لماذا يتأخر الغرب في حربه ضد الإرهاب؟......د.امال موسى
ولكن موعد التحرك، لم يكن في الحقيقة في حجم الخطر ذاته. فالتحالف، الذي تشكل لمحاربة هذا التنظيم أو ما يسمى دولة الخلافة، جاء متأخرا كثيرا، باعتبار أنه منذ أشهر طويلة وأصوات عدّة تتعالى من نخب سياسيّة حاكمة وأخرى فكريّة، منادية بضرورة التدخل وتفكيك التنظيم وتفتيته قبل أن يكبر ويتقوى ويلحق الضرر بأكبر عدد ممكن من الناس.
المشكلة أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، كان يكتفي بالتنديد وبمراقبة الوضع وملاحظة تفاقم اختلاط الأوراق. وما إن طالت وحشية «داعش» مواطنا أميركيا، حتى تغيرت المعادلة وتبدل الإيقاع وحصل التحول النوعي في المواقف: من التنديد إلى التحالف. ورأينا كيف أن الأمر مرهون بالإرادة الدولية وكيف أن هذه الإرادة المتقاعسة أحيانا، تصبح فاعلة عندما تلحق الإهانة بالفرد الأميركي وبالدولة في شخص رئيسها، حيث إن العملية الوحشية، التي تمت ضد الصحافي الأميركي، كانت في جوهرها رسالة موجهة مباشرة إلى الرئيس أوباما. نسوق هذه الملاحظة لأن تنظيم «داعش»، قد مارس وحشية أكثر وأعنف حتى ضد المسلمين سواء منهم السنة أو الشيعة.
طبعا لا نستطيع إلا أن نتعاطى بإيجابية مع تحرك الإرادة الدولية. ولكن هذا لا يمنع من تسجيل بعض الملاحظات؛ أوّلها أن تأخر الغرب ضد التنظيمات الإرهابية، يكاد يكون خاصية تاريخية ثابتة. وهنا يكفي أن نشير إلى تأخره في محاربة تنظيم القاعدة.
والملاحظ أيضا أن الغرب لا يتحرك ضد هذه التنظيمات إلا عندما يتعرض لحركة استفزازية قوية، في حين أن المنطق يقول إن هذه التنظيمات وحتى دون اللجوء إلى الاستفزاز سواء باستهدافها في عقر دارها (أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001) أو بالتمثيل الوحشي بكرامة فرد أميركي وغيره من الجنسيات، فإن مجرد ظهورها كان يجب أن يُفهم باعتباره تهديدا مباشرا لأمنه.
الواضح أنه لا استفادة تذكر من التراكم التاريخي في مجال كيفية التعامل مع هذه التنظيمات، وخاصة فيما يتعلق بمسألة توقيت التحرك والتحالف: دائما يُترك لها الوقت الكافي جدا حتى تعبث كما تريد وعندما تتغلغل وتتجذر وتنمو أظافرها، يحصل التحرك.
لقد كان الغرب دائما يعلل تردده بأن اتخاذ مثل هذه القرارات مسألة في غاية الصعوبة والتعقيد، وأن الفصل فيها يتطلب وقتا والمرور عبر مؤسسات. ولكننا رأينا مثلا كيف أن مراسلة من الولايات المتحدة تطلب فيها من رئيسة وزراء الدنمارك الانضمام إلى التحالف جعلت رئيسة الوزراء تلبي الطلب بالالتحاق دون انتظار موافقة البرلمان.
في الحقيقة، ما لم يتفطن إليه الغرب بشكل مبكر هو أن وحشية «داعش» تبدو الأولى من نوعها ولم تسبقها إليها تنظيمات سابقة. والأخطر من وحشيتها أيضا أن هذا التنظيم بالذات وأكثر من كل التنظيمات الإرهابية، نجح في خلط الأوراق في المنطقة. فأصبحت محاربته تتطلب التنازل عن أوراق مهمة داخل المنطقة رغم أن مجرد ظهور مثل هذه التنظيمات في منطقة تعد من أكثر بؤر التوتر في العالم تعقيدا، كان من شأنه أن يمثل ناقوس خطر حقيقي على العالم كله، إذ يتجاوز خطره الجغرافيا التي يتحرك فيها.
حاليا تحققت خطوة مهمة، متمثلة في تشكيل تحالف ضد هذا التنظيم ولا شك في أنه سُيلاقي نفس مصير التنظيمات السابقة. ولكن السؤال الذي لا أحد يملك إجابته، بما في ذلك أكبر قوة في العالم، هو كم سيدفع العالم من دم ومن موارد؟ وكم ستدفع منطقة الشرق الأوسط من أرواح وخسائر؟
ولعل ما يثلج الصدر قليلا هو أن هذا التحالف الذي لا شك في كونه ضروريا حتى ولو بدا كتحرك اضطراري أكثر منه مبدئيا، هو أنه تحالف بصدد الاتساع. وهنا من المهم الإشارة إلى أن المشاركة العربية في هذا التحالف، ليست في الحجم المطلوب، والحال أن كل العالم العربي بمشرقه ومغربه أكثر من مستهدف.
إن الإرهاب الذي يمارسه تنظيم «داعش» غاية في الوحشية والجهل والانغلاق، ولا خيار للجميع إلا الانضمام إلى هذا التحالف، حتى تتخذ الحرب على الإرهاب في هذه المرة طابعها الكوني وتستند أكثر من الحرب السابقة إلى إجماع دولي وشعبي ونخبوي.
هذا دون أن ننسى أنه وإن كانت هذه المرحلة تتطلب تحركا عسكريا مستعجلا، فإن القضاء على الفكر «الجهادي» التكفيري الإرهابي، يشترط حقيقة وقفة فكرية وثقافية مهمة وجادة وبعيدة عن الشعارات، لأن الخطر الإرهابي لا يُداوى بالكلام المُزوق والبهرج اللغوي والزخرف اللفظي.