«البيشمركة» بديلا عن الحشد الشعبي.................محمد واني
وتحسين علاقته المتدهورة مع النظام السوري، وضع «المالكي» تلك الميليشيات تحت إمرة قوات «الأسد» لمواجهة انتفاضة الشعب السوري..
وعقب سقوط مدينة الموصل والمدن السنية الأخرى في شمال ووسط العراق على يد قوات تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» وتقهقر الجيش العراقي العرمرم أمامها دون أي مقاومة تذكر، فقد حكام الشيعة ثقتهم بالجيش العراقي تماما، ولم يعودوا يعولون عليه، فلجؤوا إلى تلك الميليشيات العقائدية التي لها تجربة سابقة في خوض المعارك، وشكلوا منها ومن الجماهير الشيعية في وسط وجنوب البلاد منظومة ميليشياوية شبه عسكرية سموها «الحشد الشعبي»، بهدف وقف تقدم قوات «داعش» التي شارفت على العاصمة بغداد وشكلت تهديدا مباشرا على حكمهم، فأعلنوا النفير العام من خلال فتوى أصدرتها مرجعيتهم في النجف «علي السيستاني» سميت بـ«الجهاد الكفائي» وبموجبها تم الإعلان رسميا عن تأسيس قوات «الحشد الشعبي أو الشيعي بالمعنى الأصح»، فإذا كان «المالكي» قد أرسى قواعد الميليشيات الشيعية المسلحة في العراق وشكلها ودعمها ونظمها، وجعلها القوة الضاربة في المنطقة للدفاع عن المذهب، فإن المرجعية جاءت لتضفي عليها الصفة «الشرعية» وتحولها إلى قوة مؤسساتية تابعة لوزارة الدفاع العراقية، وهذا ما اعترف به وزير الدفاع العراقي إذ اعتبرها «قوة رسمية تمثل الشعب العراقي»، مع أنها لا تمثل إلا المكون الشيعي حصرا..
رغم خروج «المالكي» من رئاسة الوزراء والقيادة العامة للقوات المسلحة العراقية وفشله الذريع في إدارة البلاد، فإنه سعى ليتولى قيادة «الحشد الشعبي»، ورأى أنه من حقه الشرعي أن يتولى هذا المنصب، لأنه المؤسس الفعلي لها وليس أحدا آخر غيره، وهذا ما أدلى به لصحيفة «واشنطن بوست «عندما قال (لقد أسست تلك الميليشيات وقتما كنت في السلطة، إن علاقتي بهم وثيقة للغاية، وسيكونون على نفس إخلاصهم لي، وبالتالي ما زلت أنا قائدهم وأعمل معهم وأؤيدهم وأشجعهم على القتال)، ولكن «السيستاني» وبعض القيادات الشيعية وعلى رأسهم «مقتدى الصدر» كانوا له بالمرصاد، ورأوه خطرا «سيؤجج الطائفية»، فلم يستطع أن ينال مراده ولكنه ما زال ينتظر فرصة مواتية للعودة إلى السلطة عن طريق «الحشد الشعبي».
فإذا كان تأسيس ميليشيا «الحشد الشعبي» (23 يونيو عام 2014) يمثل للشيعة خطوة استراتيجية هامة باتجاه تثبيت السلطة الشيعية في العراق والمنطقة، فإنه تحول إلى كابوس مزعج يقض مضجع السنة الذين تعرضوا إلى أبشع أنواع الاضطهاد والتنكيل على يد تلك الميليشيات الطائفية، وتعرضت مناطقهم إلى حرق وتدمير وعمليات نهب وسلب واسعة النطاق على مرأى ومسمع من العالم، ما دفع بالمنظمات الدولية والمحلية والعشائر السنية إلى إدانة هذه الجرائم «البربرية النكراء ضد أهل السنة» على حد تعبير شيخ الأزهر في معرض إدانته الشديدة لما ترتكبه هذه الميليشيات السائبة «.. بحق المدنيين السنة، وحرق مساجدهم، وقتل أطفالهم ونسائهم بدم بارد بدعوى محاربة تنظيم داعش»..
ولم يقف شيوخ العشائر السنية المشاركة في العمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش» عند حد الإدانة فحسب، بل اتخذوا موقفا رافضا من إشراك هذه الميليشيات في معارك تحرير محافظتي «الأنبار» و»الموصل»، الأمر الذي وضع حكومة «حيدر العبادي» في موقف حرج أمام العراقيين والعالم، وراحت تبحث عن بديل آخر أكثر مقبولية وموثوقية من الحشد الشعبي، ولم يجد خيرا من قوات «البيشمركة» الكردية لإكمال مهمته القادمة في تحرير مدينة «الموصل» من قبضة الإرهابيين، ومن أجل الحصول على دعم «البيشمركة»، قام «العبادي» والوفد الرفيع المرافق له بزيارة خاطفة إلى «اربيل» واجتمع مع رئيس إقليم كردستان «مسعود بارزاني»، رغم كل المشاكل والأزمات العالقة بينهما، ورغم الشروط التي وضعها الأكراد للمشاركة في عملية تحرير الموصل والتي رفضتها بغداد سابقا واعتبرتها «لي ذراع».. وبحسب تصريح «بارزاني» لوسائل الإعلام، يبدو أن الطرفين قد توصلا إلى حل مبدئي مشترك حول الموصل، دون ذكر موقف الحكومة من الشروط الكردية، هل رضخت لها أم ما زالت ترفضها وتعتبرها لي ذراع؟!