مابين داعش ودجعش ! .......دانا نوزر علي
الهروب من اخبار داعش ليس بالشيء الهين, فداعش اصبحت على كل الصحف والفضائيات والمواقع الاجتماعية. ليس هذا فقط بل اصبحت داعش العنوان الرئيسي للكابوس الذي نراه كل ليلة في احلامنا. لكن الموسيقي من احدى الملاذات الامنة القليلة اللتي لا زالت بعيدة عن ايادي داعش, فلا توجد داعش في الاغنيات والموسيقى فهم بكفرون بالصوت الجميل ويرون الات الموسيقي اكثر خطرا من الاسلحة السامة ولهذا السبب اينما حلت داعش غابت الموسيقي واينما سمعت بالموسيقي فتعرف ان داعش لم تصل بعد.
هذه المرة اخترت ان استمع الى اغنية "وعدتك" من كلمات نزار قباني والحان كاظم الساهر واداء ماجدة الرومي. "وعدتك الا احبك ولكن امام القرار الكبير جبنت" بدات تغني الرومي. الكلمات والالحان والاداء وحتى الاسماء ابحرت بي من دنيا داعش الى دنيا الزمن الجمل. لكن هذا لم يستغرق طويلا. فما ان قالت الرومي "وعدتك ان لا اعود و عدت", عدت لموضوع داعش و لكن هذه المرة من منظور مختلف.
. فيا للعجب, قلت لنفسي, شتان ما بين دولة الجمال في العراق والشام والدولة الاسلامية في العراق والشام ! فكاظم الساهر عراقي, ونزار قباني وماجدة الرومي كلاهما من ارض الشام. العراق والشام التقيا في هذه الاغنية لكي تصنعوا جمالا بلا حدود. فها هي العراق والشام تلتقيان فعلا لكي تبنوا دولة الجمال بجمال الكلمات والاصوات والالحان. فقباني كتبت للجمال طول عمره, الساهر والرومي سهرا غناء وتلحينا للجمال. فهم حقا مع اخرين من امثالهم بناة دولة الجمال في العراق والشام.
الدولة الجمالية في العراق والشام او دجعش مبنية على حب الحياة والتلذذ بجمال خلق الله. دعك من قتل الناس و الابرياء, موت طائر النورس يبكيهم. اناس احبوا اوطانهم وغنوا لها ولاهلها, وحتى حينما غضبوا , سطروا شعرا او لحنوا اغنية. فحينما فقد نزار القباني زوجته و حبيبته بلقيس في تقجير السفارة العراقية ببيروت في ثمانينات القرن الماضي, كتب قصيدة "بلقيس". فحتى الموت عندهم تنفخ الروح في قصيدة او اغنية. و لما رأى كاظم الساهر بلاده مفتونا بكل انواع البلايا, لم يكن بوسعه الا ان تحمل عوده مغنيا لبلاده العربية.
علينا ان نفكر جديا لماذا العراق والشام ينتجون داعش اكثر من دجعش. لماذا اصبحتا ارضين خصبتين لنمو افكار تحتقر الحياة وتنبذها. فداعش ليست منظمة ارهابية مسلحة فقط بل رؤية شائمة قاتمة للحياة ترى في القتل والدمار مخرجا. داعش يجب ان تعامل ليست فقط كواقع امني بل كظاهرة اجتماعية فكرية تمكنها ان تنمو في مجتمعاتنا وان تغزو شبابنا وشاباتنا. فالرصاص وحده لن يقضي على داعش. فافشاء ثقافة الحياة اجدى طريقة لمحارية ثقافة الموت ونار الحب اكثر احراقا لهم من نار الاسلحة الفتاكة. فقتل كل من يقول "الموت اسمى امانينا" يقضي على الجسد وليس على الفكرة. هذه الفكرة المرحبة بالموت يقضي عليه حينما يكون شعار دولنا ومجتماعتنا "الحياة اسمى امانينا" .
هذه ليست دعوة للتصالح مع من يرهبون الناس و ليست محاولة للرافة بهم بل مسعى من اجل فهمهم. فداعش لم ياتي من السماء وليست استيراد خارجي بل مولود شرعي للمنظومات السياسية والفكرية لمجتمعاتنا. فداعش وامثالها في العراق والشام وفي كل البلاد العربية والاسلامية لم تكن لتعيش وتنموا لو لم يكن هناك من مناح فكري, سياسي واجتماعي يسمح لهم بذلك.
الدولة الجمالية في العراق و الشام هي القوة الوحيدة التي يمكن ان تحارب الدولة الاسلامية في العراق والشام. فجمال الحب والموسيقى يمكنهما ان تواجها قبح الحقد والدمار. جيل يقرا اشعار قباني و يسهر مع اغاني الساهر والرومي في بلاد يحترم الانسان لانسايته وليس لدينه او مذهبه او قوميته لن يكون فريسة لدعاوى الهدم و التدمير. واول خطوة على الطريق تكون بتسويق الفهم المتسامح الذي يفهم دار الاسلام كدار السلام و ليس كدار يقتل فيه الناس و يذبح الابرياء تطبيقا لشرع الله ! كما كتب قباني, لحنها الساهر و غناها الرومي "وعيناك داري و دار السلام".