ماذا ينتظرنا في المستقبل القريب؟ و ما هي التحديات التي تواجه كوردستان؟..
ما هي الإستراتيجية وما هي ضرورتها في السياسة العامة؟
الإستراتيجية كممارسة كانت موجودة مند أمد بعيد، ولكنها اختزلت في العسكرية وقت قيادة الجيش والمعارك الحربية، وتطورت بحيث أصبحت تعنى بتشكيل المستقبل للدولة وفقاً للإرادة الوطنية، ويعرّفها البعض بقدرة الدولة على امتلاك القوة الإستراتيجية الشاملة وهي ليست العسكرية فقط، بل تشمل السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية والتقنية.. فامتلاك تلك القوة الشاملة يتضمن هدفاً إستراتيجياً، كما يتضمن تهيئة الأوضاع المطلوبة لتحقيق المصالح الإستراتيجية للدولة.. إذاً الجمع بين تشكيل مستقبل وفق إرادة وطنية في عالم به تنافس وصراع دولي تأتي نتيجة ذلك التعريف الذي يعمل به الناس، وهي امتلاك القوة الشاملة.
هذه المفاهيم يعتبرها البعض خاصة بالدولة المتقدمة، فهل تعاني الدول الأقل نمواً من غياب الإستراتيجية ؟
نعم هناك مشكلة في الدول النامية، فيجب عدم الوقوع في تلك المشكلة، وهي استخدام المفاهيم الخاصة بمنظومات الأعمال «شركة - جمعية - مصنع»، لأن هذا الفهم لا يحتمل قضايا الدولة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.. و بالتالي واحدة من مشاكل الدول النامية هو استخدام المفهوم الإستراتيجي على مستوى المنظمات، بينما يجب ان نبشر بمفهوم الإستراتيجية على مستوى الدولة، وهذا يعتبر المدخل للانتقال من حالة ضعف إلى قوة، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو غيره.. حتى تصبح الظروف مهيأة لتحقيق الحلم الوطني للدولة.
لكن كيف يمكن أن تتنزل تلك الأفكار على أرض الواقع؟
هذا سؤال يؤرق الكثير من الناس، حقيقة الفكر الإستراتيجي نفسه يتضمن الأشياء التي يتم التخطيط لها ويتم تنفيذها، بالتالي أي إستراتيجية لم تأتِ بفكر إستراتيجي سيكتب لها الفشل، لابد لنا في كوردستان ان نحاول تأسيس هذا الفكر، لأننا ما زلنا نعاني من مشاكل في التنمية والاقتصاد والسياسة والنزاعات ، لكن المشروع الوطني وهو «خطة الدولة» لا أقصد هنا «خطة الحكومة» التي تعبر بها عن مصالحها الإستراتيجية وعقباتها التي يجب أن تعالجها.. بالتالي أهم شيء هو تحقيق إجماع وطني حول المصالح الإستراتيجية والقضايا المهمة للدولة نفسها.
كيف للمفاهيم الإستراتيجية معالجة القضايا الكبيرة ؟
لا يستطيع احد حل قضية معينة بترتيب سياسي أو عسكري فقط، فمثلاً مفهوم القوة يعني أوضاع في عدة معالجات ويعني النشاط المتكامل، والوصول لها يعتبر تحقيقاً للأمن والمصالح الإستراتيجية والاستقرار، لكن هناك أوضاع صعبة لا تتحقق في فترة الحكومات، لذلك نحتاج إلى مرحلة إعداد لن تكون مقتصرة على الحكومة فقط، بل كل المجتمع.. مثلاً في التخطيط الإستراتيجي للاقتصاد يقال لا بد من تحقيق تنمية متوازنة ولها أبعاد تتصل بالقضية مثل توفير خدمات أساسية وفرص عمل في الأطراف، بالتالي تضمن الاستقرار في المنطقة.
التخطيط السياسي يتحدث عن الانتماء الوطني بأسس معينة في العدالة وعدم التمييز في العمل والفرص وسلوك الدولة تجاه المواطن وسلوك المواطن تجاه الدولة.
لا يستطيع أحد أن يقول ان الإستراتيجية غير ناجحة، لأن النجاحات التي تحققت في العديد من دول العالم مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا نجحت، بالتالي نتمنى لجوء كوردستان إلى هذا التفكير، لكن توجد بعض الأشياء التي تتطلب الوقوف عندها واهمها وضع تحليل إستراتيجي، لأننا لا يمكن أن نخطط إستراتيجياً إذا لم نُعد تحليلاً إستراتيجياً عميقاً عن الأوضاع الإقليمية والعالمية ونستخلص النتيجة وكي يتم التخطيط سليماً غير مشوهاً، يجب أن نبدأ بالاهتمام بالتحليل الإستراتيجي، للأسف نحن لم نقم بعملية التحليل الإستراتيجي سابقاً حتى نتمكن من التعامل مع الأوضاع البيئية وأثرها والنفس البشرية والصراع وتوزيع الدخل بطريقة عادلة، نحتاج في تجربتنا القادمة استصحاب الفكر الإستراتيجي وهنا الفرصة متاحة لأننا مقبلين على مرحلة جديدة تحتاج إلى إعادة صياغة الإستراتيجية وتمتينها بالتحليل.
ماذ نعني بذلك؟
أولاً ما هي مصالح كوردستان الإستراتيجية؟ وفي حالة عدم تحديد تلك المصالح لا نستطيع السعي إلى شيء، والإستراتيجية تستطيع تحديد تلك المصالح من خلال التحليل والتخطيط، ولا توجد دولة نجحت في العالم إلا بعد نجاحها في التغيير الإستراتيجي وأهم أنواعه هو الثقافي، لأننا حتى الآن لا نحترم العمل ولا الزمن، إذاً هناك تغيير كثير نحتاج إليه في كوردستان منه مفهوم الدولة ويجب أن نفهم أن الدولة ملك لنا جميعاً.
أننا نحتاج إلى نشر الفكر الإستراتيجي وثقافته، وفي رأيي أن الكثير من المتنفذين ليس لديهم إدراك لهذا العلم، لهذا لا بد من فهم هذا العلم لإدارة الدولة، لأنها تدار في ظل تعقيدات محلية وإقليمية كبيرة جداً، ولا تتحمل أن تدار باجتهاد شخصي، لذلك واحدة من الوسائل هي هذا العلم، وتوجد الكثير من الدول برزت في ذلك الجانب.. وهنا توجد بعض الدول المتقدمة في هذا العلم لأنها تُخضع القيادات إلى دورات تدريبية، لكن نحن نحتاج لها في كل المواقع ، وهذا يساعد على عمق إستراتيجي، ثم تأتي مرحلة التنافس القومي بين الوزارات وبين الولاية والمركز، وإدراك أن الأمن القومي للجميع والمصالح الإستراتيجية حاضرة في كل وقت، حتى البرلمان مراقبته ستكون مختلفة إذا توفر به البعد الإستراتيجي وهو أحد صمامات تنفيذ الإستراتيجية، نحن نحتاج إلى تنزيل كل ذلك وليس تدريب الموظفين فقط.
هناك دراسات إستراتيجية متقدمة وضعها علماء من أجل تقدم اوطانها ؟
وتقوم هذه الدراسات على تأسيس نشاط داعم لبلورة ماهي المصالح الإستراتيجية التي تتفق عليها كل القوى الوطنية السياسية، ثم تحديد قضايا الدولة و تحديدها في خمس قضايا رئيسية مثل العلاقات الدولية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية وقضايا مجال الأمن والدفاع، ويتتطلب هذا الامر إعداد أوراق بحثية بمساعدة متخصصين وبمساعدة مراكز بحثية رصينة ، ثم تأتي الأحزاب لتتحاور حول هذه القضايا ليتم الاتفاق عليها، ثم عمل اوراق تشمل كل قضايا الدولة من نظام الحكم والنظام السياسي وإدارة التنوع وإدارة الموارد الطبيعية والاقتصاد وكيفية توزيعها بعدالة، وما هي شكل علاقاتنا الدولية إستراتيجياً، بمعنى مع من نتحالف وكيف نتعامل مع الدول، وبالنسبة للإعلام ما هي الإستراتيجية الإعلامية التي يجب أن يركز عليها خطاب الدولة إعلامياً، ثم ياتي دور الحوار حول هذه القضايا وهذا ليس مرتبطاً بعمل الحكومة ، وحينها سنشهد ورقة مفصلة عن ما هية مصالح كوردستان الإستراتيجية وستفرز الكثير من الترتيبات السياسية والثقافية، وسنؤسس لسلوك جديد لاستمرار المسار الإستراتيجي مهما تعاقبت الحكومات وذلك لأن المعارضة تفهمت القضايا جيداً ولا تستطيع الاعتراض على المصالح الإستراتيجية للدولة ان حاجة كوردستان إلى إستراتيجية قومية شاملة يجمع عليه الكل ضرورة مهمة لو اردنا التقدم والنهضة.
كما ذكرت سابقاً أن الإستراتيجية هي خطة دولة، وبالتالي التعامل سيكون مع قضايا الدولة ومصالحها، الآن عندما نقوم بعمل تحليل إستراتيجي سريع لكوردستان نتساءل لماذا تم استعمار كوردستان بالتأكيد للمصالح وعندما خرج الاستعمار هل ترك مصالحه أم لا زالت أيضاً توجد مصالح، إذاً أين نحن من الأوضاع الاستراتيجية؟ يوجد صراع إستراتيجي وهو علم يأخذ حوالي 40% من الساعات الدراسية لطالب الإستراتيجية في كل المدارس، طبيعة البشر هي الطمع، لا يوجد شيء يجعل أمريكا أو بريطانيا لا تطمع في الذهب أو البترول الذي يوجد في بلادنا، هذا شيء طبيعي، لكن غير الطبيعي أن لا نواجه هذا، نحن نتحدث عن الصراع الإستراتيجي أكاديمياً وله ستة محاور وهي الصراع حول الطاقة وهذه قضية العالم بمعنى أن أي دولة تريد أن تكون دولة عظمى وهذا هو المهدد الوحيد لأمريكا والصين لذلك كل العالم يتجه نحو التأمين ومصادر الطاقة، هنا في كوردستان يوجد نفط وموارد اخرىً، بالتالي سياسياً ينظر الغرب ودول الاقليم لاختراقات كوردستان ، والمحور الثاني وهو المعادن الإستراتيجية وهذا حوله صراع عنيف وهي ثمانية معادن منها الحديد والنحاس والذهب والمنجنيز والألمونيوم والتيترنيوم، هذه الثمانية معادن يجري حولها صراع إستراتيجي، المحور الثالث وهو الصراع حول المياه سيزيد العالم إلى 9 - 10 مليار ومياه العالم لن تكفي، ويوجد صراع حول الأراضي الزراعية الخصبة بالرغم من كل المساحات الواسعة، والغذاء سلاح، المحور الخامس وهو الموقع الإستراتيجي وكوردستان يتميز بموقع استراتيجي مهم.
ريناس بنافي باحث في الفكر السياسي والاستراتيجي
لندن
[email protected]