الانقسامات السياسية وحالة الانسداد السياسي........ريناس بنافي
الأحداث السياسية، التي مرَّت على الشعب الكوردي قديما وحديثا ومشاهد الصراع لازمت الظروف السياسية ، وشكلت في مجملها مظاهر الانتكاسة للحياة السياسية في كوردستان
وأثبتت تلك الصراعات والاحداث أننا نفتقد إلى مناخات الثقة، ولغة الحوار والتواصل، والى الفكر الاستراتيجي العميق المستقبلي وللمصلحة الوطنية.
وتوضح تلك المظاهر اننا مازلنا نعيش زمن السجالات في اطارها الذي يخدم المصلحة الضيقة والحزبية.
وكان المفروض أن تقوم النخب بتكريس مظاهر الحوار وتقبّل النقد والاختلاف، والسعي لإيجاد ثقافة سياسية جديدة، وتوفير مساحة أوسع لصور التعددية وقبول الآخر، وتقريب وجهات النظر.
ووضع النقاشات في اطار يخدم المصلحة العامة ويخدم القضية الكوردية
وعلى العكس من هذا نرى اليوم خلافات حول ابسط الامور وتجاذبات وانقسامات وارهاصات سياسية وصراعات انقسامية وتصفية حسابات اربكت مفاصل الحياة السياسية
وتراكم هذه التحديات والأزمات حجب الرؤية عن القضايا والمشاكل والملفات المهمة والملحّة التي تمس مصالح الوطن والشعب.
فقد عانينا سنوات طويلة من تلك الصراعات السياسية وراينا كيف يكون تأثيرها على المجتمع وعلى استقراره ، وبدلاً من أن نكون قد أنجزنا في الفترة الماضية من انجازات ومشاريع وان ننظر الى المستقبل بأمل وطمأنينة نجد ان قطاعا واسعا من الشعب يشعر بالقلق وعدم الرضا عما يجري وعما يشاهد وما تمر به الحالة السياسية في كوردستان من توتر وصراع .
والغريب أنه لم تُطرح أي مبادرات جدية ولم يطرح اي حل سياسي للمشهد المازوم ولم نشهد اي تفاهمات مشتركة للخروج من حالة الصراع والانقسام والخصومة المتفجرة بين الحين والاخر.
لم نسمع بمبادرات حقيقية بل نرى الجميع مصر على رايه دون تقديم اي تنازلات لأجل الوطن، واستقراره، وتنميته، ووحدة مكوناته.
ففي جنوب كوردستان (كوردستان العراق) خلافات الاخوة وسياسات دول الاقليم تمنع التوافق السياسي ، وفي شمال كوردستان (كوردستان تركيا) خسارة للأصوات الكوردية دون التطرق الى الاسباب الحقيقية ومعالجة الوضع وتداركه كي لا تقع المشكلة في المرات القادمة ، اما في غربي كوردستان (كوردستان سوريا) الاختلاف والصراع بين الاحزاب السياسية ومنع البيشمركة من المشاركة في الدفاع عن الوطن وفرض إيديولوجيا معينة على الناس واجبارهم على القتال في صفوفهم وانكار الاخر واتباع سياسات اقليمية بعينها وخدمتها هي اهم عناوين هذه المرحلة ، واخيرا في شرق كوردستان (كوردستان ايران) الحال نفسه من عدم التفاهم والعمل المشترك والصراع في احيان اخرى .
الكثير يعتقد ان الانقسامات والصراع السياسي لها جذور حديثة من التاريخ الكوردي الا ان الحقيقة ان بذور تلك الانقسامات ابعد من هذا وابعد من كونه خلافا او صراعا سياسيا بين حزبين ولا يمكن ربطه بحالة الصراع على السلطة .
ان ما يجري هو تتويج لسيرورة من الخلافات العميقة والمتراكمة التي واجهت الحركة الوطنية الكوردية منذ نشؤها وقد استغلت الدول الاقليمية هذا الخلاف ووظفته لاضعاف القوى السياسية وافشال المشروع الوطني واستخدامها كورقة رابحة تحركها متى ما تشاء .
ان رؤية شاملة لمجريات الاحداث تؤكد ان ما يجري ليس من قبيل الصدفة بل انه مخطط له استراتيجيا مسبقا وشاركت فيه اطراف داخلية بهدف تدمير المشروع الوطني الكوردي وتدمير ممكنات قيام دولة كوردية . فدول الجوار الراغبة في تدمير هذا الحلم تقوم بدعم طرف على حساب الطرف الاخر وتدعم بصورة مباشرة او غير مباشرة لخلق الفوضى .
ان ما يجري يعد خطرا على الجميع لان حالة الانقسام السياسي والاجتماعي والثقافي سيكون سببا كافيا لتدمير الحلم الوطني واجهاض ممكنات قيام الدولة وبناء الحلم . لقد مر الكثير علينا دون ان نحقق الوحدة الوطنية والانسجام الوطني والذي كان السبب في اضعاف السلطة السياسية في الاقليم وهو السبب في اضعاف صوت الكورد في الخارج واضعاف المفاوض عن حقوق الكورد .
ان حالة الانقسام هذه لا يمكن ارجاعها الى طرف واحد فقط بل الحق ان نقول اننا جميعا مشتركون في هذه الازمة وان خطورتها تمس مصالحنا جميعا وعلينا ان نهيا الاجواء لإيجاد فرص اكثر للمصالحة الوطنية والتفاهمات المشتركة ومعالجة الخلافات بروح اخوية ووطنية .
وهنا يمكن ان نتساءل
إلى متى يستمر هذا الحال؟
ومتى نشهد انفراجا للوضع وتفاهما للمواقف؟
ولماذا البقاء على هذا الحال من صورة الاستقطاب والانقسام والصراع؟
وهل وصلنا الى حالة الانسداد السياسي؟
ومتى نرى بوادر امل حقيقية لمواجهة كل التحديات التي تواجهنا من صراعات وانقسامات للوصول الى توافق وطني واستقرار سياسي نحقق من خلاله الحلم الوطني الذي ينشده كل فرد من هذا الوطن؟
ومتى سنسمع عن بادرة حسن نية حقيقية لاصطفاف وطني لمواجهة هذه التحديات، والصراعات المتقابلة، والدعوة إلى أبسط مقومات الحوار، أو السير في أولى خطوات وآليات التوافق الوطني؟
ريناس بنافي باحث في الفكر السياسي والاستراتيجي
لندن
[email protected]