• Monday, 23 December 2024
logo

ولاء وطني زائف..............محمد واني

ولاء وطني زائف..............محمد واني
العراق ليس مجتمعا واحدا بل عدة مجتمعات؛ وكل مجتمع يختلف ويتميز عن الآخر، وقد يظن البعض خطأ أن ثمة نقاط التقاء تجتمع عليها تلك المجتمعات، مثل: الدين والوطنية والسيادة والدستور وغيرها،

ولكن إذا ما درسنا واقع المجتمعات العراقية المتعايشة وتاريخها منذ أن تأسست الدولة العراقية، فإننا سرعان ما نتوصل إلى زيف هذا الطرح الذي صاغته وأيدته الأنظمة القمعية المتعاقبة وقدمته عبر إعلامها الكاذب لتضليل العراقيين وإبقائهم أطول فترة تحت سيطرتها القمعية.. إذا ظننا أن السني يلتقي في الدين مع الشيعي، فإننا نخدع أنفسنا ونخفي الاختلاف الكبير بينهما الذي وصل في كثير من الأحيان إلى الاقتتال والحروب الطاحنة، فالمعتقد الديني عند السنة العرب والكرد ليس كالمعتقد الديني عند الشيعة، ويوجد بين الطرفين اختلاف جوهري يشمل جميع فروع وأركان الدين الإسلامي، ومن شدة اختلافهما اعتبرهما البعض دينين مستقلين! صحيح أن الكرد يعتنقون المذهب السني ولكن ليس بالمفهوم الديني لدى العرب السنة الذين يحشرون الفكر القومي العنصري بالدين، وخاصة لدى الأحزاب والحركات الإسلامية التي دأبت على خلط الأوراق والجمع بين الإسلام كدين شمولي ينهى عن العصبية والنعرات العنصرية وبين القومية العربية التي لها مساراتها ورؤاها السياسية والثقافية الخاصة، ففي واحدة من الأمثلة الحية على المنحى الشوفيني للأحزاب السنية العربية العراقية، فقد اعترض الحزب الإسلامي العراقي الذي ينتمي إلى حركة الإخوان المسلمين في العراق، بشدة على تولي «جلال طالباني» رئاسة العراق عام 2006 لأنه كردي فقط، وقال النائب «إياد السامرائي» القيادي البارز في الحزب الإسلامي، وأحد أعضاء جبهة التوافق السنية إنه (ينبغي أن تذهب رئاسة الجمهورية إلى شخصية عربية)، وعندما صوت أعضاء البرلمان لمصلحة «طالباني»، خرجت كتلة السنة العرب من القاعة احتجاجا على القرار!
فإذا كان العراقيون لا يلتقون في الدين، ويختلفون حوله، فإنهم لا يلتقون في «الوطنية» أيضا، فمفهوم الوطنية عند الشيعة يختلف تماما عن مفهوم الوطنية عند السنة والكرد، لكل واحد منهما وطنية خاصة يتغنى بها ويدافع عنها، وقد أشرت إلى ذلك من قبل وبينت أنه لا يوجد إجماع على مفهوم واحد للوطنية في العراق، وكثيرا ما استعملتها الأنظمة السياسية والأحزاب القومية والإسلامية وروجت لها ورفعت شعارها من أجل تحقيق مكاسب مادية وسياسية توسعية، استعملها نظام صدام حسين ضد الكرد وأباد منهم الكثير، وكذلك فعل «نوري المالكي» رغم أنه كان طائفيا وينتهج سياسة طائفية بغيضة، وكذلك الأمر بالنسبة للفرقاء السياسيين الآخرين في الساحة السياسية، فكل واحد منهم مرتبط بمنطقته وعشيرته وطائفته وملزم بالدفاع عنها، فمنهم من يحمل لقب «التكريتي» أو «الجبوري» أو «الشمري» أو «الفلوجي» أو «بارزاني» ؛ نسبة إلى منطقة بارزان، أو»العبادي» أو «السيستاني» وغيرها من الألقاب التي تشير إلى العشيرة أو المنطقة، فمن الطبيعي أن يتباين انتماء كل، ومن غير الممكن أن يلتقون، إما أن يتفق الجميع على «وطنية» واحدة، فهذا ضرب من الوهم والزيف.. وقد أدرك حكام العراق جيدا هذه الحقيقة وعرفوا أن ولاء العراقيين الأساسي للمنطقة أو العشيرة والقبيلة أكثر من ولائهم للوطنية أو الدين أو الدستور أو الديمقراطية،ولا يمكن أن يخضعوا لهذه المفاهيم إلا إذا أجبروا على ذلك بالقوة، وأخضعوا لها، لذلك عمد الكثير من هؤلاء الحكام إلى استعمال القوة والبطش لإجبارهم على الانتماء إلى الوطن والوطنية بدل انتمائهم إلى القبيلة أو المنطقة، وقد حاول «صدام حسين» جاهدا أن يزيل الألقاب عن العراقيين وسن من أجل ذلك قانونا، ولكن سرعان ما فشلت محاولته وعاد العراقيون ثانية إلى حمل الألقاب الدالة على المنطقة أو العشيرة.
كنا نأمل من النظام «الديمقراطي» الجديد أن يؤسس لمرحلة حضارية جديدة يتساوى فيها العراقيون جميعا بغض النظر عن انتماءاتهم الطائفية أو العرقية المناطقية، ويشعرون أنهم فعلا ينتمون إلى وطن واحد نافع بدل الانتماءات الكثيرة، ولكن انشغال الحكام الجدد بتكريس الولاءات الطائفية والعرقية وعدم إيلائهم أي أهمية لترسيخ الثقافة الوطنية الحقيقية في المجتمعات العراقية، جعلا العراقيين يعودون بقوة إلى قوقعتهم العشائرية والقومية والمناطقية كنوع من الاحتماء من الخطر القادم على العراق نتيجة توجه النظام القائم نحو سياسة وطنية زائفة.
Top