• Sunday, 22 December 2024
logo

إنهم يفسدون وعي الأمة....عماد يوسف

إنهم يفسدون وعي الأمة....عماد يوسف
كثيراً ما تهولنا الأرقام التي تسقط ضحايا الإرهاب الذي يعتمد على التصفية الجسدية ضد الآخر المختلف، و هو عمل يلقى كل أنواع الإدانة و كافة مشاعر السخط على ما يقوم به المتطرفون مهما كانت عقائدهم وأعراقهم، ولا شك أن رد الفعل الذي قد تولده هذه الأعمال الوحشية غالباً ما تكون أشد وأقسى في تأثيرها على حياة الناس من قبل السلطات الحاكمة ويؤدي إلى ظهور نوع جديد من الإرهاب الفكري يقوم بمصادرة حرية الرأي والتعبير و الحركة مبررين ذلك بالحفاظ على الأمن في وجه الفوضى التي يبتغيها الإرهابيون في إحداث المشاكل و التفجيرات لفرض لون واحد من الخطاب والممارسة وتجنيد الناس للفكر والحزب الواحد.

و قد اعتمد النظام السوري هذا التبرير خلال سنوات حكمه لقمع كل المعارضين لممارساته الاستبدادية وإغلاق كل باب يمنح الحوار السياسي والفكري جدواه في تحريرهما من قبضة السلطات الأمنية، علاوة على تفتيت البنية الاجتماعية وبث الانقسام والطبقية بين مكوناته وصاغوا نوعية العلاقة بينهم على نحو عدائي يذكي ويعمق الخلافات بينهم.

و قد سار حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يسيطر على المناطق الكوردية في سورية على المنوال نفسه في قطع جسور الحوار حول المصالح العليا والأحلام المشتركة بين فئات الشعب الكوردي ليستبدل بها صراعاً أيديولوجياً وفرض خطاباً منزوعاً من كل القيم القومية والانسانية والمدنية على مبدأ " من ليس معي فهو ضدي " و انزلق نحو العلاج السلطوي – بمعناه المقيت - في فرض نفوذه وهيمنته وفلسفته على المجتمع متجاهلاً العلاج السياسي والاجتماعي ونداء الضمير الكوردي الذي يدعو إلى الوحدة ونبذ الخلاف والضغائن نحو تحقيق طموحات الشعب الكوردي في الحرية والحياة الكريمة.
وقد بلغ الأمر بكافة القوى المسلحة على الأرض السورية بما في ذلك النظام أولاً المساس باستقرار الأفراد والعبث بأمورهم الشخصية والنيل من ثوابت قيمهم ومقدساتهم، فكانت للأعلام القومية حظها من التنكيل وللرموز الوطنية نصيبها من السباب وللتعليم حقه من التدمير الممنهج لأسسه وأركانه حتى فقد مكانته، فساد الجهل وأصبح خطاب التجنيد والتجييش يغلب مدنية الأمة وآمالها، وأصبح تعامل القوى المسلحة مع معارضي أيديولوجياتهم وممارساتهم على قاعدة الاتهام بالخيانة والعمالة بما في ذلك الاتهامات التي شملت النواحي الأخلاقية والذمة المالية والولاء السياسي و العقائدي.
وعمدت القوى المسلحة ومنها حزب الاتحاد الديمقراطي في سبيل تجنيد الموارد البشرية لتنفيذ مآربها وأجنداتها إلى عسكرة المجتمع وسن القوانين الملزمة لأبناء الشعب القابع تحت سيطرته بمختلف تنظيماتهم وعدم الاعتراف بحق الناس كقيمة اجتماعية وسياسية في المشاركة بوضعها بما يحفظ وجودهم وكرامتهم، بل قهرتهم العشوائية القاسية في قمع المعارضين لقوانين التجنيد الاجباري وأدلجة التعليم وسوق القاصرين والقاصرات للجندية خطفاً، كما جندت كافة الموارد الطبيعية والخدمية والوظيفية لصالح خطاب العسكرة ليبقى الشعب بين خياري حمل السلاح أو التهجير القسري للظفر بحياة يضمن مستقبل أبنائهم بعيداً عن لغة الدم والسلاح .
و لا شك أن هذا الخطاب المشوب بالحقد يحمل في طياته أصداء إهدار المصالح العليا والدائمة مقابل كسب جولات نسبية وعارضة، بحيث لم يعد من الممكن تصور إصرارهم على توالي إصدار القوانين التي تشرع لهم ممارساتهم وتضيق على الشعب حياتهم الطبيعية ناهيك عن حرية التعبير والعمل و السياسة.
ما يحدث ليس فسادًا للوعي فحسب
بل أنكى وأشد وبالاً...
إنه إيذان بانفجار وحده الله يعلم إلى ماذا سيفضي؟!
Top