ذكريات منقوشة على حجر...فلم كوردي يضيء عتمة الجريمة.............فوزي الاتروشي - وكيل وزارة الثقافة
تعتبر فعلا جرمياً غير مسبوق لجهة قساوته ورعبه وتداعياته الكارثية عن البشر والحجر والضرع والزرع والاخضر واليابس فالنتيجة كانت قتل (182) الف مواطن كوردي بريء وحرق (4500) قرية, الى حد ان وجود الانسان والحيوان والنبات اصبح مهدداً بالفناء على يد نظام خارج عن كل القيم البشرية.
وحين توثق هذه الجريمة في الفلم الكوردي (ذكريات منقوشة على حجر) فان ذلك اسهامة فاعلة لإضاءة زوايا العتمة في المنعطف الخطير في حياة شعب تواق للحرية , وتزداد الاهمية من خلال مشاركة الفلم في المهرجانات الدولية.
الواقع ان دقائق وتفاصيل هذه الجريمة, بقيت في زوايا التعتيم والجهل حتى من قبل العراقيين، لان اعلام السلطة الدكتاتورية استطاع فعلاً اخفاء معالم الجريمة, ما عدا الفلم التلفزيوني القصير عن حلبجة الذي كانت الوسيلة الدامغة حينها والدليل الذي لايقبل الدحض لتعرية النظام في مدن وشوارع اوربا والوصول الى بلورة حملة عالمية لنصرة الشعب الكوردي.
ورغم ذلك ظلت تفاصيل كثيرة جداً ويوميات هذه الجريمة الوحشية بعيدة عن النور وعن أعين المنظمات الحقوقية في العالم, لحين هزيمة النظام في انتفاضة ربيع 1991. فقد استولت الجبهة الكوردستانية في دوائر الأمن في مدن كوردستان على أطنان من الوثائق والكتب الرسمية والمراسلات التي شكلت مادة دسمة للكتابة والتوثيق والأرشفة بما فيها من وقائع وبيانات وحقائق. وحينها لجأت منظمة مراقبة حقوق الإنسان في الشرق والأوسط الأمريكية الى دراستها وتحليلها وتصنيفها على مدى سنين لتصدر في كتاب موسع باللغة الانكليزية عام 1995 ومن ثم باللغة الكوردية, فكانت اول سجل توثيق جامع لمراحل الجريمة وحجم التدمير والتخريب الذي ألحقته بالمنطقة.
لقد كتب الكثيرون بعد ذلك مروياتهم وذكرياتهم ومعاناتهم وشهاداتهم للأجيال اللاحقة لكي لاتنسى. وباكتشاف عدد من المقابر الجماعية اتضحت الصورة أكثر فأكثر وصارت مرارة الذكرى تثبت في الأذهان والقلوب كلما وصلت دفعة منها الى كوردستان.
وإذا كان كل ما كتب وما سجل بالصوت او الصورة او الكلمة او الشعر او القصة, مهماً لتوسيع رقعة الضوء وهدم جدران العتمة, الا انه يبقى الفلم السينمائي بما له من قدرة على التأثير في أوسع جمهور وبما يمتلكه من آليات الحوار والتصوير والتجسيد الحي على الشاشة, اهمية استثنائية.
إذن ففلم (ذكريات منقوشة على حجر) هو فعلاً إعادة ترميم للذاكرة بلغة فنية رفيعة وهو إذ اشترك في الدورة الثامنة لمهرجان ابوظبي السينمائي وفاز بجائزة افضل فلم، فأنه وضع قصة واحدة من أبشع الجرائم بحق الشعب الكوردي في صميم ضمير العالم.