داعش .. وعولمـــــــــــــــة الأمــــــــــــــــــــــن...............عبدالله جعفر كوفلى/ ماجستير قانون دولي
خاصة بعد ظهور العولمة اي تجاوز الحدود الدولية فاصبح ما يهدد الانسان في الشرق يعرض الانسان في الغرب لنفس التهديد، فانها تحتاج الى تظافر الجهود والى تعاون بين كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية منه الدول والمنظمات الدولية لصد المخاطر.
ان الأمن قضية كبرى وهاجس أشتغلت به المجتمعات الانسانية المختلفة وبشكل مضطرد حتى وصل الى عصرنا الحالي الذي يتفق أكثر المفكرين والباحثين على تسميته بعصر العولمة، وأن الامن يشمل كل المتغيرات التي تتعرض له الدولة او الفرد من تهديد وأكراه و عنف جسدي من أطراف مضادة، وقد شهد العالم متغيرات عديدة في مختلف جوانب الحياة المعاصرة، على كافة المؤسسات وقد ترتب على ذلك ظهور العولمة، مما أدى الى تقليص دور الدول، وبالتالي مما يجعل الحدود الفاصلة بين ماهو وطني و أقيمي و دولي في أضيق الحدود، وان هذه الظاهرة تؤثر في الامن على مستويين فداخلياً تؤثر على الهوية الوطنية وتؤدي الى اثارة النزاعات العرقية والحروب الطائفية وخارجياً هناك تبدل مستمر في التحالفات والتكتلات الدولية وموازين القوى الاقليمية والعالمية.
تعتبر العولمة ظاهرة اجتماعية اقتصادية وسياسية وثقافية. وللعولمة مؤيدون ومعارضون, فالبعض يرى أن هذه الظاهرة ستعمل على تحسين أوضاع الشعوب من النواحي الاقتصادية والثقافية, في حين أن معارضيها يصفونها بالشر وأنها ستضر بمصالح الشعوب وتوسع الهوة بين الأغنياء والفقراء.
وهي من الظواهر التي حازت على اهتمام الباحثين الأكاديميين ورجال الحكم في مجالاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وقد تمثل هذا الاهتمام في ظهور اتجاهات عديدة لتقييم هذه الظاهـرة ومحاولـة شرح أبعادهـا ومفاهيمها وتأثيراتها الآنية والمحتملة على الدولة والمجتمع في دول العالم. إلاّ أن الغموض الذي يحيط بظاهرة العولمة قد يكون السبب في تعدد الآراء والاتجاهـات حولها.
أصبحت العولمة ، التي تعني تحول العالم الفسيح إلى قرية كونية صغيرة ـ واقعا لا مفر منه في ظل العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية المعقدة التي تنظم العالم ، والمصالح المتقاطعة التي تؤلف بين حضارات العالم ـ ذات الأصول المتباينة ـ وتنظم الحوار أو الصراع بين الثقافات ـ متعددة الأعراق ـ فتؤدي إلى التعايش بينها أو الاختلاف .
وبغض النظر عن آراء المعارضين والمؤيدين فلا شك أن العولمة لها آثار سلبية وإيجابية. فالعولمة قد تساعد من حيث الإطلاع والاستفادة من خبرات الإنسان في شتى مجالات الحياة, ولكنها في المقابل قد تقضي على الكثير من القيم الإنسانية التي عمل الإنسان على تثبيتها منذ وجوده.
أن فكرة العولمة بمفهومها الجديد قد ظهرت في القرن الأخير( أواخر القرن العشرين) نتيجة التطور الكبير في مجالات الاتصال وتكنولوجيا نقل المعلومات، فأصبح العالم قرية واحدة أُزيل عنها جميع الحدود الجغرافية الفاصلة. برزت العولمة كتحد في العقدين الأخيرين وما صاحبها من تغيرات عالمية داخلية وخارجية متسارعة، وكانت هناك أدوارٌ موزعة بين فريق اللاعبين الأساسيين الذين قادوا هذه الظاهرة وساهموا في ترويجها .
إذا كانت العولمة مفهوما قد حولت معاني الجغرافيا والزمن وجعلت الحدود عائمة ومائعة وقزمت السيادة، ولكنها في ذات الوقت قد خلقت نقاشات واهتمامات جديدة حول الإنسان وحاجاته ... بالنظر إلى توسع مجالات التهديدات و المخاطر من الدولة وتطلعاتها للقوة عبر التسلح ... وحتى الحرب ، إلى الدولة ببطشها و قمعها و تعسفها و كذلك إلى عجزها التنموي أو الديمقراطي . بل أحيانا حتى فشلها إن لم نقل انهيارها. وما لذلك من تداعيات على امن الدولة و المجتمع و الإنسان. كما إن ضعف المقدرة الداخلية للدول و عدم انسجامها المجتمعي كثيرا ما خلق اضطرابات و قلاقل بل و حتى عنف طائفي و تمردات زهقت الأرواح بالآلاف أو أكثر. إنها الدولة وما تقوم به أو لا تقوم به ما كان بالأساس مهددا لأمنها وأمن الإنسان بداخلها. واصبح مهمة حماية أمن الفرد (المواطن) ليس من مسؤولية الدولة التي ينتمي اليها الفرد فقط، وانما هي مسؤولية مشتركة بين الدول والمجتمع الدولي بأسره من خلال المنظمات الدولية والتعاون الدولي المشترك نتيجة تعدد التهديدات والمخاطر التي تتعرض لها حياة المواطنين.
ويركز مفهوم الأمن على الإنسان الفرد وليس الدولة كوحدة التحليل الأساسية ، فأي سياسة أمنية يجب أن يكون الهدف الأساسي منها هو تحقيق أمن الفرد بجانب أمن الدولة، إذ قد تكون الدولة آمنة في وقت يتناقص فيه أمن مواطنيها. بل إنه في بعض الأحيان تكون الدولة مصدرًا من مصادر تهديد أمن مواطنيها.
برز مفهوم الأمن الإنساني في النصف الثاني من عقد التسعينيات من القرن العشرين كنتاج لمجموعة التحولات التي شهدتها فترة ما بعد الحرب الباردة فيما يتعلق بطبيعة مفهوم الأمن، ونطاق دراسات الأمن. إذ أثبتت خبرة الحرب الباردة أن المنظور السائد للأمن، وهو المنظور الواقعي لم يعد كافيًا للتعامل مع طبيعة القضايا الأمنية ومصادر التهديد فترة ما بعد الحرب الباردة، والحاجة لتوسيع منظور الأمن ليعكس طبيعة مصادر التهديد فترة ما بعد الحرب الباردة، وكان مفهوم الأمن لدى أنصار الاتجاه الواقعي في العلاقات الدولية يقتصر على حدود أمن الدولة القومية باعتبارها الفاعل الرئيس (إن لم يكن الوحيد) في العلاقات الدولية، وذلك ضد أي تهديد عسكري خارجي يهددها، أو يهدد تكاملها الإقليمي، أو سيادتها، أو ،أستقرار نظامها السياسي، أو يمس إحدى مصالحها القومية. و في سبيل حماية تلك المصالح فإن استخدام القوة العسكرية يُعد أداة أساسية لتحقيق الأمن، وتتحول العلاقة بالآخرين لمباراة صفرية لا بد فيها من مهزوم ومنتصر، والتعاون الدولي الطويل الأجل محض وهْم لا يمكن تحقيقه.ولم يصبح بمقدور دولة واحدة السعي لتحقيق أمنها منفردة، فلم تمنع القوة النووية التي كان يملكها الاتحاد السوفيتي والتي كانت تكفي لتدمير العالم عشرات المرات من تهاويه. وعلى جانب آخر حدث تحول في طبيعة الصراعات ذاتها ، إذ أصبحت معظم الصراعات داخلية بين الجماعات والأفراد وليست بين الدول ، فتشير الإحصاءات إلى أنه من بين 61 صراعًا شهدها عقد التسعينيات من القرن العشرين كان 58 منها صراعًا داخليًا -أي بنسبة 95% تقريبًا ـ و90% من ضحايا تلك الصراعات من المدنيين وليسوا عسكريين ومعظمهم من النساء والأطفال. فالصراعات أصبحت بين جماعات وليست بين الدول والضحايا فيها من المدنيين. و مصادر التهديد الأساسية للدول لم تعد مصادر خارجية فحسب، بل أصبحت من داخل حدود الدولة القومية ذاتها، ومثال النزاعات المسلحة في أفريقيا من الصومال إلى رواندا إلى ليبيريا وهي امثلة واضحة.
ويتسم هذا النمط من الصراعات الداخلية بشدة التعقيد والتشابك وارتباطها بخلفيات وجذور ممتدة وغاية في التعقيد، بالإضافة إلى الاستخدام المتزايد للعنف، والانتهاك الشديد لحقوق الإنسان.
وعلى الرغم من أن مكونات الأمن الإنساني ومصادر تهديده موجودة تاريخيًا فإن بروز المفهوم مؤخرًا ارتبط بعملية العولمة والتي جعلت مصائرنا مشتركة، وذلك نظرًا لما تقوم عليه عملية العولمة من فتح للحدود بين الدول لانتقال السلع والخدمات والتحرير الاقتصادي العالمي. فقد أكدت دراسات الاقتصاد الدولي على أن التحرير الاقتصادي العالمي له مخاطر عدة منها انتشار أنظمة غير مستقرة لا يمكن التحكم فيها خاصة في الأسواق المالية. بالإضافة إلى ما أكدت عليه تلك الدراسات من تأثيرات سلبية قد تصيب الاقتصاد العالمي والتي يمكن أن يكون لها تأثيرها السلبي على قضايا البيئة، والاستقرار السياسي والامني. وأن البحث في مدى تأثر أمن الفرد نتيجة العولمة و باسلوب اخر أي أن حماية أمن الفرد لم يعد مسؤلية الدولة التي ينتمي اليها ، وأنما هي مسؤلية العالم بكل أفرادها ومؤسساتها ، نتيجة التطور التكنولوجي وتعدد مخاطر الجريمة وتجاوزها للحدود الوطنية للدول وظهور مؤسسات وشركات عابرة للحدود .
و في ظل العولمة ايضا اصبح المواطن العادي يستشعر عدم الامان في كل لحظة من حياته و بات يتوقع ان يأتيه الخطر من أي شي ومن أي اتجاه ومن افراد قد يعيشون حوله او في امكنة بعيدة عنه جغرافيا ولكنها على بعد ضغطة زر بجهاز الحاسب الالي و بذلك اصبحنا نعيش عصر التواصل بكل ماله وما عليه لذا فإن دراسة اثير العولمة على الامن الوطني وعلى دور الدولة القومية بصورة مستفيضة خاصة في الوقت الراهن من الضرورة بمكان .
إن اهتمام الدولة بالأمن الوطني يتطلب القدرة على النجاح في الدفاع عن النفس اذا ما هوجمت الدولة و في مواجهة كافة تحديات عملية العولمة فإن الامن الوطني لكل الدول و الامم معرض للخطر
إن للعولمة بعداً اخر على الامن الوطني يتمثل في (عولمة الامن و الجريمة) حيث ان المجتمع الدولي في عصر المعلومات الرقمية و التفاعل عن بعد و نسبية المكان يكون مجتمعاً متوحدآً من الناحية التحليلية على الاقل و لذا فانه لم يعد بمقدور الدولة التحكم بحدودها و لم تعد السيادة الوطنية ممكنة .
إن التحكم عن بعد في الجريمة و تنفيذها قد غدا امرا ممكنا في هذا العصر كما ان انتقال هذه التقنية الى جماعات الجريمة و الارهاب امر ممكن و لذلك لم يعد نقل تراكيب اسلحة دمار الشامل ليتطلب عمليات استخبارية كبيرة . إن التعامل مع جرائم المعلومات و الجريمة عن بعد و الجرائم بلا حدود تعد امثلة لمعضلات امنية لها اثرها المباشر على امن و استقرار الدولة و سلامة رعاياها و مقدراتها والتي هي ركائز مفهوم الامن الوطني .
ان ثورة المعلومات المصاحبة للعولمة قد تمكنت من اختراق حتى الاسرار الوطنية العليا للدول المتقدمة تقنيا و انها استباحت حرمات و اسرار الدول النامية و خاصة العربية و الاسلامية و في هذا تهديد مباشر لامنها الوطني و ضغط على صناع القرار في تلك الدول.
لم يعد إطار الظاهرة الأمنية المعاصرة بأبعادها المختلفة محددًا بنطاق الحدود الإقليمية للدولة، بل تعدى هذا الإطار الحدود ليشمل دول الجوار الجغرافي المباشر ،ويمتد إلى الإطار الاقليمي والدولي كما ان أساليب التعامل الممكنة والمتاحة تتأثر هي الأخرى بالعديد من المتغيرات الآتية من الخارج والتي يصعب تجاهل تأثيرها، وفي هذا الإطار يمكننا القول بأن هناك تداخلا واضحا بين العوامل الداخلية والخارجية (اقليمية – دولية ) المؤثرة على الأوضاع الأمنية في جميع دول العالم في الوقت المعاصر، لوضع السياسات الأمنية لأية دولة في العالم اليوم لابد وأن يأخذ في الاعتبار هذه الأمور ،سواء من حيث مصادر التهديد ونوعيته وكثافته وأساليب التعامل معه .
وأن (داعش) هذه المنظمة ان لم نقل دولة ارهابية قائمة على أساس ازهاق دماء الابرياء والتفنن في أساليب القتل سيطرت على مناطق شاسعة في العراق وسوريا وبذلك ألغت الحدود الدولية بينهما وقزمت سيادتهما، أضحت تهديداً لأمن العالم وسلمها مما يتطلب جهوداً دولية لمواجهتها بأنشاء تحالف دولي، لأن خطرها أصبح يُستشعر بها في الغرب مثلما في الشرق وكذا الجنوب والشمال من الكرة الارضية كالنار الملتهبة لا تبقي ولاتذر، وأن محاربتها تستدعي تجاوز الحدود كما هو الحال في العراق وسوريا.