• Monday, 23 December 2024
logo

المصالحة بين الدعوات المخلصة والمزايدات السياسية

المصالحة بين الدعوات المخلصة والمزايدات السياسية
لحاجة الى المصالحة الوطنية أو السياسية بين العراقيين ليست عرضية، وليست إبنة ساعتها، لأن لها مخلفات تاريخية قديمة، ومرتبطة بمشكلات تاريخية قديمة والحدود المصطنعة التي رسمت طريقها المليء بالمطبات من قبل سايكس وبيكو، وسار عليها العراقيون رغماً عنهم، وعانوا من آثارها ونتائجها عبر التاريخ الى عهدنا الحالي. ولكن، كلما تتجدد الدعوة الى المصالحة، ونسمع النداءات التي تدعو الى تشجيع الحواروالمصالحة، وتقليل النعرات الطائفية والمذهبية والقومية، وإستغلال الفرص المواتية لمعالجة أزمات البلاد المرتبطة بأزمة التنافر وعدم الثقة، يرتابني إحساس عميق بالمرارة والخيبة، لأنه ليس سهلا الدخول في منطق المقارنة بين العيش والتعايش في حالة البهجة بالحرية والتسامح والتصالح، وبين العيش تحت كاهل الفوضى والانهيار والفشل، وليس سهلاً تحمل التخمة (بالمصطلحات والعبارات الرنانة)، ونحن على يقين بأن تلك العبارات لاتغني ولاتسمن، بل حتى لاتحافظ على المعنويات.

المصالحة ليست بحاجة الى لجان ورؤساء لجان واجتماعات دورية وجلسات طويلة ومؤتمرات شهرية وفصلية وسنوية تعقد هنا وهناك، لها أول وليس لها آخر، وتصرف عليها المليارات، وتتبعها توقيتات غير عفوية او اعتباطية، تكهرب الأجواء، وتحول القضايا الصغيرة الى مشكلات وخلافات مستديمة لتكون شغلنا الشاغل على مدار الساعة، وتعمق الهوات الفاصلة بيننا، وتبقي المسافات بعيدة بين الذين يعانون من الحرمان، وبين الذين يتسابقون بطريقة غيرإنسانية ليغتنموا المناصب والمكاسب، وليحصلوا على غنائم ليست لهم، ويجبروا البعض على البقاء واهمين ومتوهمين إننا سنعيش متصالحين.

المصالحة رؤى إنسانية نابعة من الثبات والعزم والصلابة والإصرار، رؤى يمكن أن تأخذ طريقها في خضم السياسة الناضجة، وإستثمار كل ما يمكن إستثماره في الظروف الحرجة والملمات الصعبة لوضع المعالجات السريعة للمشكلات، وإستيعاب الاوضاع بكل جنباتها بهدف تقديم نموذج ناجح للديمقراطية (التي تعني حكم الشعب) وتحقيق البناء المجتمعي، وإرساء مفاهيم وتصورات قيمية جديدة، وتبني خطاب سياسي وسطي يقوم على مبدأ تفهم الحقائق، ولكن هذه الامور(في العراق) تصطدم بقوة بالوجود السياسي لبعض الواصلين إلى الحكم، واللاعبين على الساحة السياسية، لذلك فإنهم يعادونها ويحاولون تقسيم الشعب آيديولوجياً وسياسياً ومذهبياً وقومياً، وهذا يعني أن أمراء السياسة، هم في الوقت ذاته، أمراء الحرب العلنيين والسريين، ويتحملون مسؤولية التخطيط ضد المصالحات الوطنية والسياسية في السر وينادون لها في العلن، ويتسارعون وفق استراتيجية توزيع الأدوار إلى بث الرعب والابتزاز في نفوس وصفوف العراقيين وتوزيع الألقاب الوطنية على البعض، ووصف البعض الاخر بالخونة والفاسدين، كما يمارسون الضغط والاعتداء والتهميش والإقصاء والانتقام والتشهير وتلفيق التهم عبر الإعلام المسيس الممول بالمال العام، أوعبرالمحاكمات السياسية، ويساعدهم في ذلك أناس إنتهازيون يصطادون في الماء العكر، بهدف تأجيج الرأي العام على أساس مذهبي وتصعيد نسبة الإرتباك والفوضى.

مع ذلك ولكي لاتكون الصورة قاتمة، نقول: المخلصون وكل أصحاب القرار الذين لهم مصالح حقيقية مع المصالحة، لابد أن يساندوا الخطوات التي تعيد الثقة بين المكونات العراقية المتصارعة، ويتعمقوا في دوافع ومضامين المطالب الداعية اليها، ويفرزوا بين الانسانية والوطنية منها، وبين التي تدخل في خانة المزايدات الاعلامية والسياسية، ولابد أن يتحدوا بشجاعة من أجل إزاحة أصحاب الخطاب السياسي التصعيدي ومن هم عثرة حقيقية أمام المصالحة .

Top