بين الفدرالية والتقسيم هم يُخططون والكورد يُتهمون....شفان ابراهيم
تتميز تهمة الانفصال الملازمة للكوردي على مدة عقود طويلة, بفقدان أي دليل أو تفسير لوجود هذه التهمة سوى رغبة تلك الأنظمة بخلق حالة دوغمائية تدفع بشعوبها نحو القفز مُغمضي الأعين على آلاف المعضلات والمشاكل التي تسببتها سياسات وممارسات تلك الأنظمة, والتركيز على حالة العداء تجاه الكوردي كعدو مفترض للأمة العربية. ولعل اتهام حسني الزعيم ومحسن البرازي منذ ذاك الحين بالتعامل مع جهات أجنبية والرغبة في تأسيس كيان كوردي, كما روج له سامي الحناوي وحاشيته آنذاك, كانت البداية في تسييس غير بريء لأي مطلب كوردي, والذي كان حتى بدايات الثورة السورية يمتاز بمطلب وطني تحت سقف الدولة السورية التي كانت تتمتع بكل مقوماتها كدولة في تلك الفترة.
انتخابات 1991 وانتفاضة 2004, ثورة2011
ما أن أعلن النظام العالمي الجديد عن نفسه, وهبوب رياح التغيير, حتى سارع حافظ الأسد إلى تغيير جزئي في هامش قواعد اللعبة, وإفساح المجال لانتخابات حرة حصل على أثرها الكورد على ثلاث مقاعد برلمانية ومقعد للأشوريين, لكن المشكلة لم تُحل, ولا التهمة أزيلت, ولم يستفد الكورد شيءً؛ لأن المطلب الرئيسي في تلك الفترة والمتمثلة بقضية المجردين من الجنسية, لم تخرج المطالبة بحلها من خندق الانفصال الكوردي المزعوم. ومع رفع وتيرة الاحتقان الشعبي عامة والكوردي خاصة تفجرت انتفاضة 2004 حينها لم يلتفت أحد إلى حجم الخسائر البشرية التي قدمها الكورد, وبكل أسف سبقت أطراف من المعارضة السورية, النظام السوري لاتهام الكورد بالسعي نحو الانفصال, وتقاطع سؤال النظام مع سؤال تلك الأطراف حول حجم الخسائر المادية التي أتُهم الكورد بها, مع العلم أن الاحتقان المُمارس من قبل السلطة هي التي دفعت الشعب السوري إلى تفجير ثورة 2011, لكن حتى ضمن هذه الثورة كان الكوردي هو ذاك الانفصالي الدائم. لا يمكن إنكار أن الداخل السوري دفع أغلب فاتورة الثورة السورية وعلى كافة الأصعدة, لكن المشكلة أن الثورة لم تغير أغلب الأفكار السابقة على الثورة, بل نقلت تلك الأفكار والقناعات إلى الساحة الأكثر عرضة للاشتغال والتطبيق والتعميم. في الواقع هذه مشكلة رئيسية يعاني منها الشباب السوري الثوري الملتزم، إذ إن ثورة هذا الشباب تبقى في أغلب الأحيان ثورة على المستوى السياسي لا أكثر. أي أنها لا تتعدى مستوى الأطر الفوقية ولا تمس بصورة عملية وفعلية مستوى العلاقات الاجتماعية ونسيجها التقليدي الذي يطبع الصعيد السياسي الأول بطابعه المتخلف والبطيء، من المرجح أن الشاب السوري ثوري سياسياً ولكنه استمر في قلبه محافظاً اجتماعيا ودينياً وثقافياً وأخلاقياً واقتصادياً إلا ما ندر. وما الادعاء بخلاف ذلك سوى مجرد تنظير خطابي لا يؤسس لا لمرحلة لاحقة, ولا لتفعيل مبدأ المواطنة الحقة في المرحلة الحالية, وهم, ربما, غير ملامون على ذلك فما وجدوه من دماء وتنكيل ودمار وانتهاء كامل لكامل شروط الحياة اليوم ولمدة عشرات السنين القادمة تكفي أن تُفسر أغلب ردات الفعل. لكن الثورة لن تبلغ المستويات العليا ما لم تتحول إلى أنماط من السلوك الجديد يمارسها الثوري في محيطه تلقائياً, وينشد تفعيلها في وسطه ومجتمعه فعلاً ايجابيا
من يُقسم سوريا, ومن دعى للحفاظ عليها
كان الطرح الكوردي ضمن سقف الدولة السورية, لكن غياب المشروع الوطني, وغياب الديمقراطية عن عموم سوريا, واستمرار حالة الحصار المفروض على الكورد, مع تفكك الدولة السورية, وترهل المعارضة وتشعبها وتشققها, دفع بالعامل الكوردي نحو طرح الخصوصية الكوردية حفاظاً على ذاتها وكيانها ووجودها, عدا عن حقيقة الخصوصية الكوردية كشعب يعيش على أرضه التاريخية يمتاز بلغة وثقافة وتاريخ يتمايز عن التاريخ السوري الحديث النشأة, لكن مع ذلك كان الفكر الكوردي يطرح نفسه كجزء من الحل السوري, لذلك طرح مشروع الفدرالية كمشروع حامي لعموم الدولة السورية, بحيث تبقى جميع المكونات مرتبطة ببعضها البعض, مع خصوصية كل رقعة جغرافية بقومياتها وشعوبها, والحفاظ على حدود الدولة السورية, والحفاظ على السيادة السورية, وعدّ الجزء العربي من سوريا جزء من جامعة الدول العربية, كشكل راقٍ من أشكال الحكم الجماعي والمشترك لما فيه خير لجميع قضايا ومشاكل سوريا, عدا عن حفظ وضمان حقوق جميع المكونات دون تسلط أي جهة على أخرى. لكن فكرة التقسيم ظهرت كنتيجة لممارسات وخطط تنظيم الدولة, فمن أزال الحدود بين سوريا والعراق, ومن قام بتشكيل دولة تمتد حدودها بين سوريا والعراق, ومن طرح تعميم تجربته وفكره وثقافته وهيمنته على جميع مفاصل الحياة في كل من سوريا والعراق, ومن عمل على تأسيس كيان قائم على كل شيء يُسيء إلى العيش المشترك ومبدأ المواطنة الحقوقية، لم يكن الكورد, فالتقسيم وإن حصل سيكون للكورد من نتائجها دولتهم الخاصة, وليس للكورد أن يكونوا أداة التقسيم, اللهم فقط في أدبيات ودوريات المتشظين كرهاً على من أحسن قراءة الثورة ومستقبلها.