هل يحاول حزب الشعوب الديمقراطية تغيير الساحة السياسية في تركيا؟
ولاقى قرار حزب الشعوب الديمقراطية، الاستحسان والنقد في الوقت نفسه، لأن فرصة تجاوز حاجز الـ10% لأصوات الناخبين، ليس محسوما بعد، إلا أنه وبغض النظر عن النتائج، فإن الانتخابات ستطرح حزب الشعوب الديمقراطية كحزب أقوى على الساحة السياسية، الأمر الذي سيمكن (HDP) من إحراج حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
وكانت الأحزاب السياسية الكوردية في السابق، تقوم بطرح مرشحيها كمستقلين في الانتخابات، لاجتياز حاجز الـ10% من أصوات الناخبين في تركيا، وكانت تلك هي الطريقة الوحيدة لإيصال مرشحيهم إلى المجلس التركي الأعلى.
وتم تأسيس حزب الشعوب الديمقراطية (HDP)، بناء على اقتراح رئيس حزب العمال الكوردستاني المعتقل في إيمرالي، عبد الله أوجلان، وذلك في عام 2012، لجعلها مظلة تجمع مختلف الأطراف.
وابتعد (HDP) منذ البداية، عن الظهور كحزب محصور في المناطق الكوردستانية بجنوب شرقي تركيا، لذلك كان خطابه موسعا وعاما وحاول ضم مختلف الفئات التركية، دون النظر إلى الاختلاف الدينية والقومية.
وزادت ثقة (HDP) بنفسه بشكل ملحوظ بعد حصول الرئيس المشترك للحزب، صلاح الدين دميرتاش، على 10% من أصوات الناخبين الترك، خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي.
وبعد أن رفض حزب العدالة والتنمية القيام بأية خطوة على طريق السلام، والقبول بخفض سقف الأصوات إلى اقل من 10%، قرر حزب الشعوب الديمقراطية العمل كحزب يمتلك قاعدة جماهيرية أوسع، والمشاركة على أساسها ضمن الانتخابات.
وأعلن الرئيسان المشتركان للحزب، صلاح الدين دميرتاش، وفيغان يوكسك داغ، البرنامج الانتخابي لحزبهما في اسطنبول، وتضمن 12 نقطة، جاء فيه: "نحن النساء، والشباب، وقوس قزح يمثل مختلف المكونات، وأطفال، ومدافعين عن الديمقراطية، وممثلي جميع الهويات، ومساندي العالم الحر، وحماة للطبيعة، ونحن عمال وحماة الحقوق الاجتماعية".
وانتشرت تلك الكلمات في مواقع التوصل الإجتماعي، وكانت سببا في استياء ويأس عدد كبير من الكورد، الذين وجدوا فيها انحرافا لحزب الشعوب الديمقراطية عن خطه القومي الكوردي، وفقدانا للهوية الكوردية، في سبيل الحصول على عدد اكبر من الأصوات في الانتخابات.
وعلى العكس تماما، فإن الهوية الكوردية التي حافظت على نفسها في السابق، بمواجهة الظلم والإبادة الجماعية، تخطو بشكل ديمقراطي في الانفتاح على باقي الهويات الإثنية، وستصبح أقوى لا أضعف، وقرار الشعوب الديمقراطية ناجح للغاية، وتحمل أسلوبا جديدا للقومية الكوردية المعاصرة، لا تشمل فقط الكورد، وإنما باقي المكونات وسيكون مناسبا للشرق الأوسط بأكمله.
ولمشاركة الشعوب الديمقراطية في الانتخابات، أهمية رمزية وتاريخية، والأحزاب اليمينية كحزب الشعب الجمهوري (CHP) وحزب الحركة القومية (MHP)، لم يتمكنا من تحقيق توازن لوحدهما في مواجهة حزب العدالة والتنمية، لذلك فإن مشاركة الشعوب الديمقراطية في الانتخابات النيابية، المقرر إجراؤها في الشهر السادس، سيكون له تأثير كبير على تغيير موازين القوى على الساحة السياسية التركية.
ولكن لازالت هناك بعض الأسئلة: ما هي استراتيجية الشعوب الديمقراطية إذا لم يتمكن من الوصول إلى البرلمان التركي؟، وما هو بديل الشعوب الديمقراطية لتمثيل الكورد والأقليات الأخرى والوفاء بالتعهدات التي قطعها على نفسه لمناصريه؟، هل سيتقبل حزب الشعوب الديمقراطية الهزيمة وينتظر الانتخابات القادمة بعد أربع سنوات؟، أم أنه سيزيد من نشاطاته ويطالب بقوة بحقوق الكورد من خلال حزب السلام والديمقراطية (BDP)، والتي حصلت على معظم بلديات المناطق الكوردستانية؟.
وقد يكون الخيار الأخير وسيلة لبقاء حزب الشعوب الديمقراطية كحزب كوردي، حسبما قال المفكر الأمريكي ريتينغ من واشنطن: "إذا فشل حزب الشعوب الديمقراطية، سيصبح حزب السلام والديمقراطية (BDP) الحزب الرئيسي الرسمي للكورد، وسيضع ثقله في الدفاع عن قضية الإدارة الذاتية الكوردية في المناطق الكوردستانية".
في حين ينفي الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطية، "الخطة البديلة"، ويتعهد بالاستمرار في الدفاع عن حقوق المواطنين، قائلا: "إذا لم نتمكن من اجتياز حاجز الـ10%، سنستمر بكل تأكيد في المجالات الأخرى، نحن حزب وإذا لم يتمكن أي حزب من الوصول إلى البرلمان يبقى حزبا سياسيا، وإذا حصلنا على 9.9% من الأصوات، سنبقى رابع أكبر حزب في تركيا، وسنستمر في الدفاع عن القضايا التي دافعنا عنها، ولن نتملص من تعهداتنا، لذلك أؤكد على عدم وجود خطة ثانية".
وإذا لم يتمكن حزب الشعوب الديمقراطية من الوصول إلى البرلمان، سيضع تركيا وحزب العدالة والتنمية أمام مصير مجهول، لأن البرلمان التركي وللمرة الأولى منذ 20 عاما سيخلو من النواب الكورد، حيث كان التمثيل الحقيقي الأول للكورد في عام 1991 من خلال حضور ليلى زانا في البرلمان، وسيزيد عدم وجود الكورد في البرلمان، تهميش الكورد في السياسة الداخلية التركية، وزيادة الهوة بين الكورد والترك، وسيلحق ضررا بالغا بالديمقراطية في تركيا على الصعيد الداخلي والدولي، لأن 15 مليون كوردي سيحرمون من حق التمثيل والمشاركة السياسية في تركيا.
وتوقع المفكر الأمريكي ريتينغ احتمال اندلاع موجة جديدة من العنف، وتصدع التحالف بين الكورد والترك، قائلا: "هذا يزيد من احتمال قيام اليساريين الترك بتهميش الحركة الكوردية وبالتالي احتمال اندلاع العنف بين الطرفين".
أما إذا أخذنا احتمال نجاح حزب الشعوب الديمقراطية، ووصوله إلى البرلمان التركي كحزب سياسي، سيعقد من خطط أردوغان الساعية إلى تغيير نظام الحكم في تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، ما سيضطر معها أردوغان إلى السعي لطموحاته الرئاسية من خلال الاستفتاء الشعبي، دون نتائج مضمونة، إلا إذا تمكن من عقد تحالف مع حزب الشعوب الديمقراطية. الأمر الذي سيقوي من الموقف التفاوضي للكورد في عملية السلام، ما سيشكل بيئة مناسبة لعقد تحالف بين العدالة والتنمية والشعوب الديمقراطية، في مسألتي النظام الرئاسي وعملية السلام.
وعلى الرغم من أن دميرتاش يعارض منح المزيد من الصلاحيات لأردوغان، إلا أنه من الممكن أن يستخدم (HDP) ثقله في البرلمان، للضغط على العدالة والتنمية كي يخطو بخطوات ثابتة في عملية السلام، في مقابل دعم أردوغان لتقوية صلاحيات الرئيس، وفي هذه الحالة سيكون الطرفان رابحين.
ومن المحتمل أن دميرتاش يفكر في السيناريو الأخير، لذلك فهو غير مستعد للحديث عن نتائج الانتخابات واحتمالات ما بعد الحصول على نسبة الـ10%.