محاكمة عادلة للذي لم يحكم بعدالة
عقول هؤلاء ما عادت تميز بين الأخطار التي تتعين مواجهتها وبين الانهيار الرهيب للمجتمع العراقي نحو الهاوية جراء ثقافة المؤامرة وجمع الملفات والتشرذم الطائفي وهدر وسرقة المال العام التي سادت في عهدي مختار العصر، وسذاجتهم تظهر جليا في تبريراتهم وتصريحاتهم المرتبكة والتي خرجت من قاموس العقلاء منذ زمن..
اليوم ورغم تدهور معاني المواطنة والانتماء في مجتمع ودولة سمتهما الأساسية هي التوزع على انتماءات شتى، وبدلا من البحث عن الأسباب التي أباحت للفساد الهيمنة والسيطرة على كافة مناحي الحياة، يحاولون العثور على القوة الخارقة لولي نعمهم والدفاع السحري عنه في وجه القانون والقيم الانسانية والمصالح العامة، ويحاولون بإصرار على استسهال أمر الاحتلال الداعشي وتفشي الفساد والعداوات والتفكك والإنهيار والفلتان الامني وكل ما كان لايخطرعلى البال، والتعايش والتعامل معها كأمر واقع لابد منه..
هؤلاء وكعادة المهزومين الجهلة يتجاهلون المنطق الذي يؤكد على الربط المطلق بين سياسات المالكي من جهة، والتزوير والفساد والفقر والعنف من جهة أخرى، ويمتنعون عن لوم الذات على الانتكاسات وعن النكوص بالتعهدات والالتزامات، ويتظاهرون بالعودة إلى العقل والحكمة كلما تمت الدعوة الى محاكمة المالكي الذي ما زال محميا من خلال منصبه (نائب رئيس الجمهورية)، مستفيدين من الدعم الطائفي والمذهبي وتراخي قبضة العدالة والقضاء، ومواقع بعض اعضاء ائتلاف دولة القانون الذين يستميتون في الدفاع عن سيدهم ( المالكي) وولي نعمهم الذي أوصلهم الى تلك المواقع في البرلمان والحكومة واحكومات المحلية بالمال السياسي الحرام، وتوزيع قطع الاراضي السكنية، والتعيينات الوهمية في دوائر الدولة، والدرجات الفضائية في الجيش ويعملون كفريق محامي للدفاع عنه، وعن الخروقات الامنية التي وقعت في عهده، ويدعون الى غلق ملف قضية سقوط الموصل التي مهدت لجرائم كبرى لاتعد ولاتحصى وتسجيل كل القضايا ضد مجهول كما كانت تسجل جرائم القتل على الهوية والقتل بالمفخخات والهاونات والبنادق والمسدسات الكاتمة ضد مجهولين، وينسون ان المالكي أراد إستغلال المستجدات لمآرب وأهداف وأحلام خاصة، أهمها تعمده المطول لاستغلال شعار الحرب على الإرهاب في العراق من أجل تهميش واقصاء واتهام خصومه رغبة في التفرد وإعلان حالة الطوارىء في البلاد وبالتالي الحصول على الولاية الثالثة والرابعة والخامسة، وترسيخ نفوذه، ونفوذ الأجندة التي يحملها ضد شرائح عراقية مختلفة سنية وكوردية وحتى شيعية، كما أراد استغلال الأحداث لتلميع صورته داخليا وخارجيا، وليمنح نفسه وحزبه شرعية لم يحصل عليها من صناديق الاقتراع، ناهيك عن الثأر والإنتقام الطائفي المترسب في ذهنه ضد الأهالي السنة قاطبة، والموصليين بشكل خاص، وتدمير مدينتهم جراء إحتلالها من قبل داعش أولاً، وتالياً إثرالعمليات العسكرية والقصف العشوائي من قبل المدفية والطيران العراقي أثناء تحريرها. كما أراد إستغلال الأحداث للنيل من الأخوين نجيفي(أسامة وأثيل)، وإزاحتهما على الساحة السياسية السنية لتسهيل الأمور أمام سنة المالكي (الجحوش السنة) لقيادة الساحة السنية وتصفية خصومه ومعارضيه السياسيين من الشيعة، وأراد أيضا تأليب الرأي العام العربي العراقي ضد إقليم كوردستان وبالذات شخص الرئيس مسعود بارزاني، وإحداث شرخ في الجسد السياسي الكوردي، وإستغلال القسم الذي ينسلخ من الجسد الكوردي كجحوش كوردية. ولكن في الختام، حسابات البيدر لم تتطابق مع خيالات (مختار العصر) وأزلامه، وها هي اليوم نسمع الدعوات المخلصة لمحاكمة المالكي محاكمة عادلة، رغم أنه لم يكن عادلاً في حكمه، ونلاحظ تزايد أعداد الداعين لمحاكته..