• Monday, 23 December 2024
logo

التداعيات السلبية للعمالة الاجنبية على أمن أقليم كوردستان......................عبدالله جعفر كوفلي

التداعيات السلبية للعمالة الاجنبية على أمن أقليم كوردستان......................عبدالله جعفر كوفلي
إن ظاهرة أنتقال الأيدي العاملة من بلد الى اخر من الظواهر القديمة ، فقد عرفتها البشرية منذ قرون, حيث شهدت المجتمعات البشرية منذ القدم العديد من التنقلات الجماعية والتي كانت سبباً في اعمار و بناء أجزاء عديدة من العالم, أن هذه الحركة السكانية لم تنقطع بل هي مستمرة حتى الان
وهي تحدث نتيجة العديد من المتغيرات والمؤثرات الداخلية والخارجية وأزدادت نسبتها في الاونة الاخيرة لأسباب عديدة منها الزيادة السكانية في العالم و التطورات الاقتصادية و الاجتماعية و العلمية و التقنية و التطور التكنولوجي لوسائل التنقل و الاتصالات بالاضافة الى الفوارق الاقتصادية و المعيشية بين الشعوب .
أصبحت قضية العمالة الاجنبية من التعقيد و التشابك بحيث تحولت الى هاجس يؤرق الدول و المجتمعات، فاذا كان الهدف الاساسي منه الاستعانه بها يندرج ضمن الاهداف الاقتصادية العامة للدول و الاستفادة منها في خطط التنمية الشاملة,و اصبح موضوعاً للبحث لدى الكثير من الاكاديمين و المفكرين في المجالات المختلفة كل حسب الزاوية التي ينظر اليها , فتناولوها بالبحث و التحليل باعتبارها حدثاً شاملاً ساخناً له أنعكاساته السلبية و الايجابية على العديد من المتغيرات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و حتى الامنية , حتى بات ملف العمالة الاجنبية أكثر إثارة و سخونة في الفترة المنصرمة, وهو نابع من فكرة وطنية رافضة، ترى بان زيادة العمالة الاجنبية تحمل معها العديد من المساوئ الخطيرة على المستوى الثقافي و السياسي و الاقتصادي و الامني، و ينظر اليها أنه معول الهدم نتيجة التفاعلات التي يثيرها و التداعيات المترتبة عليها فتشكل خطراً جسيماً يهدد الأمن والاستقرار في الكثير من الدول النامية و المتقدمة على حد سواء ..
و العمالة الاجنبية هم الأيدي العاملة التي لاتحمل جنسية الدولة التي يعمل فيها بما فيه العمالة الناعمة كالخدم و التي تم أستقبالهم من قبل الدولة من أجل العمل فيه لحاجة تلك الدولة الى خدماتهم و خبراتهم لأسباب عديدة منها ما ترتبط بالدولة المستقبلة كقلة عدد سكانها او ندرة الأيدي العاملة المدربة وفق الأسس العلمية والعملية التي يمكن أن يستفاد منها في العملية الانتاجية للدولة، بالأضافة الى زيادة نسبة كثافة البطالة المقنعة في القطاع الحكومي و المؤسسات العامة و توجه الايدي العاملة المحلية المدربة نحو الوظائف الحكومية مما يكون عاملاً مساعداً في خلق البطالة بشكل يفوق الطاقة و الحاجة و زيادة على ذلك فان هناك تبريراً اخر يقضى بان العمالة الاجنبية هي اكثر مهارة و خبرة من الايدي العاملة المحلية وأجورها أقل و انها تتحمل الاعمال القاسية مع توفر عنصر الطاعة لديها, ان جلب العمالة الاجنبية الجاهزة تقل كلفة اجورها مقابل طول وقت عملها و زيادة على ذلك فأن بعض الشركات ترغب في استخدام العمالة الاجنبية من منظور المصلحة الخاصة متناسباً الاعباء الناشئة عن هذه العمالة على الاقتصاد الوطني و التنمية بشكل عام وان العمالة الاجنبية تستفيد من التنمية الموجودة في البلد الذي يعمل فيه و ان جلب العمالة الاجنبية أضحت مهنة تختص بها الشركات المحلية و الاجنبية رغبة في زيادة فوائدها المالية من العقود التي حصلت و تحصل عليها دون الاهتمام بالمشكلات و الاخطار التي تنجم من جراء هذا الجلب, و من الاسباب الاخرى المتعلقة بالعامل الاجنبى و دولته منها سوء الاحوال الاقتصادية و المعاشية و تدهور الاوضاع السياسية و الامنية و رغبة العامل في تحسين أمور حياته و من هنا يثبت بان للعمالة الاجنبية على الرغم من الجوانب الايجابية لها زوايا سلبية تؤثر على الامور الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية و السياسية و هي كثيرة و غير متناهية و لكنها ليس موضوع بحثنا و سنقتصر على التأثيرات الامنية الناجمة عن العمالة الاجنبية على أمن و أستقرار الدولة المستقبلة , هذه الظاهرة أصبحت لها مخاوف ملحوضة و ذلك لخطورة النتائج المترتبة عليها خاصة في غياب خطة للحد منها و ان البحث و المناقسه في أخطار العمالة الاجنبية على الامن من منظور ان الامن القومي او الوطني هو مفهوم يحتوي على مكونات الامن الداخلي و الخارجي للدولة او المنطقة الاقليمية برمتها ومن هذه التداعيات :-
1. ان زيادة أعداد العمالة الاجنبية في الدولة تؤدي الى نشوء جاليات قد تغير من التكوين العرقي و هناك دول تفوق عدد العمالة الاجنبية عدد سكانها الاصليين مما يفتح الباب أمام دول العمال الاجانب بمطالبة حقوق هذه الجاليات مما يؤثر سلباً على الوضع الامني لتلك الدولة بالاضافة الى انه في كثير من الاحيان تستخدم هذه العمالة (الاجنبية) كورقة ضغط من قبل دولها الاصلية لتحقيق اهداف اقتصادية و سياسية و حتى الامنية و التدخل في شؤونها الداخلية بذريعة حماية مواطنها عند تعرظهم للاخطار و حفظاً على سلامة حياتهم او حتى التدخل او المطالبة بعدم تخفيض اجورهم و توفير ظروف آمنة لهم و حقوق اخرى حتى تصل في بعض الاحيان الى التهديد بالتدخل العسكري كما حدث بين الهند و الامارات عندما هددت الهند بالتدخل في الامارات عند تعرض مواطنيها لضغوط العمل المتزايدة .
2. من التداعيات الامنية الاخرى الناتجة عن وجود العمالة الاجنبية في الدولة ظهور أنماط جديدة من الجرائم التي ارتكبتها هؤلاء العمال و التفنن و التغير في اساليب ارتكابها أي نقل طرق ارتكاب الجرائم من دولهم الى الدولة المضيفة مما يصعب على الاجهزة الامنية ضبطها والقبض على فاعلها لحداثة تلك الوسائل ومن الجانب الاخر زيادة عدد الايدي العاملة الاجنبية في الدولة يكون عاملاً مساعداً لظهور وارتكاب جرائم عابرة للحدود مثل الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات و غسيل الاموال .. الخ، حيث يستغل ظروفهم المعيشية من قبل بعض العصابات الماهرة في هذه المجالات، بالاضافة الى أن عددا من هؤلاء العمال الاجانب يكونون على دراية لكثرة تنقلهم و تجاوزهم للحدود بأساليب أخفاء المحضورات عبر الحدود، وفي أحيان كثيرة ترتكب جرائم من قبل العمالة الاجنبية مثل القتل و السرقة و الاحتيال بدافع الحصول على الاموال بشكل لايثير انتباه الاجهزة الامنية و أن الزيادة في معدلات الجرائم يخلق قلقاُ أمنياً عند الناس و يؤثر على مستوى الأداء الأمني .
3. قيام العمالة الاجنبية بالمظاهرات و الاحتجاجات المطالبة بتحسين ظروف عملهم أو زيادة أجورهم، كثيراً ما تتحول هذه المظاهرات الى أعمال عنف و شغب و تحيد عن أهدافها السلمية و تنجم عنها أعمال تخريبية, مما يؤدي الى عدم الاستقرار الداخلي وخسائر في النفوس و ألاموال و الاضرار بالممتلكات العامة للدولة ويشكل تهديداً لأمن الدولة و يؤثر سلباً على سمعة الدولة في المحافل الدولية اذا ما تم أستخدام العنف للسيطرة عليها مما يكون محل أنتقاد لدى المنظمات المعنية بحماية حقوق الانسان .
4. أستخدام العمالة الاجنبية لأغراض التجسس و جمع المعلومات عن المراكز الحساسة ( العسكرية – الامنية – السياسية – الاقتصادية ) في الدولة المضيفة من قبل دولهم الاصلية أو دولة أخرى مستغلة ظروفهم المعيشية والاقتصادية او أداة للدعاية و التخريب أو أي عمل عسكري، مما يشكل خطراً محدقاً يضر بأمن الدولة الداخلي و الخارجي وليس من السهل على الأجهزة الامنية أكتشاف أمرهم و أتخاذ الاجراءات المناسبة بحقهم لعملهم تحت أغطية متعددة منها العمل و عدم معرفة المكان و تعتبرهذه أحدى الطرق الفعالة التي يستخدمها الدول للتجسس و الحصول على المعلومات الاستراتيجية عن الدول الاخرى و في سبيل الحد منها فقد شرعت قوانين عقابية كثيرة ومنحت الاجهزة الامنية سلطات واسعة لغرض المتابعة و مراقبة تحركات هؤلاء العمالة لتأثيرها المباشر على أمن الدولة .
5. على الرغم من الاجراءات الصحية الوقائية التي تتخذ عند دخول العمالة الاجنبية الى الدولة أو أثناء وجودهم إلا انه في بعض الاوقات يحمل بعض العاملين فايروسات لأمراض معدية و مستجدة مثل السل الرئوي و الايدز و الجذام الجلدي ، وتكون الخطورة أكبرعندما يعمل هؤلاء داخل البيوت و المطاعم و الفنادق ، مما يؤدي الى أنتشار مثل هذه الامراض ويشكل بداية لأزمة صحية حادة يتعرض البلد اليه من أقصاه الى أقصاه مما يؤثر سلباً على الأمن و الامن الصحي للدولة و يسيئ الى سمعة البلد على المستوى الدولي و يكون خطراً على الأمن القومي للدولة .
6. انتشار جريمة تهريب العمال الاجانب سواء داخل الدولة من منطقة الى أخرى بطرق غير قانونية للتهرب من الضرائب و الديون بواسطة مهربين مقابل مبالغ نقدية أو من دولة الى أخرى بنفس الطرق غير الشرعية ، أما للبحث عن اعمال يرد عليهم بمبالغ أكثر مما يحصلون عليها أو لأرتكابهم جرائم وخوفاً من ملاحقة القانون أو التخلص من الضرائب , و التهريب جريمة يعاقب عليها القوانين الداخلية و الدولية و بذلك تكون العمالة الاجنبية أحد الأسباب المباشرة لزيادة معدلات ارتكابها و يكون بهذا العمل أثر كبير على أمن الدولة ففي كثير من الاحيان يتم نقل المجرمين و المطلوبين للعدالة او المخدرات اوالاموال غيرالشرعية وغيرها من الجرائم و أحياناً أخرى يتعرض العمال الاجانب الى الاعتداءات الجسدية و الجنسية و التهديد حتى القتل من قبل المهربين الذين يتجاوزون حدود العديد من الدول و يعرضون الرشاوي على أفراد الحكومة .
ان ماذكرناه من التداعيات السلبية للعماله الاجنبية على أمن الدولة والتي ليس لها حدود وانما توجد الكثير منها و هي بقصد ابرزها للمعنيين .
ان أقليم كوردستان العراق و بفضل الظروف الامنية المستقرة التي يشهدها بجهود افراد الاجهزة والمؤسسات العسكرية و الامنية وتعاون المواطنين المخلصين الذين رسموا أروع اللوحات في الوفاء و الاخلاص و الفداء، و كذلك التطورات الاقتصادية و الاستثمار و الاستقرار السياسي و الاجتماعي و كثرة أعداد المشاريع و البنى التحتية للأقليم فقد اضحى الاقليم ساحة لعمل اعداد كبيرة من الشركات الاجنبية المتخصصة في مجالات البناء و التنظيف ... الخ و ان دل على شئ فإنه يدل على استقرار الاقليم و التنمية الاقتصادية و الاستثمار، حيث اصبح محط انظار العالم و تمت الاستفادة منها بشكل ملحوظ و لكن ينبغي التعامل مع هذا الملف من قبل الاجهزة الحكومية بكل حذر و وفق المعاير الدولية للعمالة الاجنبية مع الاخذ بنظر الاعتبار الاخطار الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الامنية الناجمة عن وجودهم على ارض الاقليم و تشكل تهديدا على أمن الاقليم ان لم يكن في الوقت الحالي بل في المستقبل القريب ولخطورة هذا الملف نقترح :
1. التقليل من الاعتماد على العمالة الاجنبية قدر الامكان والاقتصار في مجالات تحتاج الى الخبرة و المهارة و ذلك بتشريع قوانين او تعديل القوانين الموجودة المتعلقة بهذا الشأن .
2. اتخاذ الاجراءات القانونية و الامنية اللازمة معهم و خاصة مع المخالفين منهم وفق القوانين المرعية و المعايير الدولية .
3. متابعة العمال الاجانب و مراقبة أعمالهم بدقة متناهية .
*- ماجستير قانون دولي
Top