معوّقات المصالحة والسلام في العراق................ القاضي عبدالستار رمضان
التي جائت بالاختيار او الاجبار، سواء التي جائت بارادتهم وانتخابهم بعد التاسع من نيسان عام 2003، او قبله و بالثورات والانقلابات التي سيطرت على مقدراتهم وحياتهم بالبيان رقم واحد او غيره من اساليب وطرق الوصول الى السلطة والحكم.
ولا يخفى على احد الحال الذي وصلنا اليه، وفيه ما فيه من صور وحياة ومعاناة الازمات والمصائب والنكبات التي حلت بنا سواء كانت اقتصادية مثل الفقر والبطالة والتشرد، وغياب كل او معظم وسائل ومقومات الحياة الاعتيادية البسيطة كالخدمات الاساسية مثل الماء والكهرباء والطرق والصحة والتعليم وفقدان الامن والامان في وطن صار عنواناً ومكانا لابشع الجرائم ضد الانسانية مثل حملات الانفال وقصف حلبجة بالاسلحة الكيمياوية، واجتماعية بتهجير وتشريد الناس والتغيير الديموغرافي والسكاني في طول وعرض الوطن لمصالح واسباب، تبين مقدار الظلم وغياب العدالة وانعدام تكافؤ الفرص واختلال ميزان الامور في كل شئ حتى صار العراق الاسوء والمتقدم في احصائيات الموت والقتل والاغتيال وملايين النازحين والمُهجرين واللاجئين واليتامى والارامل والمطلقات والاميين واطفال الشوارع المشردين و..و غيرهم مما تطول او تعجزعن استيعابهم مقالات وكتب ومؤتمرات ومحاضرات وندوات.
ويمثل ملتقى الشرق الاوسط للحوار و المصالحة الذي نظمته مؤسسة الشرق الاوسط للبحوث في مدينة أربيل الاسبوع الماضي فرصة ومحاولة جادة في هذا الظرف العصيب الذي يعيشه العراق من اجل تجاوز ما هو فيه، وبناء ارضية مشتركة للحوار والمناقشة بين مختلف المكونات العراقية التي حضرت او حضر اغلبها من المسؤولين في اعلى السلطات التنفيذية والتشريعية في العراق الاتحادي واقليم كوردستان ومجموعة كبيرة من الضيوف من داخل وخارج العراق من السياسيين وألاكاديميين والباحثين والاصدقاء وممثلي المكونات العراقية الحزبية والمناطقية المشاركين فيه.
ورغم الحديث العام والمتكرر عن اهمية المصالحة والسلام للعراقيين جميعاً واهميتهما لحل المشكلات الموجودة، والجهد المطلوب القيام به من أجل وضع برنامج عمل جاد لتجاوز هذه المشكلات وفي مقدمتها الخطر الأمني الذي يمثله الارهاب وتمدده في مختلف المدن والمناطق وتمزيقه لبنية واساس المجتمع العراقي، واهمية الموقف الوطني الموحد ضد العنف والارهاب وتأمين كل الامكانيات في مواجهة ومحاصرة الارهاب.
الا ان هذا المؤتمر او الملتقى حاله حال الكثير مما عُقد او يُعقد في اكثر من مدينة او موقع قريب او بعيد عن العراق، لم يتم فيه البحث بصراحة وجرأة وتسمية الامور والاحداث بمسياتها بعيداًعن لغة السياسيين الدبلوماسية، والتي عادة ما تكون محكومة بالظروف والحسابات الداخلية والخارجية المحيطة بالعراق.
ان معوقات المصالحة والسلام في العراق كثيرة ومتعددة واهميتها كبيرة، فالمريض لا يمكن ان يتماثل للشفاء حتى لو تم عرضه على أمهر واعظم الاطباء في أرقى المستشفيات والاجهزة والوسائل الطبية والعلاجية ما لم يتم اولاً تشخيص الداء والمرض الذي يعانية بكل صراحة ووضوح، من غير تلاعب بالالفاظ والعبارات او تقدير او حساب فيما اذا كان هذا التشخيص يعجب او يُغضب هذا الطرف او ذاك.
فاذا لم يتخلص العراقيون من امراض وعقد السنوات الماضية من القهر والظلم والتهميش والتصفية والاعدامات والمجازر الجماعية والشعور بوجوب ان يكون كل مكون او طائفة او مذهب او قومية هو الاول والقائد للآخرين وانه وحده من يقرر او يحدد ما هو صحيح او مهم او ضروري فاننا سنظل نعاني ونعاني وسوف يتم استنساخ اسوء الانظمة والاحزاب والشخصيات ممن لا تقل سوءاً وتسلطاً عن نظام صدام حسين.
فاذا كانت لنا سابقاً مشكلة مع نظام او شخص واحد جمع الكل على التوحد والعمل ضده الى الحد الذي جلب الامريكان وقوات التحالف من آلاف الاميال من اجل اسقاطه، فاننا مع الاسف اليوم امام اكثر من نظام وحزب وشخص ممن هو أسوء واقسى واظلم من النظام السابق.
ان الالتزام بالدستور وتعديل ما يتطلب تعديله لانه ليس نصاً مقدساً كي يتلائم مع متطلبات المصالحة، وتطبيق وسيادة القانون بشكل كامل ومن غير تجزئة او محابات او تنفيذ مواده من اجل ابعاد اوتسقيط بعض الاشخاص، والتغيير الحقيقي في عمل وهيكلية الدولة العراقية وتقليل حلقات الروتين من جل تضييق منافذ وطرق الفساد والغاء الكثير من المناصب التي نهبت المال العام وموارد الميزانية والصدق مع النفس اولاً ثم مع الآخرين في اهمية العيش المشترك واحترام خصوصيات المكونات العراقية من غير حديث عن الاغلبية والاقلية والعمل على كل المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية والاعلامية والدينية من أجل ازالة كل او بعض معوقات المصالحة والسلام والعيش المشترك.
نائب المدعي العام-أقليم كردستان -العراق
[email protected]