الحقيقة والخيال في بطولات الشهيد محمود ايزدي...نايف رشو
رغم ان العدو كان في ذلك الوقت في غليان البراكين والزلازل ضراوة وشراسة يفوقه ورفاقه بكافة صنوف الاسلحة الثقيلة والخفيفة محمياَ من السماء بالطائرات الحربية المتطورة تكنلوجياً ولوجستياً، وابدى ذلك البطل المغوار مقاومة عنيفة واسقط برامج العدو لتعريب المنطقة وترحيل الاف سكانها الاصليين الى جزيرة عرعر في جنوب العراق، كان الشهيد البطل قد أطلق الرصاصة الاولى وأشعل شرارة ثورة كولان التقدمية في 1976/5/26 متجاوزاً بذلك مشاعر الخيبة والانكسار التي خلفتها(اتفاقية الجزائرالمشؤومة 1975). ومنذ تلك الساعة زعزع استقرارالعدو وتحركه في كوردستان فلم يهنأ بمصائفه الجميلة، وكان في كل مرة يقابلهم بحماسةَ أشد عن ذي قبلها ويجرون ذيولهم بالخسارة الفادحة من الارواح والمعدات، فتحولت كوردستان الى مقبرة حقيقية للطغاة والجبابرة. حتى لقب ببطل حرب العصابات (جيفارا كوردستان). لحنكته في التكتيك والتخطيط والتنظيم والبراعة في مناورة العدو، حتى بات قيادات جيش الطاغية ترتجف عند سماعهم اسمه، كل ذلك في ثلاث سنوات ونيف من النضال الدائب تعجز الكلمات وتضيق المعاني عن وصف البطولة التي ابداها هذا البطل المغوار خلالها من عمليات ( شكفتي، وشمكان وكلي كورتكي وسرسنكي ...الخ). وحين فشل العدو عن المواجهة بكل اشكالها لجأ الى اساليب الغدر والخيانة فاغتالته بيد خائنٍ في ليلة 1979//8/19/18 في قرية ردنيا التابعة لقضاءئاميدي (عمادية). نعم فقد استشهد البيشمركة المناضل (محمود الائيزدي). تعالو لنتمعن معاً سيرة حياة الشهيد(محمود ايزدي):
منذ نعومة اظافره كان يعيش الشهيد البطل في بيت مهترىء واسرة متواضعة، واكب حياته واعتمد على الذات وساعد والده الى ان بلغ سن الرشد، وإنظم الى صفوف حزب الديمقراطي الكوردستاني .
ولد الشهيد القائد(هاشم الياس سلو) المعروف ب(محمود ايزدي) سنة1944 في إمارة باعدرة مسكن أمير الائيزدية في العالم حالياً (ناحية باعدرة)، من عائلة فلاحية كادحة ومن عشيرة الهكاري، تفتحت عيونه على طبيعة كوردستان الخلابة والمحزنة، كان هاشم طفلاً صغيراً يترعرع بين احضان والديه وكان في عمر الورد (5) سنوات عندما توفت والدته(ميمو نرمو) رحمها الله، رعته إحدى قريبات والده واسمها(خرشو مسطو) الى ان كبر وذهب الى المدرسة سنة 1951. وكان الشهيد طالباَ نشيطاً يحصل على درجات عالية في صف الاول والثاني الابتدائي، نظراً للظروف المعيشية للعائلة ترك محمود ايزدي المدرسة وساعد والده في الارض والفلاحة وكسب العيش، وكان للشهيد اربعة إخوة هم(حسين وسليمان وسالم وحسن) واربعة اخوات هن(هووري وكوزي و كتو وكلي). وفي سن(18) وتنفيذاً للدستور العراقي التحق محمود ايزدي بالخدمة العسكرية الالزامية، و نظراً لالتزامه بالواجبات المكلف بها وتدريبه الجيد بالصنوف العسكرية ولتفوقه في التدريب على كافة الاسلحة وادائه العسكري الجيد ترقى الى رتبة(نائب ضابط)،عندما كان يؤدي الخدمة العسكرية في مدينة النجف إنتمى(الشهيد محمود ايزدي) سنة1963 الى التنظيم السري للحزب الديمقراطي الكوردستاني وبشهادة الكوادر الحزبية كان محمود يلتزم بتنفيذ الواجبات الحزبية بدقة ويقوم بنشر ادبيات وجرائد الحزب ويطالع كافة الكراريس والكتب ليتسلح بالثقافة السياسية والعلوم العسكرية وفنون القتال ويقيم علاقات حزبية مع عديد من الكوادرالحزبية المتقدمة. وفي سنة 1968 تزوج من ابنة عمه (عيشي خديدة) وهي ابنة مربيته(خرشو مسطو). وعند اعلان اتفاقية آذار سنة 1970 يظهر علاقته بشكل علني مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني وينخرط بشكل اوضح ثم يقيم علاقات مباشرة مع كوادر الحزب، في عام 1970 نفسها رزق بولد سماه (محمود) ومن ثم سعيد. وفي سنة1974 يحس الشهيد محمود بعدم الامان وملاحقة من قبل ازلام النظام القمعي فيلتحق بثورة ايلول الكبرى ويتقلد شرف البشمركايتي، وفي السنة نفسها يرزق بابن يسميه(مسعود) و لخبرتة الطويلة بالاسلحة يستلم (محمود) سلاح مقاومة الطائرات في منطقة حاج عمران حتى سنة 1975 حيث اتقاقية الجزائر المشؤومة، واصبح حاله حال آلاف المناضلين يترك كوردستان ويلجأ الى ايران ليقيم في مخيم بهرام وفي العام نفسه يرزق بابن رابع ويسميه(فؤاد)، وفي مخيم بهرام يقرر محمود ايزدي إعادة زوجته واولاده واخيه (حسين) الى كوردستان العراق حيث والده في قرية باعدرة، لكن النظام الفاشي رحلهم عن ديارهم الى جنوب العراق محافظة الديوانية قرية الفاضلية لإرغام محمود على الاستسلام، وحين فشل في ذلك اعاد الاسرة الى كوردستان تفخيخاً للقبض على محمود.
اتصل الشهيد محمود الائيزدي بعدد من الكوادر المتقدمة في الحزب منهم (جوهرنامق وسامي شنكاري وكريم شنكاري... الخ). ولجأ محمودي ايزدي مع مجموعة من الكوادر بضمنهم عادل مزوري وعبدلله صالح وشكر كركوكي وشهاب ميراني.. وآخرين)الى سوريا عبوراً من تركيا، وفي سوريا قام بتنظيم وتدريب بعض الكوادرالموجودة للتهيئة وإعلان ثورة جديدة ونتيجة تدهور علاقة الحزب مع سوريا آنذاك وعدم السماح لهم بالنشاط السياسي لكنه احس بوضع غير آمن هناك، فقررالعودة مع رفاقه الى كوردستان وبدا العمل النضالي الدؤوب، وعندما كانو في المخيم وصلت اليهم معلومات عن تأسيس القيادة المؤقتة للحزب والثورة عن طريق البريد الحزبي، وعبر (محمود ايزدي وعادل مزوري وعبدلله صالح )الحدود السورية التركية الى تركيا (الجزير) وثم الى شرنخ ووصلوا الى اول قرية اسمها (كوليلكا) سكن فيها بعض اللاجئين وهناك حاولوا الاتصال بقادة القيادة المؤقتة في بادينان( جوهر نامق و كريم شنكاري) وعندما أحس الجيش التركي بهم وبتحركهم اعد قوة كبيرة لإلقاء القبض عليهم، فتركوا المكان وبتعليمات من القيادة واكبوا السير وعبروا قرى الكويا والتقوا ب(مصطفى مزوري) وفي اليوم التالي عبروا الخابورالى ان وصلوا قرى قشوريا وعند حافة الخابور في منطقة الكوماتة إلتقوا جوهر نامق وكريم شنكاري وابو عنتر). وبعد توجيه بعض التعليمات لهم عين محمود ايزدي مسؤولاً للجنة محلية الشيخان وعادل مزوري مسؤولاً للجنة محلية عقرة وفي يوم 1976/3/3 واكبوا السير وحملوا في حقائبهم المنسوجة بعض المنشورات الحزبية ومنها بيان قيادة الحزب وكان محمود ايزدي يحمل كلاشنكوف مهداة من جوهر نامق سالم و عادل مزوري يحمل مسدس ووصلوا الى قرية(جيلكا سيدا) وهناك بدأت المسيرة النضالية الفعلية وتمكنوا خلال فترة قليلة من إعادة تنظيم مجموعة من كوادر ثورة ايلول في مناطق محددة للتحرك السريع وإعلان ثورة كولان 1976/5/26 الانطلاقة الاولى لدور (محمود ائيزدي) السياسي والعسكري في الحركة التحرية الكوردية واعادة النشاط الحيوي للحزب الديمقراطي الكوردستاني وتوجيه ضربات قوية الى مفاصل العدو وتحقيق انتصارات عديدة في عدة مواقع وشل حركة العدو بالتقدم وتحقيق مأربه الدنيئة بتعريب المنطقة برمتها ومن اهم هذه المعارك البطولية والانتصارت التي حققها الشهيد محمود ايزدي في جبهات القتال والدور البطولي الفذ وتوضيح سياسة الحزب والثورة
أ- عملية شكفتي في شهر اب 1976. 2-عملية بيلكيف في ناحية اتروش ليلة1976/9/13/12 .3-عملية كلى كورتك(1).4-عملية بلان تقع في ناحية مريبا.5-عملية كلي كورتك الثانية يصاب محمود ايزدي بجروح في هذه العملية. 6-عملية دكان.7-عملية سرسنك وكانت اكبر عملية بقصف مقرات ومواقع الامن في سرسنك.8- عملية القوش.9-عملية بركجكي في هذة العملية استشهد احد كوادرالحزب وأسمه حميد حفزلله.10-عملية جمان.11-عملية نسرة في هذه العملية البطولية استشهد قيادي من ثورة ايلول وكولان(ويسي باني) في سنة1978.وعمليات اخرى كعملية دوستكا وعملية كاني وعملية كلي رمان وعملية باني وعملية ديرالوش عام 1979. بالاضافة الى دوره العسكري والسياسي والتنظيمي، كان قد ترك بصماته في الدور الاجتماعي والثقافي وكان الطفل يلقى مكاناً عنده وحتى المشاكل العامة يقوم بحلها، حاولت الحكومة الفاشية خمس مرات بشكل او بآخر اغتياله وبكل الوسائل الدنيئة والاغراءات لكنه كان ينجوا من كلها. كان محمود وبعض الكوادر يقومون بالتهيؤ لحضور مؤتمر الحزب التاسع في ايران، وكانت المحاولة السادسة في ليلة 1979/8/19/18 الدامسة الظلام في قرية نائية ...... طالته يد الخيانة والغدر من احد افراد مجموعته في منتصف الليل فوجه فوهة بندقيته العمياء الى صدرالشهيد وسحب باصبعه لولبة الزناد على محمود ايزدي واصابه بعدة طلقات و(سلو خدر) بطلقة واحدة وصاحب البيت بطلقة واحد ة فاستشهد القيادي البطل صاحب المعجزات والعمليات البطولية في حرب العصابات ونال شرف الشهادة راوياً بدمه الزكية ارض كوردستا، اصبح قاتله منبوذاً من كل اهل كوردستان ومحتقراً لفعلته الدنيئة. وفي النهاية نال المجرم الذي اغتال الأيزدي جزاءه العادل على يد المنظمات الحزبية في مدينة الموصل وارسل الى جهنم وبئس المصير. وبينما كان الشهيد(محمود ايزدي) في انفاسه الاخيرة يودع الزملاء البيشمركة واهل منطقة كارة ارضاً وتراباَ وجبلاَ وكل شجرة في ارض كوردستان قال" عندما سلكنا هذا الطريق والنهج كنا في كل لحظة معرضين للاستشهاد او الاعتقال ان الحياة يجب ان تستمر والمسيرة النضالية لن تتوقف والشعب الكوردي صاحب حق لابد في يوم يصل الى اهدافه المشروعة وقال لهم ايضا كلكم (محمود ايزدي). ثم وجههم باخفاء اثار الحادث الاليم للحفاظ على سلامة اهل منطقة(بري كارة) من القبض عليهم.. فقاموا في الصباح الباكر بدفن الرفات في مكان سري حسب المراسيم الائيزدية الى ان تيسر نقله الى قرية كاني مازي في1985.
مات والده المسن كدراً على ولده الشهيد 1985، وكذلك استشهدت زوجة محمود نتيجة لاهمال علاجها قصداً في سنة 1986 .
وبعد تحرير كوردستان نقل رفاته في2003/8/18 الى تراب لالش المقدس وبمراسم رسمية عسكرية ومشاركة جماهيرية شعبية واسعة تليق بالمقام. وقد دعيت عدة منظمات حزبية باسمه ففي سنة1983 تاسست اول منظمة عسكرية سياسية باسم(الشهيد محمود ايزدي) وكذلك تاسست سنة 1991 منظمة الشهيد محمود ايزدي في باعدرة وفي سنة 1999 تاسست منظمة باسم(الشهيد محمود ايزدي في المانيا مدينة بيلفيلد.
وخلال زيارته لباعدرة عرج الرئيس مسعود البارزاني على اسرة الشهيد البطل وقال بما معناه ان محمود ائيزدي كان مثال البطولة والتضحية والفداء، سار على خطى البارزاني الخالد وليس غريباً ان ينجب هذا البيت وهذه القرية واحداً كمحمود ايزدي. كما كتب العديد من الشعراء والكتاب والسياسين عن هذا البطل الصنديد لا مجال لذكرها على هذه الصفحة
ووفاء للشهيد وعائلته المناضلة وكل الشهداء حاولت قصارى جهدي ان قدم جانباً ضئيلاً من سيرة حياته والتضحية السخية التي قدمها الشهيد لشعبه ووطنه الاسير والبطولات والانتصارات التي حققها المناضل القائد والصفات الحميدة بالكرم والاخلاق بين كوادر الحزب والجماهير، وكل ما كتبنا عنه وماكتب من شعر ووصف عملياته قليلة ولا يشكل سوى قطرة ماء من بحر، واليوم تحررت كوردستان بدماء الاف الشهداء وسواعد البيشمركة الابطال. وكلمتنا الاخيرة (( نرجو حفظ المؤسسات الدستورية في كوردستان وفاء لدماء الآف الشهداء.
المجد والخلود لشهداء الحركة التحررية الكوردية، وفي مقدمتهم البارزاني الخالد.
ُملاحظة
أُختُصِر من مقال مطول ارسله لنا الكاتب