كوردستان موطن الابطال...ايفان ناصر
ولو قمنا بمناوشة هذه المعادلات على وفق حيثياتها التفصيلية ودقائقها الاجرائية التطبيقية ومطابقاتها النصية والواقعية القصوى فيمكننا القول ان معادلة الجوهر والعرض يهيمن على مفردة البطل ( ككائن مارد ) في اطار النص التراثي في الابداعات الكوردية سواءاً الشعرية او الملحمية او الاسطورية وبالاخذ بتلابيب الجوهر في مقابل انزياح العرض عند مناوشة الشيمة، كذلك فان الخاص هو المهيمن وهو الغالب في مقابل العموم في شيمة ( البطل ) منطوقاً وملفوظاً عبر مساحات واسعة شاسعة عبر التراث الكوردي سواء الشفاهي منه او المدون في الاوعية التدوينية البدائية، والبطل هو الاعلى الذي يعلو ولايعلى عليه في الصدق والفراسة والحب والرحمة والعدل والقوة والتأثير في مجرى الاحداث والوقائع والحروب ومواقع الشرف والفضيلة والاخلاق السامية في مقابل الطرف الاخر من المعادلة ( الادنى ) اي الدناءة والخسة والرذيلة والانحطاط والاستسلام والضعف والخور والجبن والذي كان البطل الكوردي بعيداً عن هذه الدناءات كرمز مغروز في بنية النص ومثلاً يتحرك في اسقية التراث الشفوي والمحرر في عموم التراث الكوردي الذي يزخر بمفردات البطولة. كذلك احد الطرفين من معادلة الفاعل والمهمش فالبطل هو الفاعل وهو المحرك وهو المؤثر في سيرورة الاحداث وفي ادارة النص الفلكلوري التراثي الكوردي وهو المحور الذي تدور على مركزه الاحداث الجسام والاهوال العظام فهو جوهر الكائن النابض بالحياة كمؤشر جلي الى الشكيمة والعنفوان والديمومة والاصرار وربما الى الخلود. والبطل في الثقافة الكوردية لايقبل بغير النصر المؤزر واسدال ستار الاحداث لصالحه وانهاء الصراع معلناً النصر الاكيد الحاسم، فلا مكان للهزيمة والخسران في حساباته وفي انتقاله عبر الاحداث من طور الى طور ومن ثكنة الى ثكنة اخرى، فهذا البطل في التراث الكوردي الذي يقف في الطرف الاثقل من المعادلات المطروحة في خضم المناطحات والاحداث، فقد احتل البطل حيزاً اوسع من ما يناله اية ثيمة اخرى في المنطوق الثقافي الكوردي قديماً وحديثاً، فهو ليس مفهوماً هشاً ولاعابراً، بل هو مفهوم قافز وحافز وداعم يستدمج مع مجمل الفعاليات الانسانية ايما استدماج كالحب والعشق والفخر والشموخ والصمود والعز كل هذه المفاهيم التصقت والتحمت بشخصية البطل في الثقافة الكوردية، بل وظل المفهوم يرفد السياقات المعمولة في المنتوج النصي ردحاً من الزمن، ومنذ النشوء حتى مرحلة النضج، وبعد هذا الاستهلال من الضرورة بامكاني ان انوه الى ان صورة البطل لم تعد صورة اسطورية مفبركة ولا نتاجاً من نتاجات المخيلة المحض بل انتقلت الى حيز الواقع، الواقع بكل تجلياته وعناصره وبكل تطوراته وتشكيلاته فأصبح البطل اليوم كائناً مجسماً يخوض غمار المعارك، يصول ويجول في سوح الوغى ولايعد هذا ايذاناً بانتهاء البطل في التراث الكوردي ولكن اتخذت الشيمة منحاً اخر وانتقلت الى طور اخر، فقد اصبحت شخصية البطل الرمز مغذياً ورافداً حقيقياً للتكامل البطولي في راهننا بكافة تجلياته وانعكاساته ومردوداته الايجابية بالقفز على المنطق الاسطوري الذي كان يحلق في سماء الخيال ويكتسح مساحات من تراثنا وفكرنا وثقافتنا، ويشكل الرئيس بارزاني تجلياً من تجلياته وانعكاساً من انعكاساته كرمز بطولي يتمتع بكاريزما قوية ومؤثرة، يدير دفة الاحداث بجدارة فائقة ويضيف من شخصيته وقوته وهيبته على سير الاحداث والوقائع والمعارك الشيء الكثير، بل ويشكل وجوده المؤثر استدعاءاً لهذه الشيمة ( البطولة ) واستنفاراً واقعياً لما هو حامل وراكد في مجمل الواقع الموسوم بالرداءة، فقد اضاف مسعود بارزاني من شخصيته الفذة على المفهوم التراثي للبطل اضافات تحيل الى الواقع المعاش لتحفيزه والقفز به الى القمة على مدرجات البطولة الموصوفة في تراثنا لإيصاله الى مألاته المحمودة، فمما لايقبل الشك والتردد ان البطولة وفق المواصفات والصياغات والخصال التراثية تشكل قاعدة رصينة لصياغة الرمز على مستوى الواقع فهذا التواشج العضوي بين مفهومي البطولة كشيمة مغروزة في بنية التراث الكوردي وتمطهرها الشكلاني في واقعنا المعبأ بالنوابض لرفده وتدعيمه وتحفيزه تتجلى بأجلى واوضح صورة في معارك المواجهة مع داعش الارهابي، وبقيادة قوية ورصينة من الرئيس بارزاني حيث تتظافر كل هذه المفاهيم لتشكل امشاج من العوامل والمنطلقات لبعث روح البطولة من جديد وعلى مستوى المفعولات وتحت رايته وقيادته الحكيمة قائداً يقود المعارك، ولعل معركته الاخيرة ضد النازيين الجدد ومنذ قرابة السنتين ومعه ثلة من الشباب المتحمسين من العائلة البارزانية الكريمة وقوات البيشمركة الذين وقفوا الى جانبه في احلك ايام المواجهة مع الارهاب مستميتين في الدفاع عن الارض والعرض وممن لحق به متطوعاً من الشباب الكوردي الذين قدموا من كل ارجاء كوردستان من اربيل ودهوك والسليمانية وكركوك وخانقين وحلبجة وكفري وكلار وزاخو وسنجار وكل مدن وقصبات الاقليم جنباً الى جنب قوات البيشمركة، هؤلاء الشباب المتطوع هبوا هبة رجل واحد ليدافعوا عن وطنهم وارضهم وشرفهم وكرامتهم مقتدين بعنوان البطولة وبالبطل الرمز قائد البيشمركة مسعود بارزاني الذي اختزل في شخصيته المحفزات البطولية المتوارثة مستدمجاً خصال البطولة وعناصرها الكامنة في واقع المواجهة مع داعش، فهذه هي معنى البطولة بأجلى وابهى صورها ومشاهدها وبأستخلاص كامل للشيمة وبشهادة الشهود وبتوثيق الموثقين من المفكرين والمثقفين والمؤرخين، اذ يلحظ ( ميخائيل اغناتييف ) في كتابه ( الدم والنسب ) انه يرى ببصيرة نفاذة ان كل طفل في مجتمع كوردستان الذي هو بلا دولة حين يصل الى سن البلوغ يحصل على بندقيته حيث حمل السلاح يعني ببساطة ان الصبي لم يعد طفلاً وان عليه ان يتصرف كرجل، فهذه هي معنى البطولة في الثقافة الكوردية وهذه هي العروق المغروزة في سايكولوجية الانسان الكوردي، وفي البنية النفسية للفرد الكوردي، ولايسعني في هذا المقام الا ان اشير الى العدد الهائل من المتطوعين والضباط ذوي الرتب العالية من البيشمركة الذين نذروا انفسهم لمقاتلة داعش وهم في خطوط المواجهة، فهيكلية قوات البيشمركة تقتضي وجود الضباط الكبار في مقدمة الصفوف حيث استشهد عدد غير قليل منهم اضافة الى الشباب الكورد الذين قدموا من خارج البلاد حيث تركو حياة الترف والبزخ والرفاهية ليلتحقوا بصفوف البيشمركة، هؤلاء ضربوا اروع الامثال وقدموا ابهى صور التضحية والفداء الى العالم اجمع، فهؤلاء ارتأوا ان يؤدوا واجبهم القومي والوطني والاخلاقي وفضلوا القتال مع اخوتهم في المعارك ضد داعش على العيش الرغيد في الغرب، اثروا الاستطلال ببارزاني الوارف، القائد المنقذ في هذه الظروف الاستثنائية العصيبة، ( البطل ) الذي انتشل مفردات البطولة من التراث الكوردي ليضخها عبر شخصيته الخلاقة الى ساحات القتال ليرسخ مفهوم البطل وليغرز عنوان البطولة في ارض كوردستان، فكوردستان موطن الابطال.
· *كاتب وإعلامي