فشل سياسة فرض الأمر الواقع...................................محمد واني
ففي الداخل، شن حربا طائفية ضروسا ضد المكون السني عامي 2006 ــ 2007 ذهب ضحيتها مئات الآلاف من الضحايا، ولم يتورع عن القيام بقطع الميزانية عن الشعب الكردي “حلفاء الأمس” ووضع حصارا اقتصاديا شديد عليه، وكذلك الأمر بالنسبة لدول الجوار العراقي، وخاصة “البحرين والسعودية” فقد انتهج ضدهما سياسة عدوانية متشددة وحاول أن يعكر صفوهما ويزعزع استقرارهما ويشعل نار الفتنة الطائفية فيهما، في مسعى لفرض سياسته الراديكالية المغالية في تطرفها على منطقة الخليج بشكل عام، ومن أجل الوصول إلى هدفه هذا سلك كل الطرق الممكنة؛ من الدخول في المحاور الدولية وعقد التحالفات الإقليمية إلى تشكيل الميليشيات الطائفية والدفاع عن الأنظمة الطائفية التابعة له ونشر الفكر الشيعي بصورة منهجية ووفق خطة مدروسة وتصديره إلى البلدان بتمويل مفتوح من خزينة الدولة العراقية العامرة، ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي سفن المنظرين الشيعة الراديكاليين والمعولين على استراتيجية فرض الأمر الواقع بالقوة، وجاءت أول هزيمة لهم من البحرين، حيث فشلت المحاولات الطائفية الحثيثة للمعارضة الشيعية المدعومة من المنظومة الشيعية السياسية في المنطقة بقيادة “إيران” في تغيير سياسات الدولة باتجاه التبعية كما في العراق وسوريا ولكنها أخفقت في تحقيق مآربها الطائفية.
الهزيمة الثانية التي منيت بها العقلية الشيعية الحاكمة في بغداد وطهران والتي أجبرتهما على تجرع السم الزعاف جاءت من قبل “داعش”عندما استولى على ثلث مساحة الأراضي العراقية ومن ضمنها “الموصل” الاستراتيجية والمدن الأخرى في وسط وغرب البلاد واقترابه من بغداد ولولا الخطأ الاستراتيجي الفادح الذي ارتكبه التنظيم الإرهابي بتغيير مسار زحفه من بغداد إلى كردستان فجأة ودون أي مبرر سياسي يذكر، لسقطت العاصمة بأيديهم منذ فترة..
كان الإخفاقان اللذان منيت بهما العقلية الطائفية التوسعية بمثابة الصدمة التي لخبطت كيانها وغيرت من لغتها المتشددة وزعزعت ثوابتها الفكرية والسياسية، فسارعت إلى تغيير الحكم في العراق وإزالة رمز التشدد الطائفي والسياسي المثير للفتن والأزمات في العراق؛ رئيس الوزراء العراقي السابق “نوري المالكي” والمجموعة من “الصقور” المحيطة به من المتطرفين المغالين، واستبدالهم بآخرين أكثر انفتاحا ومرونة مع الخصوم الداخليين والخارجيين، فعلى الصعيد الداخلي تم اختيار “حيدر العبادي” ليحل محل رئيس الوزراء السابق، وهو على الرغم من انتمائه لحزب “المالكي” لكنه يتميز بالهدوء ويحظى بنوع من القبول لدى الشركاء السياسيين العراقيين، وفور تسنمه المنصب أبدى مرونة مع الأحزاب السنية وسلمها وزارات مهمة ومن ضمنها وزارة الداخلية التي كان “المالكي” قد حصر صلاحيتها بيده ورفض إعطائها لها، وكذلك تحرك نحو إقليم كردستان وعقد مع الأكراد اتفاقية لإنهاء الخلاف النفطي معهم، أما على الصعيد الخارجي، فقد انطلقت وفود رفيعة عالية المستوى ممثلة برئيس الجمهورية ووزير الخارجية والمالية إلى الدول المجاورة ذات الثقل الدولي والإقليمي”المملكة العربية السعودية وتركيا” لفتح صفحة جديدة معها ونبذ الخلافات وحلها بطرق سياسية، وما يميز الحراك الشيعي الجديد أن المرجعية العليا هي التي تقود وتتولى هذا الحراك السياسي وتشرف على المفاوضات الجارية، وهذا يدل على حجم المخاوف لدى أقطاب الفكر الشيعي من أن تتعرض استراتيجيتهم في المنطقة إلى أخطار محدقة ويفشل مشروعهم القائم على التوسع والإخضاع ، لذلك لجؤوا إلى سياسة الملاينة والملاطفة والتهدئة مع خصومهم التقليديين في محاولة ذكية لأخذ ما يريدون أخذه بالسياسة والحوار بعد أن عجزوا عن أخذه بالعنجهية والقوة..
وليس مصادفة أن يتزامن انتقاد رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني “علي أكبر هاشمي رفسنجاني” شتم الشيعة للصحابة في هذا الوقت بالذات، فالنظام العام للسياسة الشيعية في المنطقة للمرحلة الحالية، سواء في إيران أو في العراق أو في سوريا، تقتضي التوجه نحو الانفتاح على الآخرين ولو موقتا و..من باب “التقية” السياسية..