• Monday, 23 December 2024
logo

أمن أمريكا هو أمن العالم.......................عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي

أمن أمريكا هو أمن العالم.......................عبدالله جعفر كوفلي /ماجستير قانون دولي
إن الاستراتيجية الأمنية لأية دولة في المنظومة الدولية تقوم على حماية أمنها من أي أخطار أو تهديدات خارجية أو داخلية و يعرض مصالحها و نفوذها للأهتزاز و تنذر بالنفي و الزوال ,
ولأن أمن كل دولة يعتبر جزءاً من الأمن الاقليمي و الدولي فهو يؤثر عليها و يتأثر بها سلباً أو إيجابياً , فهناك علاقة ترابط وثيقة بين الأمن في مستوياتها الثلاثة , و لايمكن أن ترسم أية دولة سياساتها الأمنية بمعزل عن المجتمع الدولي و من جانب أخر تحاول كل منها وضع سياسة تأمن لها اكبر قدر من المصالح الحيوية (السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و العسكرية) و تحميها من أي خطر محدق و تخصص ميزانيات هائلة من أجل ذلك الهدف المنشود . وتختلف نظرة كل دولة الى مفهوم الأمن القومي ضيقاً و توسعاً طبقاً لمصالحها و كيفية حمايتها ونظامها السياسي, و من الممكن أن تختلف هذه النظرة داخل الدولة الواحدة بين حين و أخر , و هذا يعني بأن حماية المصالح الأستراتيجية تعتبر حجر الزاوية في رسم السياسة الامنية وأن جلَ ماتقوم به الدولة من الاجراءات تكمن في الوصول الى تأمين حياة أمنة لمواطنيها بعيد عن المخاوف و التهديدات .
إن أمريكا تلك الدولة العظمى التي تمتلك كل مقومات القوة (الاقتصادية و السياسية و العسكرية و الامنية) فإن أمنها ليس بمعزل عن الأمن العالمي , وإن جميع ماتقوم به الادارات الامريكية المتعاقبة من الإجراءات و تحركات عسكرية وأمنية تهدف الى تحقيق أمن أمريكي و حماية مصالحها في جميع الارجاء المعمورة و ضمان أمنها الداخلي . وبما أن المصالح الامريكية هي متعددة من حيث المساحات الجغرافية (أي منشرة في كل العالم) و مختلفة في الاشكال و المضامين , بذلك فإن الامن القومي الامريكي أيضاً متعدد الوجوه و عالمي الاتجاه , غير أن ما يميز الأمن القومي الامريكي عن أمن الدول الاخرى تكمن في قدرة الادارات الامريكية في ربط الأمن القومي الامريكي بالأمن العالمي , و بعبارة أخرى إن أي تهديد لأمن أمريكا يمثل تهديداً لأمن العالم و ليس العكس فليس بالضرورة أن يشكل كل تهديد على أمن العالم تهديداً بنفس القوة و الاتجاه على الامن القومي الامريكي , لذا فإن حدود أمنها غير محدودة وغير واضحة طالما ان المصالح غير منتهية , وهو الامر الذي ينفرد به الامن القومي الامريكي لذا أعتبرت أمريكا تحقيق الأمن العالمي هو ضمان لتحقيق أمن أمريكا لوجود مصالحها في كل أرجاء العالم , و يتطلب هذا الربط أن يكون الدور الامريكي فاعلاً دوماً في الاستراتيجيات الامنية المرسومة و التحالفات الدولية الخاصة بحماية الأمن و السلم العالميين .
و تختلف الاستراتيجية الامريكية للأمن القومي من مرحلة الى أخرى , فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و الدخول في حرب من نوع خاص و هي (الحرب الباردة) التي دامت من عام 1945 الى 1991 كانت استراتيجيتها تقوم على أساس ممارسة الحرب النفسية و الاقتصادية و السياسية ، كما قامت بتطويق الاتحاد السوفيتي السابق بسلسلة من الاحلاف العسكرية أولها حلف الشمال الاطلسي و حلف جنوب شرق أسيا و حلف بغداد كل ذلك لمنع التوسع السوفيتي وحلفائه و عدم تهديد مصالحها تحت ذريعة حماية الأمن العالمي الذي كان في الأساس الغاية منها حماية للأمن القومي الامريكي ومصالحه ، أما المرحلة التي تلت عام 1990 و انهيار الاتحاد السوفيتي السابق و الاعلان عن نهاية الحرب الباردة و تلفظها لأنفاسها الاخيرة و ظهور مفاهيم جديدة من النظام العالمي الجديد و العولمة و الطفرة النوعية في مجال التكنولوجيا و ثورة الاتصالات , أصبحت امريكا تهيمن بشكل أحادي و منفرد على الشؤون العالمية و ظهر بأن التهديدات الموجهة الى الأمن العالمي ليس تهديدات عسكرية حسب ماكان سابقاً , بل تجاوزت الى تهديدات أقتصادية و بيئية و سكانية و ثقافية وصحية , فأصبح مهمة الولايات المتحدة أكثر تعقيداً في حماية الأمن العالمي بعد أن نصبت نفسها حامية لها . فهي تربط أمنها القومي بالامن العالمي ككل و تعتبر أي خلل على الامن العالمي خللاً مؤثراً على أمنها و أن أي اختراق يصيب الامن الامريكي لابد و أن يجلب معه تهديدات للامن العالمي برمته .
و بانتهاء مرحلة الحرب الباردة تغيرت الاستراتيجية الأمنية الأمريكية باتجاه تعزيز مكانتها العالمية بما يحفظ لها قيادة العالم و بقائها القطب المهيمن و تقوية قوتها العسكرية بتطوير الأنظمة الدفاعية و الامنية بشكل يفوق الترسانة العسكرية للدول الأخرى , و من أجل حماية أمنها فتحت خمس قواعد عسكرية كبيرة في معظم انحاء العالم مجهزة بأدق الاجهزة و الاسلحة , و تشكل نقطة أنطلاق لها عند تعرض مصالحها للخطر في أي مكان و بالتالي أمنها القومي للأهتزاز .
ومن الجديد التنويه، الى أن كل هذه التحركات والسياسات الأمنية الأمريكية لم ينقذ أمنها من الاختراق و التهديد , فكان هدفاً للجماعات المناوئة بشكل او بأخر الى ان تمكن الاخير من أختراقها بتفجير السفارة الامريكية في نيروبي والاكثر منها فتكاٌ و تأثيراً و صدى ماحدث في الحادى عشر من سبتمبر 2001 باستهداف رمز القوة الاقتصادية العالمية برجي التجارة وبؤرة الدفاع (وزارة الدفاع / البنتاكون) مما أثبت فشل السياسة الامنية والدفاعية لأمريكا و تعرض أجهزتها الامنية لأنتقادات شديدة و لاذعة لان ماتعرض لها أمريكا لم يكن بلأمر الهين فذهب ضحيتها ارواح بريئة وثروة اقتصادية هائلة ومن جانب اخر شكل هذا الحدث نقطة تحول في السياسة الامنية الامريكية فبدأ بمراجعتها سواء على المستوى الداخلي او الخارجي فشرعت القوانين وكثفت الاجراءات و الاهم منها تغير استراتيجيتها من حرب دفاعية وقائية الى حرب استباقية لتتمكن أمريكا من القضاء على الارهاب و التصدي لأخطارها , فتمثل ذلك تغيراً في العقيدة الامنية الامريكية حيث أصبحت أمريكا في خط المواجهة مع الجماعات الارهابية و أعتبرت امريكا ماحدث في 11 سبتمريمثل تهديداً لأمن العالم بعد ان شكل هذه الحادثة خرقاً لأمنها فتمكن الادارة الامريكية الربط بينهما و استطاعت من تكوين قناعة لدى المجتمع الدولي بان ماحدث هي بدون شك يمثل خطراً على الامن العالمي، و تمكنت من تشكيل تحالف دولي بقيادتها في سبيل ضرب القاعدة في عقر دارها في أفغانستان و حددت امريكا كل من (ايران و عراق و كوريا الشمالية) كدول محور الشر لانها تشكل تهديداً لأمن امريكا و بالتالي فهي تهديد لأمن العالم لأمتلاكهم اسلحة الدمار الشامل و رعايتهم للجماعات الارهابية ، واذا لم يتم محاربتهم من قبل المجتمع الدولي فستكون في القريب خطراً على المصالح الحيوية للدول فبدأت امريكا بحرب تحرير العراق لتغير نظامه السياسي في الوقت الذي استمر هذا النظام اكثر من (35) سنة تمارس أبشع أنواع الجرائم ضد شعبه و ترتكب المجازر و الابادات الجماعية و استخدام الاسلحة الكيمياوية ، و لكنه لم يكن يشكل خطراً على مصالح و أمن امريكا فكانت تغض النظر عنها ولم يحرك ساكناً و لم يكن يشكل تهديداً لأمن العالم , و لكن بعد أن أصبح النظام العراقي يشكل خطراً على مصالح و أمن امريكا في المنطقة و بالتالي خطراً على الامن العالمي أستوجب محاربته و ازالته من الوجود فكان ما كان في عام 2003 ، وأعلنت أمريكا نفسها كقوات احتلال تمتلك زمام الامور في الدولة العراقية بتشريع القوانين الجديدة و الغاء السابقة مما مهد الطريق لتنامي دور الجماعات الارهابية نتيجة تقاطع مصالح الدول و استخدام هذه الجماعات لأرباك الخصم و تحقيق المصالح الحيوية لها ، و زادت قوتها و تأثيرها بعد انسحاب القوات الامريكية في نهاية عام 2011 باتفاق أمني بين الطرفين وسلمت العراق لأيدي ألبسها لباس على مقاس طائفي جرها الى نفق مظلم يستشري فيها الفساد بأنواعه حتى العظم وفيها بات البرئ المخلص مجرماً يعاني خلف القضبان وينظر الموت كل لحظة والملطخ ايديه بدماء الشعب وأمواله يتجول حراً دون حياء من أدنى القيم الأنسانية أو تأنيب ضمير ، فبدأت هذه الجماعات تنمو بشكل غير مألوف نتيجة الأوضاع الشاذة و ممارسة السلطات للعنف و كبت الرأي و الحرمان من التعبير بشكل صادق و بحرية بالاضافة الى عدم ضمان الحريات التي نصت عليها الدساتير و اللوائح الدولية ، مما أشعر نسبة كبيرة من الشعب العراقي بضياع حقوقهم المكفولة وفق الدساتير و الانظمة , مما مهد السبيل لحاضنات تمتلك هذه الجماهات زمام الامور فيها , و باتت تسيطر على أراضي واسعة من العراق كل هذا و امريكا تقف موقف المتفرج و ترفض كل الدعوات العراقية بمد يد المساعدة على دحر هذه الجماعات و لاتتخطى موقفها من الشجب والاستنكار و ضرورة بقاء وحدة الاراضي العراقية ، حتى سيطرت (داعش) على مدينة الموصل ثاني اكبر المدن العراقية و تكريت و استلائها على الاسلحة و الذخيرة معلنة دولتها الاسلامية , و يبدو أنها لم تشكل لحد الان تهديداً لمصالح أمريكا في المنطقة حتى بدأت هذه الجماعة الارهابية زحفها نحو اقليم كوردستان في بداية أب (أغسطس) من العام الحالي و التي يحمل تفسيرات و تحليلات كثيرة ، فجن جنون أمريكا و خلال ساعات قليلة بدأت الطيران الجو الامريكي بضرب معاقل (داعش) و أعلنت الادارة الأمريكية أن أمن الأقليم هي الخط الأحمر لايمكن التجاوز عليها و تعرضها للخطر، و اعلن الرئيس (اوباما) إن هذا التدخل جاء لحماية مصالح أمريكا و رعاياها في الاقليم وأصطف خلفها الدول واحدةً تلو الاخرى معلنةً تقديم دعمها المادي و المعنوي (الإنساني و العسكري) لحكومة الاقليم لقتالها هذه الجماعة الارهابية نيابة عن الجبهة الديمقراطية في العالم , وأصبحت التصريحات و التقارير الامريكية صباح مساء سمة تلك الفترة التي تؤكد بأن (داعش) يمثل تهديداً لأمن العالم و سلمه , و يجب على المجتمع الدولي الوقوف بحزم بوجه زحفها مما حدا بمجلس الأمن اصدار القرارات التي تمنع التعامل معها ويجب تجفيف مصادر تمويلها و شكل تحالف دولي لضم الدول بمختلف مستوياتها لدحر داعش ,وأن دعم الدول والأقليم التي يكون أمنها في خطربتهديد داخلي أو خارجي هو جزء من الاسترتيجية الأمنية الأمريكية ويخصص لها ميزانية خاصة ، وهذا يعني بانه في الوقت الذي شكل (داعش) تهديداً لمصالح أمريكا في المنطقة أصبح تهديداً على أمنها القومي وبالتالي خطراً على الأمن العالمي وفق العلاقة الترابطية الوثيقة التي رسمها الادارات الامريكية في هذا الصدد , وبات من الواضح بان أقليم كوردستان نتيجة موقعها الجغرافي و ثرواتها الطبيعية و خاصةً النفط و السياسة الحكيمة لقيادتها السياسية في إدارة ملف العلاقات الخارجية والثروات الطبيعية جعلت منها خطاً احمراً في الاستراتيجية الامنية الامريكية ويبدو مصالحها متوازية مع مصالح أمريكا و الدول الديمقراطية .
Top