسكوا بخيار الاتحاد حتى مع اشد السياسات بطشا وفتكا لا سيما في عهد حكومة البعث المخلوع، أما اليوم وبعد تطور الأحداث المتسارعة في المنطقة وطبيعة إيقاع الصراع القائم فإنه لا بد من النظر الى المستقبل بالمزيد من الحرص والتمحيص لئلا تتكرر أخطاء الماضي، لذلك نرى بان الاستفتاء صار شرطا لازما للحرية.
Top