إزدواجية التعامل في ذبح هوجام الكوردي وكساسبة الأردني في الإعلام؛ سيما العربي والإسلامي إلى متى...؟! سيروان انور مجيد
متجاهلاً سبب النزول والورود وكيفية الحدوث، كأن تأخذ (ويل للمصلين) وتترك بقية الآية، وإذا ما عملت بهذا النص المبتور فحينها تحدث الطامة الكبرى للمسلم المصلّي نفسه، وكيف بالآخرين...! وهذا دأب داعش في أخذ النصوص حسبما يهويه، ويسوقه حسبما يساق له الأمور...!
ولعل ذبح هوجام الكوردي وكساسبة الأردني من أقذر الجرائم التي ارتكبها بحق فردية الإنسان؛ سيما ذلك الرجلين شهادتهما في هو نفس الشهادة التي يغنّي بها داعش في الظاهر، ولعل أنّ الاثنين يشتركان في نقاط ويتخالفان في أخرى...
فأمّا النقاط المشتركة، فإنّ كلّ منهما ذهبا لمحاربة ألدّ أعداء البشرية المعاصرة، وأنهما كانا في ريحانة شبابهما، وهما يريدان الحياة وإعادة الشهامة والكرامة والعرض للبشرية، وأنهما وقعا أسيرين، ثمّ استشهدا بيد داعش من طينتهما القومية وأمام الملأ، وهذا ما زاد من الطين بلة في حرق قلوب المحبين للحرية والسلام...وهكذا دواليك.
أمّا نقاط الخلاف بينهما فإنّ هوجام الكوردي كان في موقف الدفاع عن كوردستانه، أي: لم يكن متجاوزاً عن حدوده... وخلّف وراءه عشرة يتامى، واثنان منهما يرثى لحالهما الغير الطبيعي، كما وأنّ هوجام ليس له دولة وإنّما كان في حلمه لتحقيقها، فنصيب قومه ليس إلا القصف الكيماوي، والأنفلة، والتهجير، والتشريد، والتعذيب، والتبعيث من قبل أنظمة صدام حسين الطاغية.. أي: هو لم يستلذ كثيراً بطعم الحرية الاستقلالية كدولة، وإن تنعّمه كإقليم فدرالي شبه مستقل؛ إلا أنّ هذا لا يرتقى إلى فرحة الدولة بتاتاَ....أما الكساسبة الأردني فهو كان في موقف الهجوم، إذ هو هاجم داعش لربما استقام حرب داعش من دون مشاطرة دولته، ثمّ هو لم يخلف اليتامى بل هو متزوج منذ ستة أشهر، وأنّه تنعّم بدولة مستقلة ومستقرة سياسياً، ولم يتعرّض كثيرا لشذف العيش ومطبات التهجير والتشريد والتعذيب والتبعيث....وهكذا دواليك.
ومن هنا، ورغم وجود نقاط الشبه والاختلاف بين الشهيدين العظيمين، فإنّ الفردّ الكوردي في ربوع كوردستان تألّم كثيراً بحرق معاذ الكساسبة، والبعض غير من صور بروفايله بصورة حرقه المؤلمة؛ أمّا انعكاسه في الإعلام الكوردي الرسمي وإدانته النكراء لهذه الجريمة فحدّث عنها ولا حرج، ناهيك عن تثمين دور الملك الأردني في إعداده لردّ الداعش بمشاركته الميدانية...هذا هو الشعور الكوردي له في حين لم نَرَ أي تأثير لذبح هوجام الكوردي في الشارع العربي؛ ولعل أن كاتب هذه السطور له أصدقاء كثيرون من العرب في موقعه الشخصي؛ بيد أنّه لم يبصر أي إدانة من أصدقائه لذبح هوجام لا من قريب ولا من بعيد؛ بل وربما قبل حرق الكساسبة كانوا يخجلون في الوقوف ضد داعش، ولعل البعض في شارعهم كان قلوبهم يطوق له...!
فسرعان ما حرق داعش معاذ الكساسبة قامت الدنيا في الشارع العربي ولم تقعد، فقد كثرت الإدانات والاستنكارات، ولعل أبرزها أئمة علماء المسلمين كيوسف القرضاوي والعريفي ومشايخ الأزهر بكتابة سطور كثيرة ليعبروا بها لغة استنكاراتهم...
فمن هنا، نثمن دورهم ولكن نحن الكورد كمسلمين نتساءل أليس ذبح داعش لهوجام الكوردي كان أشد مضاضة وألما، أو لنقل مساوياً لحرق معاذ الكساسبة، مع العلم أن الأول كان المدافع عن عرضه، بينما الثاني في موقف الهجوم وأراد حرقهم...! أم أنّ الثاني في منظاركم سيّد الشهداء، والأوّل من الزنادقة الشعوبية...!
إلى متى هذه الازدواجية والصمت الرهيب لما يسمى بعلماء المسلمين...! لا ندري إلى متى تطغى صفة العروبية على الإسلام عند هؤلاء الذين سردنا ذكرهم...! بل والأكثر من ذلك، أو ليس من الأولى للدكتور علي القرداغي الكوردي، الأمين العام للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى جانب استنكاره لذبح اليابانيين أن يصرف مفردات كلماته قليلاً ويتصدّق ليستنكر ذبح ابن بلده، أم أنّه الآن في جوار القرضاوي ونائبه، ولربما استنكاره باسم منصبه يعكّر صفاء كرسيه (مع أنّ له مواقف بطولية شخصية للقضية الكوردية وضد داعش بالتحديد)، أليس الكيل بمكيالين في مثل هذه القضايا الحساسة ما يخلق أرضية الانفصام وجغرافية التفكيك عند الشخصية الكوردية تجاه هذا العالم الغريب...! فأين الملة الواحدة والإسلام الصحيح...! فإذا قلنا الأنظمة العربية والإسلامية هم من ينفذون سياسات الغرب، ولكن يا سادة العلماء فأنتم القدوة في العالم الإسلامي كله، فلم تحجّمون أنفسكم في أقل من ربع العالم الإسلامي...!
وفي نهاية المطاف نقول:
إنّ الأمم لا تقاس بامتلاكها الدولة والمساحة الجغرافية الهائلة أو يتسنم وظيفة الجندي المحرك من قبل فراعنة سيّد العصر، وإنما يقاس بمدى احترامها لقيم الإنسانية وحقوقها، فبلد هوجام احتضن أكثر من مليون لاجئ عربي ويتنعمون بكل ما يتنعمون أهل كوردستان مع أنّهم في قومية وثقافة مغايرة...! في حين، في بلد كساسبة أنّ الكثير من اللاجئين السوريين مع أنهم من طينتهم وجيرتهم؛ إلا أنهم يقضون حياتهم في سجون المخيمات وليس لهم أبسط حقوق التدريس ومواصلة الحياة في حيز التطبيق...! أهكذا يكون جزاء الإحسان يا إعلام العربي، وبالخصوص الذين يتبوؤون عرش أرقام علماء المسلمين...! فإلى متى الكيل بمكيالين، فأفيقوا وإلا فلا تلومونا ولوموا أنفسكم...!