الكورد من الإنقباض الإقليمي إلى الإنفتاح الدولي...................... نوري بريمو
لا يمكنها أن تنعم بالأمن والإستقرار بمعزل عن التعايش والتوافق السياسي بين مكوناتها القومية والدينية والطائفية، ورغم أنّ الكورد أكدوا تكراراً بأنه لا بديل عن إيجاد حل جذري للقضية الكوردية، لكن يبدو أنه لاجدوى فهذه القضية المتعلقة بمصير 50 مليون كوردي، مازالت عالقة لعدم تفهُّم الشعوب الجارة لمزدوجة الإستحقاقات والواجبات، وبسبب تعنُّت الأنظمة الحاكمة للدول المقسِّمة لكوردستان والغاصبة لأجزائها التي لطالما شهِدَتْ ثورات وإنتفاضات متواصلة لتغيير هذا الواقع والإتيان ببديل يسترجع الحقوق لأصحابها الكورد على طريق إعادة تشكيل دولتهم القومية فوق ترابهم الوطني إسوة بباقي أمم العالم.
ولكنّ ومع الأسف لم يلق الكورد سوى التعامل السلبي من لدن الآخرين؟، وإصطدموا على الدوام بحائط إيصاد أبواب الحوار في وجههم، وإصرار البعض على إستعباد الكورد وتكفيرهم وإيواء الإرهابيين وإحتضانهم وتحريضهم لمداهمة ديارهم وغزو أراضيهم واستباحة أعراضهم.
ومع مرور الزمن ووصولا إلى زمننا الحالي الذي يقوم فيه تنظيم "داعش الإرهابي" بتهديد وغزو المناطق الكوردستانية بتوجيه ودعم من نظام الأسد وأسياده الإقليميين، فإنّ الرأي العام الكوردي بات مقتنعاً بأنّ "حساب الحقل لم يعد ينطبق مع حصاد البيدر"، وبأنه لاحياة فيمن تناديه للحوار والتلاقي، ولذا فإن من حق الكورد أن يسعوا لتوفير مستلزمات نفض غبار الماضي والتحرّر من المعمعات والقيود المحلية، والتخلص من طوق هذا الإنقباض اٌلإقليمي الذي كبت أنفاسنا منذ قرون، والتحضير لمرحلة جديدة عنوانها الخروج إلى فضاء الإنفتاح الدولي حيث يكمن برّ الأمان في غالب الأحيان.
وبهذا الصدد فقد حاول الكورد منذ عقود أن يوسعوا دائرة أصدقائهم، وقد إستطاعوا بعد سقوط صدام أن يفوزوا بعلاقات متميزة مع الغرب وخاصة مع الأمريكان، وفي هذا المجال يعود الفضل الأكبر في تطوير هذه العلاقات "الكوردية ـ الدولية" للسيد مسعود بارزاني ـ رئيس كوردستان، الذي يؤدي دوراً تاريخياً في مجال حصول الكورد على الدعم الدولي الذي أدى إلى نجاح تجربة إقليم كوردستان والذي تتوّج مؤخراً بتشكيل تحالف دولي لضرب داعش ومثيلاتها حينما إقتربت من تخوم جنوب وغرب كوردستان، ولعلّ كل مانراه اليوم وكل ما يقال عن تطور العلاقات "الأمريكية ـ الكوردستانية" هو لم يأتِ فجأة وإنما هو ثمرة لاستراتيجية كوردية رسمها الرئيس بارزاني على مضض وبمعية القيادة الكودستانية والمجتمع الدولي.
وبفضل هذا الخيار الكوردستاني الناجح والسائر صوب تدويل القضية الكوردية، بات الكورد يتصدرون اليوم المشهد السياسي والعسكري في العراق وسوريا وفي المنطقة عموما، وباتت هولير محطة أنظار العالم، وبدأت أخبار قضيتهم تتصدّر نشرات وتحليلات وكالات الأنباء المحلية والدولية، بينما نجد الأمريكان يضغطون على دول الجوار لتقديم التسهيلات للكورد في مواجهة خطر تنظيم داعش، وخير مثال على ذلك هو سماح تركيا بعبور البيشمركة عبر أراضيها للدخول إلى كوباني والدفاع عنها.
في حين يرى المعنيون بالشأن الشرق أوسطي، بأنّ الدعم الأمريكي العسكري للكورد في كوباني، يشير إلى احتمال وجود إستراتيجية جديدة قد تنتهجها أمريكا حيال الكورد في كوردستان سوريا وسط هذه الأزمة السورية التي تعاني من الإختناق في خضم تشابك قضايا منطقتنا الممجوجة بمختلف الصراعات.
وبالنسبة للسان حال الكورد فهو بشكل عام مرحِّب بالتوجه الأمريكي، ويبدو أن العلاقة بين الطرفين ستسير نحو الأفضل، وأن الكورد سيصبحوا رقما ذو قيمة لايستهان بها في المعادلة الشرق أوسطية وجزءاً من التحالف الدولي، في ظل هذه المعطيات الميدانية الجديدة التي تشهد تهديدات إقليمية وداعشية للكورد عموما ولإقليم كوردستان خصوصاً، مما يجعل الجانب الكوردي مؤيداً بقوة للأمريكان لا بل متمسك بهم، رغبةً في حماية أمنهم القومي من المخاطر الإقليمية.
وفي كل الأحوال وفي هذه الحالة الشرق أوسطية بالذات، فإن الحليفين الأمريكي والكوردي مستفيدان من بعضهما البعض، فالأمريكان سيعتمدوا الكورد كحلفاء لهم في مكافحة الإرهاب، والكورد سيوفروا مستلزمات الدفاع عن أنفسهم ضد مختلف المخاطر وسيحظوا بالحماية السياسية والاقتصادية والعسكرية على طريق نيل الإعتراف والدعم لتشكيل كيانهم القومي برعاية أمريكية ومباركة دولية.