• Monday, 23 December 2024
logo

حدودٌ يرسمها الدم!.................فاروق حجّي مصطفى

حدودٌ يرسمها الدم!.................فاروق حجّي مصطفى
الكلام الذي قاله رئيس إقليم كُردستان مسعود البارزاني في حواره مع "جريدة الحياة " على أنّ "الحدود الجديدة في المنطقة تُرسم بالدم داخل الدول أو بين بعضها البعض ".


هذه الجملة لها وجهان: وجهٌ معنويٌّ ورمزيٌّ ، وآخر يحمل رسالةً على أنّ المنطقة على مفصل آخر من التاريخ . الوجه الرّمزي من الكلام يشير فيه البارزاني إلى أمرٍ مهم، وهو أنّها على عكس الحدود التي رسمتها اتفاقيّة "سايكس –بيكو" قبل ما يقارب المئة عام "الحدود المصطنعة"، فإنّ رسم حدود اليوم يتمّ من خلال حجم التضحية بالدّماء التي يقدّمها الكُرد لرسم حدود تواجدهم وأمنهم وهويتهم وعلاقاتهم مع الآخر ومع إخوتهم الكُرد. أمّا الوجه الآخر المراد من الرّسالة، الذي أراده البارزاني أنْ يرسلها هو: أنّ المنطقة وخاصة المناطق التي رسمت حدودها بمعرض عن إرادة شعوبها باتت قاب قوسين أو أدنى من تغيير التفصيل الحالي للمنطقة، التي لا تقف عند رسم الحدود الجغرافيّة فحسب، إنّما تمتد لتأخذ تفاصيل أخرى، بدءاً بعلاقات شعوب المنطقة التي لاتكاد الحرب تنتهي فيها حتى تبدأ من جديد مابين بعضها البعض، وانتهاءاً بتقرير المصير، مروراً بالتغيّرات التي تحصل وستحصل في بنيان أنظمة الدول.
والحق أنّ مشكلة الحدود هي من الهموم الأساسيّة للعقل السّياسي الكُردي، فمنذ ما قبل اتفاقيّة "سايكس-بيكو " والكُرد يدفعون ثمن حدود تواجدهم بدمهم، ولم تتوقّف الحروب في وجه الكُرد.
ومنذ تشكيل بنيان دّول الشّرق الأوسط، وخاصّةً بعد معركة جالديران (1516م) بين الامبراطوريتين العثمانيّة والصّفوية، التي قسّمت كُردستان إلى قسمين: قسمٌ في إطار الدّولة الصّفوية وقسم آخر تحت حكم الدّولة العثمانيّة ، وتلاها اتفاقيّة "سايكس-بيكو" الذي زادت من انقسام الجغرافيا الكُردية، ليقعوا تحت سيطرة أربعة دول( في العقد الثاني من بداية القرن المنصرم )، من وقتها يواجه الكُرد ظلم جوارهم من المؤامرات، التي كانت تحاك ضدّهم دون تردّد وحساب لأحد؛ وسرعان ما بدأت أطماع دول (سوريا والعراق وتركيا وإيران) تحصد الأرواح الكُرديّة، ما دفع بالكُرديّ ليواجه هذا الظلم بدمائه، واختيار التضحية بالدم أصبح الخيار الوحيد المتاح للاستمرار في حرب الوجود.
والحق أنّ ما جرى على رأس الكُرد، كادت تعجز ضربات التحالف الدوليّ اليوميّة عن مساندتهم، ضدّ من يحاولون إمحاء دّور الدّول العظمى في المؤامرات التي حيكت بحقّ الكُرد من ذاكرتهم السياسيّة، وكانت آخر مؤامرة اتفاقيّة الجزائر في أواسط السبعينيات من القرن المنصرم، ما يعرف باسم"خدعة كيسنجر" للبرزاني الرّاحل، كما أنّ الأنظمة الأربعة كانت تختلف على كل شيء وتتّفق فقط على ضرب الكُرد ومنعهم من بلوغ تطلّعاتهم، وحتى في الحرب الداعشيّة الأخيرة، لا يستبعد أحد أنْ تكون يد الدّول الإقليميّة في دفع داعش لإعلان الحرب على الكُرد وسبي نسائهم وبيعهنّ في أسواق النخاسة في الموصل، حتى أوصلوا نسائهم إلى ريف حلب.
لا نستغرب أنّ دول المنطقة ولا سيما إيران وتركيا وبالرّغم من أنّ الأخيرة تشكّل جزءاً من التحالف، فهذا لم يخفي حقدها تجاه الكُرد، فسرعان ما تظهره في كلّ مناسبة، ما يعني أنّ الحدود التي تُرسم بالدّم هي حدود فقط، تستطيع أن تقف في وجه أي مؤامرة أو عدوان، وهي مفتوحةٌ أمام كلّ العلاقات النّاضجة، التي تخدم مصالح النّاس وتنسجم مع الآفاق الحداثويّة.
بقي أنْ نقول: أنّ التجربة توحي بأنّه وإنْ كان الكُرد عاجزين عن تحقيق تطلّعاتهم على طاولة المفاوضات (حسب ما قال جوناثان راندل في كتابه: أمّة في شقاق)، فإنّ دمهم لم يحدّد حدودهم الجغرافيّة فحسبْ، إنّما ترسم لهم مستقبلاً أفضل، ما دام (22) قائداً من الدّرجة الأولى مع رئيسهم في الجبهة يقاتلون داعش مرّةً، ويحمون العلاقة الكُرديّة والعربيّة في تلك المناطق حيناً آخر!
Top