تواجد (نوال السعداوي) في السليمانية مبعث اعتزاز ورسالة قوية لكل المتخلفين عن ركب الحضارة حين يواجهون المرأة وما تراكمه يوميا من عطاء وانجاز واثراء في حياة البشرية.

دعوة هذه المفكرة القديرة التي نذرت نفسها للبشرية وتحملت معاناة قاسية من اجل المجاهرة بفكرها التقدمي الى العاصمة الثقافية في كوردستان والى منبر (كه ﻻويز) الفكري الثقافي التنويري مؤشر حقيقي لتوجهات المثقفين الكوردستانيين في خلق انعطافة عميقة للتلاقح مع العطاء اﻻنساني والعصرنة والتحضر والتخلي عن تحجر الماضي وقوالبه الجاهزة التي ﻻ تناسب مقاسات ومعايير الحاضر.
(نوال السعداوي) مفكرة ومثقفة تعيش في عمق المجتمع وتضع اﻻصبع على الجرح وتشخص الحالة و تحدد العلاج. فهي مثقفة عضوية بمفهوم المفكر اﻻيطالي (غرامشي). لم تلجأ للتنظير فقط والكتابة عن بعد وانما دخلت معترك المشاكل الساخنة وضحت بكل شيء من اجل اثبات الحقيقة. منذ بواكير عمرها بينت مخاطر ختان النساء ودعت الى الدين السمح والمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة وكان كتابها (اﻻنثى هي اﻻصل) صاعقاً على ركود الثقافة العربية قبل عقود من الزمن ومن خلال هذا الكتاب تكون جيل من الناشطات النسويات العربيات لتحدي هيمنة الرجل وذكورية المجتمع التي تعتبر اكبر كذبة في التاريخ لجأ اليها الرجل لتبرير غلبته وسلطته وسيطرته وساعده في اﻻمر جيش من وعاظ السلاطين من رجال الدين على مر التاريخ دون سند علمي او معرفي او تطبيق. السعداوي قرأت النتاج العربي من المرويات واﻻحاديث النبوية الموضوعة غير الصحيحة والتأويلات الفقهية التي مارست لي عنق الحقيقة فدحضتها وهي مسلحة بالتجارب اﻻوروبية الناجحة وفكر عهد النهضة والتطور الكبير لعلمي النفس واﻻجتماع في اوروبا ودور المرأة الحاسم للنهوض بالمجتمعات اﻻوروبية بعد الحرب العالمية الثانية ومن كل هذا اﻻطار المعرفي المتجدد بشرت بأفكارها الجديدة وكان وما زال لها فضل السبق مع اخريات في حفر اخدود جديد وعميق في النظرة الى المرأة في منطقتنا .
لقد صرحت من البداية ان قضية المرأة قضية حضارية فالرجل المتخلف لن ينهض بالمرأة لأنه غير واع لدورها لكونه ضحل التفكير . لذا فتطور النظرة للمرأة يأتي من تطور وتنمية مجمل المجتمع برجاله ونسائه .
وفضيلة (نوال السعداوي) انها جريئة ومقتحمة ومتحدية ومتمردة على الماضي القبيح ومؤمنة كلياً بالحاضر والمستقبل وﻻ تقبل اﻻستسلام. لقد كفرها الظلاميون وطلقوها من زوجها وفق نظام الحسبة البائس واعتبروها مرتدة ولكنها ما زالت تنتصر عليهم يوميا . اما الظلاميون الملثمون فخائفون ومرعوبون من اضواء (نوال السعداوي) على عريهم وقبحهم ورجعيتهم .
وجود السعداوي هذه القامة الفكرية الباسقة في السليمانية اجمل رسالة تضامن مع النساء اﻻيزيديات ضحايا ارهاب داعش ومع المقاتلات الكورديات في (كوباني) اللواتي باعتراف العالم يرسمن للبشرية تقاسيم دور المرأة الحقيقي في المقاومة وبناء حضارة القرن الواحد والعشرين.
الف الف تحية وعناق حقيقي لصاحبة (اﻻنثى هي اﻻصل) وهي تتفقد السليمانية واربيل وكل بقاع كوردستان المتعانقة مع العالم .