هل الإصلاحات الجارية في العراق حقيقية أم تمثيلية؟...............................محمد واني
والخارجية الممثلة بتركيا والسعودية، اللتين تمثلان القوة الأكبر في منطقة الشرق الأوسط، وتزامنا مع إرسال الوفود إلى الدولتين كبادرة حسن نية لتهدئة الأمور وفتح صفحة جديدة معهما وكذلك القيام بزيارة مماثلة إلى إقليم كردستان لإنهاء الخلافات النفطية العالقة معه والتي انتهت بعقد اتفاقية أطلقت الحكومة المركزية بموجبها بعض الأموال المجمدة من الميزانية المقطوعة عن موظفي الإقليم منذ ما يقارب السنة.
أقول تزامنا مع هذه الزيارات التطمينية، قام «العبادي» بحملة تطهيرية واسعة في مؤسسات الدولة ضد أنصار ومؤيدي «المالكي» وخاصة في وزارتي الدفاع والداخلية اللتين كانتا تضمان أكبر مجموعة من الموالين لرئيس الوزراء السابق، وبدأها بالمؤسسة العسكرية، حيث حل مكتب القائد العام للقوات المسلحة السابق، الذي كان عدد أفراده يبلغ 500 ضابط وموظف، واستطاع أن يعيد إلى خزينة الدولة من ميزانية المكتب مليار دولار، وأعقبه بإحالة 150 ضابطا كبيرا على التقاعد، وكذلك قام بإعفاء وإحالة 36 قائدا عسكريا من ذوي الرتب الكبيرة على التقاعد، وتعيين 18 قائدا آخر، وما زالت التغييرات جارية في الوزارة الأمنية الحساسة، التي جرت فيها أكبر سرقة في تاريخ العراق المعاصر (195 مليون دولار) من صفقة الأسلحة التي عقدتها مع روسيا عام 2012 والتي بلغت قيمتها (4,2) مليارات دولار، وتورط فيها مسؤولون كبار في حكومة «المالكي»، وعلى رأسهم المتحدث السابق باسم الحكومة «علي الدباغ»، الذي اتهم بدوره نجل المالكي وبعض مستشاريه ورئيس لجنة الأمن والدفاع البرلمانية بالمشاركة في السرقة، ورغم إعلان الفضيحة، فإن أيا من المتهمين لم تطله يد القانون والمساءلة.
وبعد أن أبعد «العبادي» بعض المفسدين الكبار عن وزارة الدفاع، التفت إلى وزارة «الداخلية» التي تتحمل المسؤولية الأكبر في تدهور الأوضاع الأمنية، فقام بتغيير بعض الوجوه المتنفذة فيها وعلى رأسها الوكيل الأقدم للوزارة «عدنان الأسدي» الذي يعد من أكبر داعمي المالكي وأخلصهم لسياساته طوال توليه الحكم، وهو متورط بقضية أجهزة كشف المتفجرات الفاشلة التي (كلفت الدولة نحو مليار دولار فضلا عن تبعاتها المادية والمعنوية التي تسببت في إزهاق آلاف الأرواح وعشرات الآلاف من الجرحى وخسائر مادية تتجاوز عشرة مليارات دولار) حسب قول «العبادي» نفسه، لذلك صمم على معاقبة كل من تورط في هذه القضية أيا كان منصبه، فأصدر أمرا بإقصاء «الأسدي» من منصبه وتعيينه في منصب آخر، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ لماذا لم ينزل «العبادي» العقاب على «الأسدي» واكتفى بنقله إلى وظيفة أخرى؟ رغم معرفته بتورطه في القضية التي تمس الأمن الوطني؟ وهي نفس الطريقة التي سلكها مع «المالكي» نفسه، حيث أسند إليه منصب «نائب رئيس الجمهورية» بدل محاكمته وإيداعه السجن على الجرائم الكثيرة التي ارتكبها بحق العراقيين؟
هل هي مناورة سياسية قام بها «العبادي» لتفادي المواجهة غير محمودة العواقب مع «المالكي» وأنصاره، الذين يمتلكون نفوذا واسعا في مؤسسات الدولة، أو خضع لتهديدات مباشرة من المالكي بحسب بعض وسائل الإعلام التي ذكرت أنه - أي «المالكي» - هدده بالانقلاب والإطاحة به إذا ما تم توجيه التهم إلى قياديين في المؤسسات الأمنية المحسوبين عليه، وعلى رأسهم «الأسدي»، وأنه نبهه إلى وجود اتفاق مسبق تم بموجبه تشكيل الحكومة الحالية يقضي بعدم ملاحقة 25 شخصية مقربة من «المالكي» وعدم توجيه أي تهمة لهم مقابل انسحابه من رئاسة الوزراء!!..
ورأى «العبادي» ومن ورائه دهاقنة الشيعة العالمية أن الطريقة المثلى للخروج من أزمتهم الداخلية والخارجية المتفاقمة هي الانحناء للريح العاصفة ريثما تهدأ الأمور، فسياستهم الرعناء كانت وراء اشتعال المنطقة، وظهور «داعش»، أرادوا أن ينتقموا من أهل الموصل «السنة» لأنهم لم يخضعوا لسياساتهم الطائفية، فأمروا الجيش بالانسحاب من المدينة دون قتال ليفسح المجال للتنظيم الإرهابي باحتلالها خلال ساعات!..
وقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» بهذا المعنى تقارير بعث بها دبلوماسيون في السفارة الأمريكية في بغداد إلى واشنطن وذكرت «أن الانطباعات التي كشفت عنها وثائق ويكيليكس للقاءات المتعددة لحيدر العبادي مع دبلوماسيين أمريكيين في مناسبات متكررة أن الملاحظات التي وردت على لسان العبادي.. تعكس وجهات النظر المعتادة للقادة العراقيين الشيعة وهو من نفس عينتهم «أي إن العبادي نسخة طبق الأصل من المالكي والجعفري اللذين طالما اتهما بالطائفية!! وقد يظهر عكس ذلك!.. والأيام القادمة حبلى بالمفاجآت!.