الحس الوطني الغائب في العراق....................محمد واني
مع أن ما يجري في العراق من أنواع القتل والذبح والفساد ونهب لثروات الدولة ما تشيب لها الولدان، فهو يتصدر الدول الأكثر فسادا في العالم والأكثر خطرا والأكثر تهديدا على حياة الإنسان بحسب تقرير الشفافية الدولية.
ولولا النوازع الطائفية لحكومتي الجعفري والمالكي ودعمهما للميليشيات الطائفية وخوضهما حربا ضروسا ضد المكون السني لما ظهر تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في المنطقة، وعاث في الأرض فسادا، والعجيب أن أبطال تلك الحرب الطائفية القذرة التي ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء، لم يتغيروا وما زالوا يديرون دفة البلاد بنفس الطريقة الطائفية الفاسدة دون أن يطالهم القانون، ولكن بشيء من الرتوش وتبادل في الأدوار، رئيس الوزراء يصبح نائبا لرئيس الجمهورية ووكيل وزارة الداخلية يكون مستشارا أمنيا للحكومة ووزير الطاقة يصبح وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي ووزير الخارجية يصبح وزيرا للمالية وهو بدوره يتحول إلى منصب آخر وهكذا دواليك.
وتستمر الحال في العراق دون ظهور بوادر لإصلاحات جدية تنتشل البلاد من المستنقع الآسن الذي وقعت فيه، وتعيد إليها عافيتها ونشاطها السابق وترفعها من تصنيفات منظمة الشفافية العالمية حول الفساد، والتي تضع العراق في صدارة الدول الأكثر فسادا وقتلا على الهوية والأقل أمنا وأمانا على حياة الإنسان، منذ 2004 والعراق يحتل المراكز الأولى في قائمة الدول الفاسدة في العالم، ففي عام 2012 وضع العراق في المرتبة ما قبل الأخيرة بعد السودان، وفي عام 2013 جاء ترتيبه في الفساد رابعا بين الدول العربية، وفي عام 2014 جاء العراق بعد السودان والصومال.. وكل ذلك بسبب تكرار نفس الوجوه التي أثبتت فشلها في إدارة الدولة وأظهرت فسادها، وحتى الآن لا توجد نية صادقة وحقيقية للتغيير.
ورغم الإصلاحات التي يقوم بها رئيس الوزراء الجديد «حيدر العبادي» فإنها تبقى غير مؤثرة ما لم يجفف منابع الفساد ويقضي على المحاصصة السياسية الجارية التي ترسخت في البلاد، وأصبحت واقعا سياسيا فارضا نفسه على الساحة السياسية بقوة، قد تكون التركيبة الاثنية والطائفية في العراق هي التي أملت السياسة المحاصصية على الحكام الجدد وعلى الأمريكان أيضا في بداية تشكيل الحكومة الجديدة، ولكن أن تتحول إلى برنامج سياسي للحكومات المتعاقبة ويعمل به، فهذا ما لا يمكن قبوله، كان من المفروض على حكومة «نوري المالكي» التي حكمت البلاد لفترة ثماني سنوات أن تعمل على إخراج مؤسسات الدولة المهمة ولو بشكل تدريجي من هيمنة المحاصصة السياسية وتعتمد في إدارة الدولة على الكفاءة والإخلاص والوطنية، ولكنها لم تفعل ذلك بل أمعنت في تعميق المشاكل والأزمات وانتهجت المحاصصة في توزيع المناصب طوال سنوات قيادتها للبلاد، والنتيجة أن العراق ما زال يعاني من تبعات هذه السياسة الخاطئة ودخل في نفق مظلم لا يستطيع الخروج منه بسهولة.
ومهما فعل «العبادي» لإصلاح البيت العراقي المتهاوي وترتيب الأوضاع المتردية، فلن يفلح ما دامت المناصب والمسؤوليات توزع على أساس المحاصصة الحزبية أو العرقية أو الطائفية، وما دام الحس الوطني «الجامع» لدى العراقيين غائبا تماما، الوطنية عند الشيعي تعني النجف وكربلاء وسامراء ومكان الائمة وممارسة الشعائر المذهبية، فأنى لهم مواجهة تنظيم «داعش» في مدينة سنية كالموصل أو تكريت مثلا، من الطبيعي أن ينسحبوا من القتال ويلوذوا بالفرار لأن هذه المناطق لا تمت إليهم بصلة، أما عندما يقترب الخطر من «النجف» و»كربلاء» المقدسة!! فإنهم يقفون وقفة رجل واحد ويعلنون التعبئة العامة و»الجهاد الكفائي» ويستعدون للمواجهة! وقد فعلوا ذلك.. وكذلك الأمر بالنسبة للأكراد، فمفهوم الوطنية عندهم ينحصر في إقليمهم فقط وهم مستعدون للدفاع عنه بكل قوة واقتدار إذا اقترب الخطر منه، وقد رأينا كيف هب صغيرهم قبل كبيرهم للدفاع عن عاصمة الإقليم عندما اقترب تهديد «داعش» عليها، ولكنهم لم يحركوا ساكنا إزاء زحف هذا التنظيم الإرهابي المسلح نحو المدن العراقية في غرب ووسط البلاد، ونفس الشيء ينطبق على السنة، فهم ظلوا يدافعون عن حقوقهم وحقوق مناطقهم ويعلنون الاعتصام ضد الحكومة ولا يلتفتون إلى مطالب الجنوب الشيعي والشمال الكردي.. هذا هو الواقع في العراق الجديد، ولاءات وطنية متعددة، موزعة على مناطق وطوائف وأعراق مختلفة، وأما الشعارات التي ترفع عن الوطنية الجامعة، فهي محض هراء لا تعكس حقيقة الواقع.