الشعب هو المسئول عن الأزمة لا حكومة كوردستان.. فلم تتظاهرون ؟....انس محمود الشيخ
فقد عانى المجتمع الكوردي من ظاهرة قلما نجدها في مجتمعات المنطقة حتى النفطية منها، وهي انحسار الشريحة التي يفترض أن تكون منتجة فيه لفئتين.. فئة الموظفين الذين يأخذون رواتبهم من الحكومة. وفئة التجار. والفئتين لا يمكن الاعتماد عليهما لخلق بنية اقتصادية حقيقية لأي مجتمع، سيما وان عدد الموظفين في كوردستان ذات الست ملايين نسمة يقترب من مليون ونصف موظف، يمكن وضع أكثرهم تحت بند البطالة المقنعة. وللقضاء على هذه الظاهرة حاولت حكومات الإقليم المتعاقبة دفع مواطنيها للدخول إلى مجالات عمل أخرى خارج فلك الوظيفة، وذلك بتشجيع المشاريع الصناعية والزراعية ومشاريع الثروة الحيوانية والسمكية طوال السنوات الماضية وذلك من خلال الوسائل التالية : -
- توفير قروض عقارية لأعمار القرى والسكن فيها للعمل في الزراعة.
- إعطاء قروض تصل إلى نصف تكلفة المشروع مهما كان ضخما لتنشيط التنمية الصناعية.
- تشجيع الاهتمام بالثروة الحيوانية والسمكية في إعطاء قروض كبيرة لمشاريع تنمي هذه الثروة.
غير أن المواطن في كوردستان تعامل مع التوجه الحكومي هذا من خلال الاستفادة من القروض دون الاهتمام بالمشروع نفسه. ولذلك فلا يمكن اتهام الحكومة بأنها لم تحاول وضع بنية اقتصادية حقيقية في كوردستان والابتعاد عن الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على النفط.
لذلك كان الأجدى بالبعض ممن خرجوا في اعتصامات ومظاهرات ضد الحكومة في الأيام الماضية أن يوجهوا اللوم لأنفسهم وان ينتقدوا البطالة المقنعة التي تمتعوا بها خلال عقدين من الزمن دون أن يقدموا خدمات حقيقية للمجتمع الكوردستاني.
ليس هذا فحسب، بل حتى في مجال السياحة، فان عدم تطورها لا تؤاخذ حكومة الإقليم عليها بقدر ما كان الوضع الأمني السيئ في العراق هو السبب وراء إحجام شركات السياحة العالمية في الدخول إلى كوردستان، لاعتقادهم بأنها تعاني من نفس التدهور الأمني.
لذلك فمن الطبيعي أن يؤثر نزول أسعار النفط على اقتصاد الإقليم وهو الذي كان إضافة إلى النقاط السابقة يواجه ضغوطات من حكومة بغداد لإيقاف أي محاولة جادة للإقليم للاستقلال اقتصاديا.
لا نستطيع إنكار وجود فساد مالي وإداري في كوردستان كما هو حال اغلب دول العالم، وحتى المتحضرة منها، وهذا ما لا تنكره حكومة كوردستان نفسها وتقر بوجوده، لكن لا يمكن جعل هذا الفساد قميص عثمان للازمة المالية التي يمر بها الإقليم. وان كانت الحكومة تنتقد على شيء فإنها تنتقد في النقاط التالية : -
1- خضوعها للضغوطات الأمريكية وتلكؤها في اتخاذ قرارها النهائي في بيع نفط الإقليم بمعزل عن بغداد، مما أهدر أموالا كثيرة كان يمكن جنيها من بيع نفط كوردستان بأسعار مرتفعة في السنوات الماضية.
2- عدم تشجيعها للاستثمارات الخارجية في مجال الصناعة واقتصار تركيزها على جذب الشركات النفطية وشركات المقاولات والتجارة إلى الإقليم .
3- وضع الرجل غير المناسب في المنصب غير الملائم، في دوائر ومؤسسات الإقليم. مما جعل الأداء الإداري والوظيفي هزيلا ضعيفا، لينصبّ اهتمام هؤلاء الى ممارسة الفساد بدلا من ممارسة الادارة الصحيحة، وليضاف عبئا جديدا على الأعباء التي كان يعاني منها.
وأخيرا ... فمهما كانت أسباب تدهور الوضع الاقتصادي في كوردستان فان علاجها لا يكون بالمظاهرات والاعتصامات التي تشهدها بعض مناطق الإقليم. ومن ناحية أخرى لا يمكن تعويض النقص في الميزانية بقطع رواتب الموظفين وجعلهم كبش فداء لمعالجة تداعيات هذه الأزمة، بل يجب على الطرفين تلافي أخطاء المرحلة السابقة وتكريس الجهود من اجل تجاوز هذه الأزمة، خاصة وان كل الدلائل تشير إلى أننا على أعتاب تطورات سياسية كبيرة في المنطقة لا يمكن إضاعتها بوضع الإقليم في حالة من الفوضى الشاملة. وكم تمنيت أن نتخذ من البيشمركة مثالا نحتذي به جميعنا حكومة وشعبا، فرغم أنهم الشريحة الأكثر تضررا من الأزمة المالية إلا أنهم لا يزالوا صامدين مرابطين في جبهات القتال يضحون بأنفسهم وأرواحهم من اجل أن تبقى كوردستان شعبا وحكومة بعيدين عن المخاطر التي تهددهما.