لماذا تعادي بريطانيا "العظمى" كوردستان؟ ........ازاد احمد علي
لقد تفاجأت القوى العراقية الرئيسة التي تقاتل داعش على الأرض من عدم دعوتها إلى هذا الإجتماع الذي يخص ما يجري في مناطقهم مباشرة، في الوقت الذي دعت إليها دوليلات مثل البحرين ذات الإمكانات المتواضعة، وقطر المشكوك في مصداقيتها في محاربة الإرهاب.
وكرد فعل أولي على إجتماع لندن الكرنفالي، أبدى رئيس إقليم كوردستان العراق من الجبهات الأمامية لقتال داعش عن إستيائه وأسفه لعدم دعوة ممثلين عن إقليم كوردستان إلى هذا الإجتماع، وذلك في بيان وزع يوم الجمعة 23/1/2015.
من جهتها أعلنت القوى العربية السنية في العراق عن موقف مشابه، وأوضحوا لجهات إعلامية متعددة، بأن الوفد المشارك في مؤتمر لندن يفتقر إلى أي مسؤول من المكون السني. كما بينت الهيئة السياسية لتحالف القوى العراقية وإئتلاف الوطنية، بأن تركيبة الوفد (السيدين العبادي والجعفري) يعد تهميشاً جديداً وإستئثاراً غير مبرراً لحضور المؤتمر.
وفي محاولة لمعرفة حقيقة الموقف الأمريكي من هذه الدعوة الملتبسة، والمتمثل بإقصاء فظ لممثلي إقليم كوردستان العراق، والقوى العربية السنية في العراق، وبناء على إصرار مراسل شبكة رووداو الإخبارية في واشطن نامو عبدالله، أجابت المتحدثة بإسم الخارجية الأمريكية في مؤتمر صحفي عقد يوم 23/1 في العاصمة واشنطن، جين ساكي التي ردت على التساؤل بطريقة إستفزازية: "نعم، حيدر العبادي يمثل جميع العراقيين".
وهذا ما يشير إلى أن أمريكا متفهمة للعبة بريطانيا القديمة – الجديدة والسخيفة في الوقت نفسه، فقد إستجرت حكومة كاميرون وراءها إدارة أوباما الهزيلة في هذا الموقف على أقل تقدير.
ما حدث لم يكن مفاجئاً للمراقب المهتم بالسياسة البريطانية، فهو تعبير صادق عن الذهنية البريطانية الكولونيالية في معالجة شؤون العراق، لأنها حلقة جديدة في نفس سياسة إعادة انتاج المشاكل، وليس حلها. وهي نفس السياسة المتبعة منذ العهد الملكي، المتلخص في الميل الواضح والصريح إلى جانب السلطة المركزية، أياً كانت هذه السلطة، ملكية أو بعثية أو شيعية، لأنها سياسة مريبة ورتيبة تتغاضى عن عمق وطبيعة المتغيرات الداخلية والمحيطة بالعراق اليوم.
أما بالنسبة للكورد وكوردستان فالموقف البريطاني، هو إستمرار وترجمة جديدة لحقيقة معاداة حكوماتها المتعاقبة لطموحات الشعب الكوردي، طوال قرن كامل من الزمن. فمنذ أن تفوه تشرشل بكلمات معادية للكورد وترجمها بتحطيم كوردستان على أرض الواقع بعد الحرب العالمية الأولى، وحتى يوم أمس، تنفذ نفس السياسات، عندما تعمدت حكومة ديفد كاميرون (اليمينية المحافظة) في إلغاء دور الكورد والتعتيم على إنتصاراتهم في ساحات محاربة الإرهاب. إن موقف حكومة كاميرون هذا ما هو إلا محاولة للإستدارة حول المنجز السياسي والعسكري والدبلوماسي الذي حققه إقليم كوردستان في الأشهر والسنوات الأخيرة، وهي محاولة يائسة لإعادة تحويل إقليم كوردستان إلى محافظة منسية في إحدى "مستعمراتها" حسب ذهنية حكومة كاميرون الزهايمرية.
أما ما هو مستغرب أنه حتى الآن لم تتأكد النخب الكوردية الثقافية والسياسية، بأن بريطانيا تعادي الكورد بإستمرار وبشكل سافر، ويصعب عليها أن تجد كوردستان متقدمة ومنتصرة. فعلينا إعادة قراءة مواقف بريطانيا، وكذلك العديد من النصوص التي تثبت هذا العداء، بدءاً بمذكرات تشرشل وصولا إلى الوثائق البريطانية المفرج عنها مؤخراً، مروراً بعدد كبير من المستشرقين والرحالة والصحفيين والباحثين الأكادميين، فثمة إتفاق عام عندهم جميعاً، تتخلها بعض الإستثنات، فهم يُسَفهون الكورد ويُصورونهم كغزاة ومحتلون لأراض الغير. قبائل متشرذمة، غير قادرين على بناء دولة عصرية، ولذلك حَرَمهم العرش البريطاني من التمتع بحق تقرير المصير سابقاً. الموقف البريطاني هو أسوأ طريقة يمكن أن نتصورها للتكفير عن الذنب، لأن جريمتها الأولى لا تُغتَفر، وستظل ماثلة أمام أعين أجيال من أبناء ضحايا هذه السياسة.
ما يفرض نفسه إزاء السياسة البريطانية والسياسة الذيلية لإدارة أوباما في موضوع محاربة داعش، هو إعادة التأكيد على ضرورة التوجه نحو تحالفات محلية في العراق وسورية ودول الجوار، لإيجاد حل مستدام لمعضلات المنطقة، فبهكذا منطق وسياسة بريطانية ملتوية، لن تصل المنطقة إلى بر السلام والتنمية.
أخيراً وبهذه المناسبة أجد من الضروري أن تفكر النخب الثقافية والمنظمات الحقوقية الكوردستانية لوضع تصور وترتيبات لرفع دعوة قضائية ضد الحكومة البريطانية، بصفتها وريثة بريطانيا الإستعمارية العظمى، وكونها تتحمل مسؤلية المشاركة في تقسيم كوردستان، وتقع على عاتقها أيضاً مسؤولية الإبادات الجماعية والحروب السياسية ضد الكورد. فعلى أبناء الضحايا وذويهم بدءاً من ضحايا قصف السليمانية وبارزان من قبل الطائرات البريطانية، وصولاً إلى مجزرة حلبجة، رفع دعوة قضائية في المحاكم الدولية المختصة ضد من يتحملون وزر ما تعرض له الكورد من مجازر وحرمان سياسي خلال مائة عام. فحكومة بريطانيا ومعظم رؤساءها السابقون مسؤولون عن مأساة الكورد، وهم شركاء في تقسيم وتحطيم كوردستان، وبالتالي هم متهمون بسفك وهدر الدم الكوردي طوال قرن من الزمان، فمشكلتنا مع بريطانيا أكبر من هذا المؤتمر.