• Monday, 23 December 2024
logo

كل يوم قصة تهزُ وجدان الانسانية ــ قصص من شنكال ...........عزت كمو الدناني

كل يوم قصة تهزُ وجدان الانسانية ــ قصص من شنكال ...........عزت كمو الدناني
الوقت ، الساعة تشيرالى السابعة مساء ... المكان .. 'قرية كوجو' التي تبعد 20 كم جنوب قضاء شنكال التابعة لمحافظة نينوى ، اتصل بي والدي يطلب مني الحضور الى البيت ، اغلقت باب الدكان الذي نسترزق منه بسرعة وتوجهت نحو البيت .
افكارغريبة تدور في رأسي ، سكون عجيب يلف الحي ويمنح الناظر شعورا زائفا بالامان ، سألت نفسي يا ترى لماذا دعاني والدي؟ كل شىء بدا هادئاٌ ذلك المساء لكنه كان هدوء كاذبا اشبه بذلك الذي يسبق العاصفة ، وصلت باب البيت الشرقي الطيني القديم .. غرفة الى اليمن واخرى الى اليسار مساحة كبيرة فى الوسط وغرفتين وصالىة صغيرة الى الامام ، دخلت البيت راودني شعور غريبا لثوان معدودة لم احس به من قبل بتاتا وانتابني الخوف حين لم اجد اي حركة في البيت من افراد العائلة .
عائلتي التي تتألف من والدي علي 71 سنة والدتي زهرة 66 واختي شيرين 23 سنة وثلاثة من اخواتي عمر 35 سنة ومراد 28 سنة و نرجس 26 سنة وزوجة اخي سيفى 31 سنة و اولادها دلو 8 سنوات و فرهاد 5 سنوات ، نحن العشرة نسكن في هذا البيت المتواضع نتقاسم بيننا لقمة العيش راضين بما يرزقنا الله به من كدنا وعرق جبيننا .
ذهبت نحو البيت عبورا بالساحة الامامية بخطوات متلكئة قدماي تكاد تحمل جسمي حتى وصلت داخل البيت ، واذ بي اسمع صوت اولاد اخي شعرت بالراحة .. توجه نحوي فرهاد كالعادة حملته على صدري وتظاهرت باللعب معه عسى اقتل في داخلي الخوف الذي انتابني ، في الغرفة رأيت العائلة مجتمعا جميعا والعشاء جاهز احسست بان والدي لديه مايقول ربما يريد تأجيله الى ما بعد تناول ماقسمه الله لنا في تلك الليلة من العشاء ، كان الوقت يمضي مسرعاٌ و كاد يقتلني فضولى كي اسأل ابي عن سبب طلبه هو ان اغلق الدكان والحضور الى البيت ولكن تمالكت نفسي وانتطرت .. حتى انتهينا من شرب الشاي ، واذا بوالدي يقول لي .. بني اجتمعنا اليوم لاعرف ا رايكم في زواج اخوكم مراد .هنا اثلج قلبي و فرحت من اعماقي يا له من شعور .
لم اكن اعلم ما كان يخفيه لي القدر في تلك الليلة , ذهبت الى فراشي ومسكت بهاتفي الجوال وطار النوم من عيوني اتقلب الى اليمين واليسار لم اتناول شيئا كنت كالسكران وها عقارب الساعة تقترب من الثالثة صباحا ،فجأة .. صوت نيران كثيفة يسمع في كل مكان .. خرجت وعيوني لاتصدق دون ان اقول لأهلي حتى كلمة وداع ، في الشارع سيارة تخرج من بيت الجيران تتقدم نحوي بسرعة اردت ان اسأل السائق عن سبب النيران واصوات الرصاص ؟ قال لي اركب في الحال بدون شعور ركبت السيارة وانطلق كالرصاص فكرت هناك سوء تفاهم بين العائلتين لربما نذهب لنجدتهم ، تمالكت نفسي والافكار تدور في راسي ثم قلت ماذا حدث ؟ قل لي في الحال ، وها هو يبلغني لقد هوجمنا من قبل الدواعش و العربان علينا الذهاب الى سنجار لجلب المساعدة لم افكر في عائلتي ولم نعتقد بان يمكنهم الدخول الى قرانا وما لم نتوقعه بتاتا عن العرب الذين درسنا عنهم في كتب التاريخ وعن ' مكارم اخلاقهم ' سيغدرون بنا و يخططون و يتحالفون مع الدواعش لذبحنا وقتل اطفالنا واسر نساءنا خاصة ونحن جيران منذ مئات السنين يربطنا علاقات اجتماعية وقبلية بهم ..حينها عرفت ان التاريخ كان يقرأ بالعكس كما هو حال علمهم الداعشي الاسود الذي يقرأ بالعكس .
دخلنا السيطرة الاولى المفروض هناك لحمايتنا وجدناها هي الاخرى فارغة تماما عرفنا اننا وصلنا الى نقطة اللاعودة و اصبح الرجوع الى البيت مستحيلاٌ خاصة القرية محاصرة نسمع أصوات النيران من جميع الجهات ، اقتربنا من مدينة شنكال مسافة ما يقارب 5 كم تقريبا لم نجد اي اضواء حاولنا الاتصال بدون جدوى اضواء السيارات تقترب منا من الجهتين حيث خرجنا من الشارع وسلكنا الطريق الترابي في محاولة يائسة للوصول الى المدينة . فوجئنا برمي وصوت اطلاق نار كثيف و اصوات الرصاص تخترق سيارتنا من جميع الجهات والسيارة تمشي بسرعة جنونية ، قطع من اطارات السيارة تتطاير وهي تنحرف يمينا وشمالا هنا طلبت من صديقي ان اترجل من السيارة وفكرت في الاختباء داخل البساتين .. فتحت باب السيارة ولم احس بنفسي .
فتحت عيوني نظرت الى السماء تأرجح قلبي بين الشك و اليقين هل كان حلم ام حقيقة ، تلمست قدماي وجسدي بسكون تفحصت راسي و وجهي والدماء المتخثرة عليه كانت قد مرت على فقداني للوعي مايقارب الساعتين سمعت اصوات النيران من بعيد في مدينة شنكال توجهت نحو البساتين بسرعة وانا اترقب .. احتميت في كوخ للمزارعين ، وخرج بعدها من البستان اثنين من الفلاحين وعلاما ت الخوف عليهم ، يسالونني عن ما حدث وتكلمت ورويت لهم ماجرى . في الحال جمعنا بعض الحاجيات وكمية من الماء خرجنا من الكوخ بعد ان ذهبنا مسافة قصيرة وجدنا عوائل الفلاحين تنتظر في الكوخ الثاني اصبح المجموع مكونا من 14 فردا معظمهم من الاطفال ، من كوخ الى كوخ من حفرة الى اخرى استطعنا الوصول الى جبل شنكال في الثامنة مساءٌ منهكين من العطش حيث عشرات الالاف من العوائل المحصورة هناك .
في هذه الليلة الجميع مترقب ، وبدء الناس بأستهلاك الماء والطعام الذي كانوا يحملونه معهم ، بقينا على هذا الحال ثلاثة ايام .. وبدأ الناس يفكرون ويضعون خيارات .. اما ان الموت جوعا اوالتسليم للارهابيين مايعني الموت .. او الخيار الاخير وهو المشي حوالى 40 كم نحو سوريا . اخترنا الخيار الثالث وهو المشي حوالي 9 ساعات قبل ان نصل الى قوات من YPg وهم ساعدونا للوصول الى محافظة دهوك، قضاء سميل ومنه الى مجمع خانك.
اتصلت من مجمع خانك بوالدي وهو لايعرف شيئا عني طيلة الايام الماضية سالت عن احوالهم بلغني ان قادة الدواعش مع قسم من العشائر العربية ابلغوهم ووعدوهم بأن عليهم البقاء في بيوتهم ولن يصيبهم اي مكروه ، لم اكن اعلم ان تلك المكالمة ستكون هي الاخيرة ولن اسمع صوتهم بعدها للابد ......... !
بعد ذالك تبين ان الارهابيين و العشائر العربية جمعوا اهل القرية في مدرسة القرية. بعدما جردوهم من ممتلكاتهم ، حيث تم جمع النساء والاطفال بمعزل عن الرجال واعطوهم مهلة 24 ساعة كي يختاروا بين اشهار اسلامهم او القتل بحد السيف ، كان والدي و والدتي و اثنين من اخواني واختي مع اعداد كبيرة من افراد القرية رفضوا تلك المطالب ما ادى الى تصفيتهم جسديا في الحال .
اما اخي الاخر عمر وزوجتة واطفاله لم اعرف عنهم اي شيئ ، لحين ظهور أول فيديو من اعلام الدواعش يظهر فيه اخي مع مجموعة اخرى من شباب القرية وهم يشهرون اسلامهم تحت تهديد السلاح.
بالامس كنا عائلة مكونة من 10 اشخاص كنا نخطط لعرس مراد ، على الرغم من بساطتنا وتواضعنا والقناعة التي تربينا عليها كنا عائلة سعيدة بل سعيدة جدا ، في غمضة عين انتهى كل شئ ... كم مرة قلت في نفسي يا ضحايا تسونامي في اليابان كم انتم محظوظون ، تمنينا تلك الكارثة الطبيعية في سنجار و ليست كارثة مجىء الداعشيين ! اني حسين علي رشو لي من العمر اربعة وعشرون ربيعا اعيش وحيدا في مأساة لا يتحملها اي انسان لا عائلة ولا مأوى مهاجر متشرد ، سؤال يحيرني ويكاد ان يقتلني ... ماهو ذنبي وذنب المئات من العوائل الايزيدية التي لهم قصص ربما اكثر بشاعة وتراجيدية من قصتي !!!
الشخصيات حقيقية والاسماء مستعارة .
Top