لماذا يخش الكورد من الحشد الشعبي؟....امين مهدي ستوني
ولكن ما حصل في العراق هو العكس تماما, حيث ذهب السياسيون وقادات الجيش وفي مقدمتهم القائد العام للقوات المسلحة باضعاف الجيش وتدميره بل والعمل على استسلامه للعدو. كانت هذه لغاية في نفس يعقوب قضاها. وإلا كيف يعقل أن يستسلم جيش بأربع فرق مسلحة بأحدث الأسلحة الأمريكية وصرف عليه مليارات الدولارات بدون ان يرمي العدو ولو طلقة واحدة, مقابل عدو لم يكن يملك سوى أسلحة خفيفة وبالدشاديش والتراكسوتات الرياضية. هذا حسب القواميس العسكرية أمر مستحيل الحصول. إلا إذا كان الأمر مدبرا له من قبل. وكذلك من المستحيل أن يأمر قادة الفرق جنودهم بالإنسحاب من ساحة المعركة بدون أمر من القائد العام للقوات المسلحة وإلا فهو خيانة عظمى بحق الوطن. ما أريد قوله هو أن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي عمل على استسلام الجيش وذلك لعددة أهداف.
أولا: ليضع العراقيين بين خيارين كلاهما مر, إما داعش أو القبول بإعادة المالكي إلى السلطة. وفعلاً طلب المالكي من البرلمان إعلان حالة الطوارئ في البلاد, ولكن لم يكن له ذلك, ورفض البرلمان طلبه. ثانيا: لإضعاف الكورد من خلال إضعاف الحزب الديمقراطي الكوردستاني وقتل مشروع الدولة الكوردية التي باتت قاب قوسين أو ادنى.
المالكي يعلم جيدا أن من يقف أمام طموحاته هو شخص رئيس إقليم كوردستان مسعود البارزاني. وباحتلال مناطق نفوذ البارتي من قبل داعش واضعافه (والذي خطط له المالكي من خلال سحب الجيش من مدينة الموصل بدون قتال) يكون بذلك قد ازاح عن طريق طموحاته أكبر عقبة. وكذلك قتل مشروع الدولة الكوردية إلى الأبد. وكان مع هذا الطرح دول إقليمية .. ولكن يقول الشاعر: ما كل ما يتمناه المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. أما الهدف الثالث للمالكي من هذا كان. ليقول للعراقيين أن هذا الجيش ليس مهني ولا يمكن الإعتماد عليه في حفظ أمن البلد ولابد من إيجاد البديل فكان هذا الحشد ليحل محل الجيش الوطني وكان هذا بفتوى من المرجعية السيستاني. وكان العبادي خير خلف لسلفه المالكي حيث صار على خطى سلفه وبادر بتأييد الحشد الشعبي بكل ما أتية من قوة. وحتى ما تم تخصيصه من مخصاصات لقوات البيشمركة في موازنة عام 2015 العراقية ما كانت لتتم لو لم يتم تخصص المبلغ نفسه للحشد العشبي.
والغريب في الأمر هو السكوت الأمريكي عن ما يحدث من دعم ايراني واضح لهذا الحشد, حتى اقره وزير الخارجية الامريكي جون كيري مؤخرا. ولكن هذا العجب يزال إذا علمنا أن ايران وأمريكا مع اختلافهما في الكثير من الملفات الا انهما يتفقان في بعضها. امريكا وايران لهما بعض الأهداف المشتركة في منطقة الشرق الأوسط, فكل من هما يعملان على إضعاف الإسلام الراديكالي (fundamentalism) وعدم وصول هذه الجماعات المتطرفة الى السلطة في المنطقة. لان هذه الجماعات تهدد الامن القومي لكلا البلدين وكذلك تهدد مصالحهما في المنطقة.
ورغبة امريكا من انشاء الحشد الشعبي وسيطرة الميليشيات الشيعية على الدولة لتوسيع الفجوة بين السنة والشيعة. ومن يقرأ مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق يرى صحة ذلك حيث يقول: (هناك شيء لم يكن في بالي استغلاله في الشرق الأوسط هو الصراع بين الشيعة والسنة وانصح من يأتون من بعد باستغلاله) ومما لا يخف على أحد أن السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الاوسط تهدف إلى تحقيق عددة أهداف هي أولا: حفظ أمن اسرائيل. ثانيا: تأمين الطاقة ويعتبر الشرق الأوسط من المناطق التي تحتوي على 60% من احتياطي العالم. وأخيرا: احتواء كل من روسيا والصين وعدم توسعهما في منطقة الشرق الأوسط. وتقوم امريكا للوصول الى هذه الأهداف باستخدام النظرية الواقعية(realism theory ) ونظرية الفوضى الخلاقة (chaos theory).
إذا امريكا تبارك الحشد الشعبي لان ذلك يؤدي الى حرب طائفية في العراق بين الشيعة والسنة وهذه الفوضى تخدم المصالح الامريكية لتحقيق أهداف آنفة الذكر. رب سائل يسأل, كيف أن الفوضى تحقق هذه الأهداف؟!! اقول نعم تحقق هذه الأهداف فالفوضى مثلا تساعد أولاً على تأمين أمن اسرائيل فكل دولة مشغولة بمشاكلها وامنها وتستنزف جميع طاقاتها من اجل البقاء وبذلك لا تفكر إلا بأمنها. وثانيا تأمين الطاقة لإمريكا فكلما كانت هناك فوضى سيكون من السهل السيطرة على الدولة النفطية حيث لا تمتلك هذه الدول استراتيجية في إيجاد البدائل للنفط للإعتماد عليها في دخلها القومي سوى النفط, مثلا التفكير في تطوير الصناعات المحلية أو المحاصيل الزراعية. لأن التنمية لا تتم إلا في بيئة آمنه ومستقرة ورأس المال جبان لا يأتي إلى أماكن الحروب والغير مستقرة.
لذلك يقول (ول ديورانت) في كتابه (قصة الحضارة) عن الحضارة والتنمية في المجتمعات الإنسانية بان "الحضارة تتألف من عناصر أربعة : الموارد الإقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون، وهي تبدأ حيث ينتهي الإضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمن الإنسان من الخوف، تحرر في نفسه دوافع التطلع وعوامل والإبداع الإنشاء ، وبعدئذ لاتنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه الى فهم الحياة وإزدهارها". إذا بناء المجتمات في ظل الفوضى وعدم الأستقرار مستحيل. وهكذا يبقى النفظ هو شريان الحياة لهذه الدول. ويكون بذلك من السهل السيطرة عليها وحتى إضعاف سيادتها من خلال التلاعب باسعار النفط كم نرى.
ومن عادة الدول ايضا بعد الثورات ان تعمل على بناء دولة على اساس ديمقراطي وبناء دولة الموسسات وليس العودة الى الوراء وتطبيق نظام اكل عليه الدهر وشرب. هل يعقل ان نعود الى تطبيق النظرية الثيوقرطية (ولاية الفقيه) بعد أن ثبت فشلها في اروبا. وما هذا الحشد الشعبي إلا استجابة للمرجعية الدينية في النجف الأشرف. وخروج الدولة من إطارها المدني والرجوع بها الى العصور الوسطى. وان هنال من يتحدث باسم الرب ومخالفته اثم وانه ظل الله على الارض . لذا فاستجابة المرجعية لا خيار فيها. هل ان العراق قدم كل هذه التضحيات من اجل ان يعود الى الوراء والدولة تحكم من قبل اصحاب العمائم أم ماذا؟
أما لماذا يخشى الكورد من الحشد الشعبي ؟
أولا: الكل يعلم أن العراق دولة متعددة الطوائف والمكونات والأعراق ولا يمكن حكم العراق إلا بنظام ديمقراطي يشعر فيه الجميع على أنه مواطن ويكون على أساس مبدأ المواطنة. وإن الحشد الشعبي خال من هذه الفلسفة, بل تعود بنا الى العصور الوسطى وخلط الدين بالدولة وإقحام المرجعية والمؤسسات الدينية في الحكم. وهذا يجعل الكورد يشعرون بالقلق على مصيره في ظل دول دينية مذهبية طائفية. ولا يمكن للكورد وهم يعيشون في الالفية الثالثة أن يختار العيش في ظل دولة بهذا الشكل.
ثانيا: إن هذا الحشد سيكون النواة التي ستقاتل الكورد في المستقبل القريب وخاصة إذا تم إقراره في مجلس النواب العراقي باسم الحرس الوطني وهذا بدوره سيؤدي الى إنشاء حرس وطني في المناطق السنية ايضا والتي هي محاذية لحدود كوردستان وبذلك سيحصل السنة ايضا على قوة منظمة وهذه القوة ايضا ستقف بوجه الكورد في اي خطوة يخطونها في المستقبل لنيل الأستقلال. إذا فهذا الحشد هو الخطوة الأول لحرب أهلية بين السنة والشيعة من جهة وبين الكورد والعرب بسنته وشيعته من جهة أخرى وذلك لان وحدة العراق ستجمعهم ضد الكورد.