الوطن يتمزق فهل نستعيد عافيته ؟...............فوزي الاتروشي
قلت ياصديقي الا ترى العالم من حولك تغير حتى لم تعد تعرفه وتتبين تقاسيمه السابقة, فالشوارع اما انها مزابل عالية مليئة بالروائح النتنة او حمراء قانية من بقايا الجثث الممزقة التي تخلفها مفخخات الارهابيين, او انها مسوَرة بالسواتر والكتل الاسمنتية التي تمنع الرؤيا, والجوامع واماكن العبادة التي يفترض انها آمنة ومطمئنة اصبحت الهدف الاسهل للهجوم وازهاق ارواح المصلين المتضرعين الى الله, والمدارس والمكتبات مهجورة او معطلة على مدى اسابيع لأن هاجس الخوف والتهديد بالقتل والعمليات المسلحة هي الروتين اليومي للمواطن, اما السياسيون فشغلهم الشاغل إطلاق تصريحات مجانية تعمق الجراحات الغائرة التي لاتندمل, وبعض رجال الدين يستمتع يوميا بشحن العواطف ودفعها نحو المزيد من الكره والحقد تجاه الآخر.
وهكذا تمضي دورة الحياة ودوامتها بين الخوف والرعب والقتل والتدمير والبشائر السيئة والوعود التي لا تنفّذ والكهرباء التي تنقطع على مدار النهار والليل لتزيد ظلام القلوب والعقول وتراكم بؤسها.
اننا في وطن يفترسه الارهاب وتمزقه المتفجرات القادمة من خلف الحدود في لحظة انتقام مرعبة من شعب آمن يتطلع الى الحرية, فالمسيحي العراقي الذي مضى على تجذره في هذا الوطن الفا عام بدأ بالرحيل الى المجهول, والآيزيدي صاحب واحدة من اعرق الديانات القديمة تشتت شمله وباتت النساء الآيزيديات رهن الاغتصاب والسبي والخطف وازهاق الروح التي حرمت كل الاديان قتلها, والصابئي المقيم على مدى قرون سحيقة على ضفاف دجلة والفرات في طقوس طهارة لامثيل لها هجر الانهار والمياه وحزّم امتعته الى بلاد الغربة والهجرة في رحلة بلا عودة, والتركماني والكوردي يعاني الامرَين في (طوزخورماتو) الجريحة (وآمرلي) وكل اماكن تواجده وهو يناشدنا جميعاً لتلبية نداءات الاغاثة.
انه وطن قيد التطهير الذي يمارسه الارهاب يومياً وقيد التمزق والتناحر الذي نمارسه نحن على مدار الساعة بعضنا تجاه البعض الآخر دون ان نتعظ من تجارب التأريخ والبشرية.
في كتاب "تاريخ العنف الدموي في العراق" للمثقف والكاتب باقر ياسين وفي الكتاب المرجعي الصادر حول الاقليات في العراق عن مؤسسة مسارات حقائق وبيانات ومعطيات تقرع اجراس الانذار والخطر وتنبهنا ان ليس هذا المكون او ذاك وانما كل الوطن العراقي في خطر وزوال اكيد اذا لم نتوقف لحظة لمراجعة الذات والواقع والتاريخ وتجارب الاخرين بهدف اعادة العافية والصحة والشفاء الى جسد مجتمع بات يتآكل ويتلاشى على وقع الضربات, والدرس الذي لابديل له ان نتخلى جميعاً عن رغبة التسلط وانكار الآخر ونتعايش ونتسامح ونتصالح ونتنازل لبعضنا البعض من اجل دولة مدنية ديمقراطية, تلك الدولة التي حلم بها وأسس لها وآمن بها مؤسس العراق الحديث الملك فيصل الاول الذي نمر يومياً بتمثاله وهو يذكرنا بالعودة الى الاصل والاصل هو الانسان العراقي بعيداً عن لونه وشكله وانحداره الاجتماعي وطائفته ولغته وقوميته ودينه وحزبه ومنطقته وعشيرته.
فهل نحن جديرون بهذه المهمة المقدسة ؟ اذا كان الجواب بالإيجاب فتلك هي الخطوة الاولى في مسافة الألف ميل نحو مجتمع مزدهر ودولة متقدمة على خارطة العالم السياسية.