ديمقراطية بطعم المؤامرة......صبحي ساليى
والعقدة، كما هو معلوم إعتقاد لدى المعتقد الذي يدعي الإيمان والتصديق بحالته الإبداعية أو الجمالية أو السلوكية بصورة معاكسة لما هو عليه في الواقع الذي يختلف بإختلاف الآخر الذي يرصد حالته ويقيمها وفق بساطة وخطورة توجهاته وأفعاله وتصرفاته، وهذا أيضاً خاضع لتقييم المقيم الذي يجده إما أسداً كاسراً، أو إنساناً نرجسياً معقداً يتفق الجميع بشأن إصابته بمرض الوهم... والوهم بوصفه مرض من الأمراض الخطيرة على الانسان والمجتمع، يكون أكثر خطراً وأوسع تأثير وربما كارثياً إذا كان الواهم يمتهن السياسة وذا نفوذ وقوة، ويمثل نمطاً مختلفاً في منظومة القول والتفكير والعمل والسلوك.
في كوردستان أطراف وأحزاب واهمة ومعقدة مختلفة حول الاوضاع والدستور وطريقة انتخاب رئيس الإقليم وصلاحياته، والبيشمركه وإنتصاراته وتشكيلاته ومواجهته للإرهاب، وموارد الإقليم النفطية والحكومة وعلاقاتها مع بغداد والثقة التي ناله الاقليم جراء تحوله الى الواحة الامنة لقرابة مليوني لاجئ.. تلك الاطراف المعقدة تخلط الاوراق بهدف العثور على ورقة سياسية رابحة وان كانت على حساب المصلحة العامة والاستقرار السياسي، وقلقة من نتائج التطورات الدولية والاقليمية والقبول العام بالتجربة الكوردستانية الناجحة والاثار المترتبة على ذلك، وتحاول إثارة الفوضى بمزاجها ومزايداتها السياسية ونعراتها الحزبية والمناطقية ومؤاخذاتها السطحية، وتتلاعب وتستهين بحق ومصير الشعب وتستهتر بالاستقرار السياسي وتربط مستقبل الأجيال بمصالحها الخاصة.
عند استعراض تفاصيل ما حدث يوم 23/6 تحت قبة البرلمان الكوردستاني يعطي صورة واضحة ومبسطة لاتحتاج إلى الكثير من الفهم لتفكيك عناصرها.
العقد والخلافات الموروثة منذ عقود مازالت بحاجة الى علاجات، الاتفاقات والتعهدات بضرورة العمل التوافقي والاتفاق بشأن القضايا التي لها أبعاد وطنية وقومية لم تؤتي أكلها وذهبت أدراج الريح الذي هب من السليمانية وجلب معه الاسلام السياسي الذي كنا نتوقع صموده أمامه أو في الاقل إعلان تحفظاتهم، ذلك الريح الذي لم يراع المشكلات العديدة بين اربيل وبغداد والوضع الاقتصادي والمالي الصعب وتدهور حال المواطنين الذين هم في غنى عن مشكلات جديدة..
وبعيدا عن الحزبين اللذين كانا قبل أعوام حزبا واحداً، لا يتحمَل وجود منافسة جدية له، نلاحظ أن هشاشة مواقف الحزبين الاخرين (الاسلاميين) اثارت الكثير من الانتقادات حتى بين المؤيدين لهما، وعكست صورة حقيقية لعلاقات مبنية على الرغبة في إغتنام الفرص، وأكدت مبررات عدم الثقة بهما وبوظائفهما وأدوارهما على المستويين الكوردستاني والعراقي..
أما موقف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وتصرفه المتميز حين ترك قاعة البرلمان بشكل قانوني وحضاري، ودون ترديد الشعارات أوالدق على المناضد، أو رمي قناني الماء بوجه رئاسة البرلمان، فقد شجعت الكثيرين على تأييده وتأييد موقفه التفاؤلي، وأرغمت وسائل الإعلام ومؤسسات صناعة الرأي الى الدخول في نقاشات مطولة والتساؤل عن مصير وجدوى التوافق السياسي الكوردستاني الذي أختير بموجبه العديد من المناصب في بغداد ورئاسة البرلمان الكوردستاني ولجانه وحكومة الاقليم.
لا نجافي الحقيقة عندما نقول الآمال التي علقت على الديمقراطية التوافقية لم تصل الى النتيجة المأمولة، وكان الرهان على الدور الوسطي للاسلاميين خاسراً، لأنها إنهارت مع أول حراك سياسي وأول تجربة يمكن أن تكون فاشلة وقد تنجح بعد مرورها على أشلاء التوافقية، وماحدث في ذلك اليوم من ممارسة ديمقراطية كان بطعم المؤامرة، والتاريخ يحاول أن يعيد نفسه.