في ذكرى الشهيد إدريس بارزاني... شهيد رحل ولم يرحل .....صبحي ساليي
واليوم عندما نستذكر الشهيد ادريس بارزاني، فإننا نستذكر مناضلاً وضع روحه فوق أكفه وقاتل بالبندقية تارة، وبالمواقف السياسية تارة أخرى، ليسهم عبر مسؤولياته وساحات النضال التي إحتضنته في صياغة إشراقة التاريخ المعاصر لشعبنا الذي إستطاع بفضل جهود بيشمركتنا الابطال ودماء شهدائنا الابرار أن ينتزع لنفسه الموقع الذي يستحقه دولياً وإقليمياً ومحلياً، وأن يصبح واحة مستقرة للديمقراطية والنهوض الحضاري.
التأريخ الكوردستاني خلد سيرة وعطاء وتضحيات الاب الروحي للكورد مصطفى البارزاني، وهذا التاريخ يفخر بالشهيد إدريس الذي حمل الامانة الثقيلة بإقتدار، وكان أهلاً للمسؤولية النضالية الجسيمة في أصعب الظروف وأخطرها، حيث كان المناضل الفذ في ميادين المواجهات الساخنة، ومخطط وبطل الكثير من الملاحم، والسياسي المقتدرورجل السلام الذي أسهم في ترسيخ أسس الانطلاق الى المستقبل عبر ركائز القيم والمبادىء التي ارسى قواعدها النضالية مع رفاق دربه المناضلين وفي طليعتهم الرئيس مسعود بارزاني.
تربى الشهيد إدريس، الذي ولد في العام 1944في كنف عائلة تعتز بإنتمائها الديني والقومي والنضالي، على القيم الانسانية والنضالية، وتنسم إرادته التحررية الاصيلة عبر الشخصية الفذة لوالده الخالد، الذي كان ومازال يعتبر بحق أرقى مدرسة نضالية لأبناء شعبنا، وتسلح بالوعي القومي والارادة التحررية والبسالة في التضحية من أجل شعبنا وقضيانا المصيرية، وتعزز في أعماقه قيم الاعتماد على الذات ومواجهة الصعاب والتصدي للتحديات، وإثر إندلاع ثورة أيلول التحررية(1961) ترك الشهيد إدريس مقاعد الدراسة وتوجه لحمل السلاح وتحمل المسؤوليات، وقاد البيشمركه في العديد من المعارك التي تكللت بالنجاح والنصر المؤزرين وكانت من أبرزها ملحمة (هندرين) 1966، التي الحقت الهزيمة والعاربكبار ضباط وعسكريي الجيش من دعاة الحرب والقضاء على الكورد وتدمير كوردستان.
أصبح الشهيد إدريس، الذي إستطاع أن يوظف كل ما تعلمه من أبيه الكريم من الخبرة والحكمة والحنكة السياسية، نجماً لامعا وقائدا فذا ذكياً، وفي المفاوضات التي جرت بين وفد الثورة الكوردستانية وحكومة بغداد في العام 1970 ساهم بفعالية كبيرة في تثبيت العديد من البنود والفقرات التي تضمنتها الاتفاقية التي إعلنت في 11آذار من العام ذاته، وحاول بجد تطبيق الاتفاقية ورأب الصدع الذي كان يحصل جراء تنصل بغداد من التزاماتها، وسعى بحكمته ونفوذه، تجنيب العراقيين ويلات تكرار الحروب، وبادر قبيل إندلاع القتال في سنة 1974 وتوجه الى بغداد في محاولة مخلصة أخيرة لنزع فتيل الازمة، ولكن تعنت البعثيين وغرورهم وإصرارهم على شروطهم المجحفة، أدت الى أندلاع القتال مرة أخرى في جبال كوردستان، وتكالب أعداؤنا على شعبنا، وإجتمعت المصالح الدولية ضدنا، ونتجت عنها إتفاقية الجزائر المشؤومة.
وفي كولان 1976 إندلعت ثورة جديدة في كوردستان، ووظف الشهيد ادريس مهارته السياسية لإعادة ترتيب البيت الكوردي، وإستطاع التقريب بين وجهات النظر المختلفة التي ظهرت على الساحة الكوردستانية، وكان مهندساً للمصالحة الوطنية التي مهدت لإعلان الجبهة الكوردستانية، تلك الجبهة القوية التي أثبتت جدارتها في قيادة الانتفاضة الكوردستانية عام 1991، وما أعقبها من إدارة شؤون كوردستان وإجراء الإنتخابات الديمقراطية وتكوين المؤسسات الحكومية.
رحل عنا الشهيد في وقت مبكر، في وقت كنا بأمس الحاجة إليه، رحل يوم31/1/1987 ، ولكنه بقي خالداً في قلوبنا وضمائرنا...
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب و ليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الاعلامية
RUDAW