عندما قابلت الرئيس مسعود البارزاني .....عبدالكريم الكيلاني
بروية أجاب: أيمكنني أن القي نظرة على خوفك ؟
مربكاً قليلاً كنت في اللحظة تلك، اذ كيف يسألني الصوت الهالة الهيبة الطلة البهية معنياً بخوفي واضطرابي، وأنا أجهل ما أسمع وما أرى .أخفيت
ارتباكي بدعوة حفظتها من كتاب ألف ليلة وليلة :
اظهر وبان عليك الأمان .
دون انتظار لفحتني ريح العباءة التي يتلفح بها الصوت، امتدّت أمامي تفترش الأثير، أنفاس كالمسك تحوم فوق رأسي وضوء مبهر دار دورته الخرافية تحت سقف الغرفة، ثم رويداً رويداً بدأ يربت كتفي ! زاغت عيناي، ارتجفت، اشتد النبض في قلبي، تسرّبت ضربات خافقي خلف الأضلاع، عصفت بي، ارتعدت بحذر، من جديد لا أجد غير السؤال : هل عدت الى زمن خرجت منه دون أن أدري ؟! أم تراه الخوف أثقلني بهواجس باتت لا تغادرني، حتى صرت أجسدها لأراها؟ حاولت أقتحام أبواب ذاكرتي المجهدة أفتش عن أصول الصوت ؟.
اهدأ، خاطبني الصوت قائلاً
_ اركب
تفترش العباءة الأرض وتتحول الى بساط سحري، يعيدني الصوت الى الضغط برأس القدم الذي كانت تمسك به أصابعي لأتأكد أنني في يقظة لا في حلم عجائبي، لأوقن أنني أمام حقيقة مرئية، فأصبعي تألمت وقد شعرت بهذا الألم فتأوهت دون أن أدري، وكان علي أن أسأل البساط :
_ الى أين تأخذني ؟ هل تأخذني الى حتفٍ من نوعٍ جديد لأكون حكاية الساعة .
_ أذكر اسم الله واركب
_ بسم الله
_ انه ينتظرك
_ من هو ؟ من ينتظرني ؟
_ اركب
دفعتني الرغبة الى اكتشاف الحقيقة ومجاهيل الحلم الصعب الذي راودني منذ أن وعيت على الدنيا وكونت لنفسي أحباراً صنعتها بدم روحي بعشق موصلي يليق بفاتنة الدجلتين حبيبتي الموصل، في أن أقف وجهاً لوجه مع الرئيس الذي يبعد عني مئات الكيلو مترات لأحكي له عن عذاباتي الفكرية والروحية والنفسية، لأقول له ياسيدي : كل يوم تزف البلاد شهيداً نحو السماء، كان يحلم ببيت وبعروس جميلة، كل يوم تزف البلاد رجلاً راعياً لأسرة تحتاج اليه وأطفال ينتظرون مقدمه بشوق المحب، كل يوم وطار البساط محلقاً في سماء الموصل باتجاه كوردستان ثم توقف، شاهدت من عل موكباً يسير، عرفت من خلال المشهد أنه موكب الرئيس وبسرعة هبط البساط ، كنت بذهول أراقب مايحصل معي، فجأة وجدتني أقف على أرض فيها بيشمركة أبطال أشداء مع اسلحتهم الحديثة، واستقبلني رجل كان مرتدياً زياً كوردياً، يقف بجانب خيمة، خمنت أنها خيمة احد القادة الكورد، صدق حدسي، لقد رحب بي الرجل ودعاني الى الدخول، مشيت وراءه بهدوء وذهول ينقلني الى خوفي ورجائي ثم يعيدني الى صحوي وارادتي.
دخل فدخلت وراءه وأنا أتأمل أرجاء الخيمة، سمعته يقول :
هذا هو الكوردي الموصلي سيدي الرئيس
رحت أتفرس بذلك الموقف العجيب حلمي المفقود على سيمفونية الضياع الوطني الذي افتقدت كل أمانه وطمأنينته وفي داخلي اهتزازات من ارتعاشات لا أقدر على وصفها وتصنيفها.
كيف حدث هذا لا أدري، وفي دوامة الصراع سألني بصوت تدرك مباشرة أنه ذو صفة رسمية مهمة جداً :
لماذا حصل هذا للموصل تلك المدينة المتآخية، الطواغيت أعاثوا فيها فساداً، وهتكوا الأعراض وهدّموا الجوامع والكنائس والمكتبات وكل معالمها الحضارية، هذه المدينة المتآخية عبر العصور، حدثني ماتعرف؟
برعشة صوت خانته قدرته قلت :
نعم سيدي الرئيس، أنت تعلم جيداً أن الموصل كانت عبر العصور مدينة متآخية جميلة يحفها الأمن والأمان ويحيطها الربيع من كل جانب، لم تشهد أبداً ماتشهده الآن من تدخل سافر للقطاء الدواعش الذين شوّهوا نسيجها القزحي المتماسك، وتعلم أيضا ان الكورد يشكلون نسبة كبيرة من هذا النسيج يعيشون منذ القدم على هذه الأرض.
قاطعني على الفور قائلاً :
هل صحيح مايقال عن تهاونكم في زرع مفاهيم الديمقراطية واستعمال العنف الذي لاوجود له في قاموسنا وعدم اللجوء الى الحوار ونشر ثقافة المحبة والتسامح ؟
_ شعرت برغبة جارفة في البكاء لكنني لم أجرؤ أن أفعل في حضرته، على الفور تعافت حنجرتي من ارتعاشاتها المضطربة وقلت دفاعاً عمن استشهدوا ودفاعاً عمن يستشهدون ودفاعاً عمن يعيشون وسط أفخاخ من الموت الفظيع، وبجرأة دفعتني اليها رغبتي في أن أبدو قوياً لأنني فعلاً قوي فقلبي مملوء بالايمان وبحب الوطن والمباديء التي تشرّبنا بها:
_ ياسيدي دفنت الموصل وضواحيها شهداء من أهلنا الكورد الأصليين لسكان هذه المدينة الباكية، وما كان ذنبهم سوى كونهم كورداً ولدوا هنا وشربوا من دجلتها، لقد عمل الارهابيون لسنين طويلة على تهجير الآلاف من العوائل الكوردية منها، وقتلوا المئات غيلة وغدراً ومايزال القتل ضارياً ومستمراً، حاولوا ولا زالوا يحاولون سلخ الكورد عن موطنهم وتشريد عوائلهم في حين تحمي كوردستان الآلاف من من العوائل العربية التي هربت من الأرهاب واحتضنتهم كالأم الرؤوم المحبة لأولادها، الموصل ياسيدي مستباحة الآن من مجاميع الظلام وأعداء الأنسانية، نعم لقد حرر البيشمركة الأبطال أجزاء واسعة من الموصل ولازال الموصليون الأصلاء ينتظرون تحريرهم من هؤلاء الدواعش الكفرة الذين لا يمتون للانسانية بصلة، نثق بك ياسيدي ونعلم بأن الكورد سيطردون هؤلاء الى غير رجعة، ويستأصلون هذا المرض الخبيث من جسد البلاد...
شدّتني ابتسامته السموحة الى الاعتزاز بجرأتي وصراحتي، وشد بيديه على كتفي وملامحه السمحاء تبعد عني وجلي وقلقي مسح عن قلبي ارتعاشه وجرى النسغ في أوردتي معانقاً خلاياي، لقد أوصلت رسالتي الى سيادته وتحقق حلمي، وستعود حارات مدينتي وحدائقها ومدارسها وملاعبها الى عهدي بها، وسأمشي في شوارعها ثانية بلا خوف ولا وجل من ملثمين يمارسون البطش بالعابرين من سواء السبيل بنيران أسلحتهم هكذا وأنا أجول في مدينتي من جديد أحسست بمطرقة تهوي على رأسي واستدرت الى صوت الصيحة، يا الهي انه منبه الجوال ويشير الى الساعة الثالثة عصراً، العرق الخفيف على جبيني نبهني إني كنت في حلم، ولكن ما قرأته في تفاسير كثيرة أن أصدق وقت السحر ووقت القيلولة، هل أعود لأكمل تجوالي ؟!