• Monday, 23 December 2024
logo

الأزمة السياسية في كوردستان الحلول والمخارج...ريناس بنافي باحث في الفكر السياسي والاستراتيجي

الأزمة السياسية في كوردستان الحلول والمخارج...ريناس بنافي باحث في الفكر السياسي والاستراتيجي
في ظل هكذا ظروف سياسية دولية واقليمية معقدة ومتقلبة وخطرة...ووجود مشاكل في الميزانية والموارد..ووجود مخاطر جدية على أمن الأقليم...حري بقيادات الأحزاب كلها أن تضع صراعاتها ومنافساتها الحزبية جانبا وتنظر مجتمعة لوضع خطط لعبور المرحلة الصعبة بأقل الخسائر على أمن الأقليم ومواطني الأقليم
وأن استمرار الأزمة السياسية وعدم إيجاد مخارج وحلول لها، يعكس حالة سلبية وجمودا في الحركة الاقتصادية والواقع الاقتصادي من كل الجوانب سواء على الصعيد الاستثماري أو السياحي وكذلك المعيشي». والمواطن البسيط يامل في أن تؤدي مساعي المسؤولين الى ترسيخ الاستقرار والحؤول «دون الاستمرار في زيادة أعباء الدين العام وتراجع حجم الاقتصاد وتضاؤل فرص النمو».
وفي رسالة وجهها رئيس إقليم كردستان السيد مسعود بارزاني دعا فيها الأطراف السياسية الى التوافق لحل الأزمة السياسية في كردستان, والانصراف نحو معالجة مشـكلات الإقليـم خاصـة الوضع الاقتصادي المتدهور.وبين سيادته ان الخروج من هذه المرحلة بحاجة للكثير من الصبر والتحمل.
ووعد رئيس إقليم كردستان شعبه ببذل مساعيه لحلها, قائلا :”أعدكم بأن أبذل كل ما بوسعي بمعية جميع الأحزاب المشاركة في حكومة اقليم كردستان وفي البرلمان لحل جميع المسائل التي تواجه العملية السياسية والتي تعترض طريق اقليم كردستان، لحماية المصالح العامة لشعب كردستان ولحل كافة المشاكل والنواقص وعدم تكرارها ولتفعيل عمل البرلمان والحكومة وفق اساس جديد”.
وتابع ان الظرف الحالي الذي يمر به الاقليم، يتطلب منا أن نعمل جميعنا على تحسين أوضاع شعب كردستان بدلا من الخوض في صراعات وعداوات سياسية، وأن نستفيد من التغييرات المتواصلة في المنطقة، وألا نفرط في الفرص المتاحة لنا حالياً، لضمان مستقبلنا وذلك عبر رص الصفوف وتقويتها”. وتلقت الأحزاب الرئيسة رسالة رئيس إقليم كردستان بالترحيب كونها تحمل مبادرة منه لحل الأزمة السياسية ، فقد أعربت الاحزاب الكوردية ترحيبها بالمبادرة, وابدت استعدادها للجلوس الى طاولة الحوار لمناقشة المبادرة والعمل على تحقيقها.

وقبل البدء لابد من التنويه لبعض المفاهيم والنظريات المهمة والتي يجب علينا فهمها
1- نظرية التحدي والاستجابة؟
يُـفسّر أرنولد توينبي ان الحضارات والدول عندما توجه ازمة او مشكلة قد تفقد توازنها لفترةٍ ما، ثم قد تستجيب لها بنوعين من الاستجابة:
استجابة سلبية: النكوص إلى الماضي لاستعادته والتمسك به تعويضاً عن واقعه المُرّ، فيصبح انطوائيا.
استجابة إيجابية: تَـقَـبُّـل الصدمة والاعتراف بها، ثم مُحاولة التغلُّب عليها، فيكون في هذه الحالة إنبساطيّاً.
فكلما ازداد التحدي تصاعدت قوة الاستجابة حتى تصل بأصحابها إلى ما يسميه بـ “الوسيلة الذهبية”، والتي تتلخص في أنَّ أي حضارة تقوم بمواجهة التحدي بسلسلة من الاستجابات التي قد تكون أحياناً غير ناجحة في مواجهة التحديات التي تعترض طريق النهضة والحضارة، ولكن بالتحدي وكثرة المحاولات المتنوعة تهتدي الأمم إلى الحل النموذجي الذي يقودها بأمان إلى النهضة والحضارة، وتكون بذلك قد وصلت إلى الوسيلة الذهبية.
ولعل مشكلتنا تكمن في مسألة الحلول الفاشلة، حيث أننا لسنا عاجزين من أن نولد أفكاراً تصل بها إلى الوسيلة الذهبية، غير أنها تحتاج إلى سِعَة أُفق وجرأة على التصدي للمشاكل، فالاستمرار في الأخذ بالوسائل المُجرَّبة غير المُجديَّة يُمثـل الدوران حول النفس، بينما لو جربنا طُرقاً جديدة لتحقق التغيير المنشود، فقط يتطلب الأمر الجرأة على طرق الأبواب الجديدة وعدم الاكتفاء بالوسائل المجربة سابقاً.
يقول “روبرت شولر”: “أُفضِّل أن أغير رأيي وأنجح على أن أستمر على نفس الطريقة وأفشل”.
ويقول “ليوناردو ديفينشي”: “فقط عبر التجربة نستطيع أن نتعلم شيئاً”.
ويقول “توماس أديسون”: “العديد من التجارب الفاشلة في الحياة تكون عندما لا يُدرك الناس أنهم كانوا قريبين من النجاح عندما استسلموا”، ويعلق أديسون على تجاربه الكثيرة: “أنا لم أقم بألف تجربة فاشلة، بل تعرفت على ألف طريق لا يؤدي إلى الحل الصحيح”.
والخلاصة أنَّ هذا العدد من المحاولات سيأتي حتماً بالوسيلة الذهبية، وكل محاولة فاشلة تعطي نضجاً أكبر للحركة التغييريّة باتجاه النهضة والحضارة، حتى توشك الحركة أن تعثر على الوسيلة الذهبية وتستخدمها، إنَّ فكرة الوسيلة الذهبية التي طرحها توينبي تبعث على الأمل، وتجعل من التجربة والمحاولة في حد ذاتها شرفاً كبيراً، لأنها تُسهم بشكل أو بآخر في إحداث التغيير، إما لكونها وسيلة ذهبية، أو لكونها وسيلة أوضحت طريقاً لا ينبغي لأصحاب المحاولات أن يسلكوه ثانيةً، كما أنها تحطِّم فكرة الجمود والتفكير بنمط واحد، فمن جرَّب وسيلة وفشل بها فليجرب وسيلة غيرها.

2- نظرية الإمكان التاريخي
يذهب البعض الى الاعتقاد بان ما كان هو حدود الإمكان، وأن لا مجال للنقد أو المراجعة ولكن الحقيقة تثبت عكس ذلك ففي الإمكان أفضل مما كان
تبني فكرة الإمكان التاريخي، وهي فكرة تنطلق من أن الصيرورة التاريخية – بما هي فعل بشري إرادي– حبلى بالاحتمالات دائما. وما يتحقق في واقع الحياة، ليس هو كل الممكن، بل هو جانب من إمكانات شتى، رجَّحت ظروف الفعل البشري ظهوره. وبذلك تكون فكرة الإمكان التاريخي أداة منهجية فعالة، يتبين من خلالها الفارق بين ما كان، وما هو ممكن، ويصبح التقييم متاحا، استنادا إلى ذلك الفارق.
ففكرة الإمكان التاريخي ترشدنا ان ما يتحقق في واقع الحياة، ليس هو كل الممكن، بل هو جانب من إمكانات شتى، رجَّحت ظروف الفعل البشري ظهوره.

3- الحوار وحده يوصلنا الى بر الأمان، فهو الحالة الصحية الواجب استمرارها على كافة المستويات، وهو قارب نجاتنا، لأنه يفضي الى رؤية توافقية اصلاحية شاملة تعالج كافة الاشكالات والتي تفوت الفرصة على أعدائنا، والحوار وحده يمد جسور المحبة والتعاون والثقة بين أبناء الوطن، والحوار هو مخرجنا الوحيد من الأزمة ولا مجال للفشل.. فلابد من تفاعل الآراء وتوحدها لوضع ميثاق وطني يلتزم به الجميع.

4- الوحدة الوطنية والحفاظ عليها من أهم الواجبات و الأولويات المرتبطة بتحقيق ما نحلم به من الانتصارات المستقبلية الواعدة، ويصبح كل فرد من هذا الشعب مسؤولا عن حماية وحدة الوطن والشعب، وعن التصدي لكل الممارسات الرامية إلى النيل منه, و على الجميع ان يتنبه الى حقيقة ان السلاح الأقوى الآن، البعيد عن الشعارات الفارغة هو التوحد، بما يتضمنه من التزام يواجه الفرقة بين صفوف أبناء الوطن الواحد وتأثيراتها الوخيمة .

أن الصراعات والنزاعات الدائمة، لا تنشأ بسبب وجود الاختلاف والتنوع، وإنما تنشأ من العجز عن إقامة نسق مشترك يجمع الناس ضمن دوائر ارتضوها. والحوار من النوافذ الأساسية لصناعة المشتركات التي لا تنهض حياة اجتماعية سوية بدونها.
وعليه فإن الحوار لا يدعو المغاير أو المختلف إلى مغادرة موقعه الثقافي أو السياسي، وإنما هو لاكتشاف المساحة المشتركة وبلورتها، والانطلاق منها مجددا ومعا في النظر إلى الأمور. وإن عظمة أية ثقافة في انفتاحها، وقدرتها على تأصيل مفهوم الحوار والنقد في مسيرتها، فثمة أشياء ومعارف عديدة يتم الاستفادة منها من جراء الانفتاح والتواصل والحوار.
والثقافة التي تصطنع الانفصال والانغلاق تبتر التاريخ وتقف موقفا مضادا من الوعي التاريخي. كما أن الثقافة الحوارية، هي المهاد الضروري إلى التقدم الاجتماعي والسياسي والحضاري.. فالحوار يعيدنا جميعا إلى اكتشاف ذواتنا، ويقوي خيارات التواصل والتعارف، ويدفعنا جميعا إلى التخلي عن تلك الخيارات العنفية والتي تمارس النبذ والإقصاء..
إن الحوار ليس حلا سحريا لمشكلاتنا وأزماتنا، وإنما هو بوابة امتلاك الرؤية السليمة لمعالجة المشاكل والأزمات. وإننا كشعوب ومجتمعات، وكأفراد وجماعات، لا نمتلك أفضل من خيار الحوار لتفاهمنا المشترك أو لمعالجة مشاكلنا أو لضبط اختلافاتنا. فالبديل الحقيقي عن الحوار، هو المزيد من المماحكات والشحناء والبغضاء، والتي تفضي بدورها إلى الصراعات والحروب والتي تدمر كل شيء، ولا رابح حقيقي منها.
الحوار هو طريق إجلاء الحقائق والوصول إلى صيغ لتفعيل المشترك الوطني، وسبيلنا للحفاظ على مكتسبات الأمة والوطن.
والوحدة الوطنية ليست مقولة تقال أو خطابا يلقى، وإنما هي ممارسة متواصلة ومشروع مفتوح على كل المبادرات التي تزيد من رص الصفوف وتوحيد الكلمة وتمتين مستوى التلاحم الوطني. وهذا بطبيعة الحال، لا يتأتى إلا بالمزيد من السعي والعمل والكدح على تكريس أسس هذه الوحدة ومتطلباتها في الواقع الاجتماعي. ولا ريب أن الحوار بين مختلف المكونات والتعبيرات، هو من المدخل الأساسية التي تساهم في تعزيز مفهوم الوحدة الوطنية. إذ بالحوار نستطيع أن نفهم بعضنا، وبه تتكرس قيم التواصل والتفاهم، ومن خلال تقاليده وآدابه ونتائجه نتخطى واقع الانقسام وحالات الجفاء والتباعد. وبالتالي فإن الحوار الوطني المستديم، هو الذي يمد واقع الوحدة الوطنية بالمزيد من الحيوية والفاعلية. وذلك لأن الحوار المفتوح على كل القضايا والأمور والذي يدار بشفافية ونزاهة، فإنه يساهم في تجلية حقائق الوحدة الوطنية، ويجعلها على قاعدة صلبة من الوعي والمعرفة.
وإننا اليوم بحاجة إلى جهود حقيقية لتعزيز هذا الخيار وتجاوز كل ثقافة ونهج استئصالي، لا يودي بنا إلا إلى المزيد من الإرباك والضياع. ويخطأ من يتعامل مع مبادرات الحوار بعقلية الخاسر والرابح أو الغالب والمغلوب. وذلك لأن الوطن كله هو الرابح حينما تسود لغة الحوار وتتكرس تقاليد التواصل، وننبذ جميعا داء الاستئصال والعنف.
إن تمتين أواصر الوحدة الوطنية، بحاجة إلى الانفتاح والتواصل النوعي مع مختلف الاحزاب والتوجهات في مجتمعنا، وذلك لإثراء واقعنا وتطوير وحدتنا وإنجاز فرادتنا في البناء والتطوير.
إن الوحدة الوطنية اليوم، بحاجة إلى رؤية جديدة وميثاق وطني حديث، يستوعب متغيرات الواقع، ويستجيب إلى تحدياته وهواجسه. لذلك كله هناك ضرورة ملحة على مختلف الصعد، لصياغة ميثاق للوحدة الوطنية.
ان غياب الحوار الجاد وروح الوطنية الحقة من على مائدة المفاوضات، او انعدام روح المسؤولية الوطنية ، تجعل من الحوارات مضيعة للوقت وساحة للمشاحنات بدل المفاوضات بل وتنحصر بعض تلك الحوارات الوطنية بآفاق ضيقة ومهام شخصية لاترتقي الى سلم الحوار الوطني وإنقاذ البلاد من ويلات الازمات السياسية .
وعليه فإن الحوار بكل مستوياته، هو ضرورة لنا جميعا، وذلك من أجل تعميق وتوسيع المساحات المشتركة، وبلورة أطر وأوعية للفهم والتفاهم المتبادل، ولكي تتراكم أعراف وتقاليد حوارية تسود في كل دوائرنا الاجتماعية والوطنية.
وأن نجاح الحوار الوطني سيفتح نافذة أمل واسعة لحل المشاكل والازمات التي تواجه الاقليم. والتاريخ اثبت أن الحوار السياسي بين ابناء الوطن الواحد هو وسيلة لبناء المستقبل وانهاء النزاعات. والآمال معقودة على النخبة السياسية في الاقليم بتحريك خطوات ملموسة في هذا المجال. وقد آن الأوان للتغيير وتحقيق الأهداف والعزيمة والإصرار وجمع الشمل تحت راية الوطن والانخراط في الحوار السلمي برؤى وافكار بناءة لصناعة مستقبل كوردستان معا ، وفق خطوات شجاعة في هذا الخصوص.
ان الازمة التي نمر بها الان يمكن حلها عبر الية الحوار الوطني المؤسس للوحدة الوطنية التي ترسم لنا جميعا الرؤية الوطنية او الحلم الوطني والذي يعتبر من اهم عناصر التقدم في الدولة لأنه بدون وجود ووضوح حلم وطني يعني ارتباك نشاط الدولة وضياع زمن وجهد ومال وموارد دون تحقيق إنجاز استراتيجي .
والحلم الوطني هي الحاجات والأوضاع والطموحات المتوافق عليها وطنياً التي ترغب الدولة في تحقيقها والمحافظة عليها ، وتتضمن الجوانب الحيوية المعنوية والمادية ، كالمحافظة الثقافة القومية وهيبة الدولة وبقاءها وسيادتها وأمنها ، والمحافظة على أمن المواطن والمجتمع وتحقيق الرفاه والنماء السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتتضمن المبادئ والقيم والمرتكزات الاستراتيجية . كما تشمل الأوضاع والظروف والقدرات الداخلية والخارجية المواتية أو المطلوبة لتحقيق وإدراك هذه المصالح . وتمثل التوجه الرئيسي للدولة والعامل الأكثر أهمية في توجيه السياسة والاستراتيجيات وتحديد السبل والوسائل على المستوى الداخلي والخارجي .
إن أكبر خطأ يمكن أن ترتكبه أي دولة هو عدم تحديدها لمصالحها الاستراتيجية،لأن ذلك يعني ضياع جهود كبيرة وأموال كثيرة عبر سنوات طويلة دون إحداث انجاز ، فتحديد المصالح الاستراتيجية يعني تلقائياً وضوح البيئة الاستراتيجية التي تتعامل فيها الدولة ويعني وضوح العقبات الداخلية والخارجية والقضايا الاستراتيجية التي تعترض تحقيقها ، ومن ثم ينطلق النشاط الوطني في ظل رؤية واضحة على هذه الخلفية والعكس صحيح .
يمكن القول ان الهندسة السياسية تعني تحويل وترجمة الافكار والنظريات الى واقع عملي ملموس وفقا لأهداف محددة سلفا. بمعنى استخدام المصادر الطبيعية والادوات العلمية والفنية لتصميم وإنتاج هياكل وعمليات وأنظمة ومؤسسات في المجتمع وفق لمعايير محددة وأهداف متفق عليها. وانطلاقا من هذا يمكن القول ان الهندسة السياسية تعني ببساطة ان الانسان يستطيع بأسلوب علمي ومنهجي تغيير مجتمعه عن طريق تغييرالمؤسسات والقوانين والعمليات السياسية فيه. وتعني أيضا عدم ترك الاشياء السياسية الى الصدف وانما لابد من الاهتمام بالأسباب والظروف والمعطيات وتسخيرها لتحقيق الأهداف المنشودة. ويمكن اعتبارها من أهم وأقوى الادوات السياسية للقيام بتغييرات جوهرية فى المجتمع وفى تشكيل وإعادة تشكيل الهيكلية السياسية
ولهندسة السياسة في الاقليم علينا :
* تحويل المفاهيم والمبادي النظرية الى واقع عملي معاش.
*الانتقال من عالم الشعارات الى عالم البرامج.
* تجسيد واقعي عملي للأفكارالتي يؤمن بها افراد المجتمع من أجل بناء آليات حكم عصرية.
* تصميم سلوك سياسي في الدولة وبناء مؤسسات ووضع قوانين.
* استخدام المناهج والاساليب العلمية فى التعامل مع الواقع من أجل تغييره للأحسن.


ريناسبنافيباحثفيالفكرالسياسيوالاستراتيجي
لندن
[email protected]
Top