• Monday, 23 December 2024
logo

الفلسفة في عصر «داعش»..............عطا الله مهاجراني

الفلسفة في عصر «داعش»..............عطا الله مهاجراني
اقترح علي صديق مقرب هو فيلسوف إيراني، أن أقرأ كتابا غريبا بعنوان: «الفلسفة في عصر الإرهاب: حوارات مع جورغن هابرماس وجاك ديريدا». وهو من تأليف فيلسوفة إيطالية اسمها جيوفانا بورادوري.

«عشت تجربة مباشرة مع أحداث 11 سبتمبر (أيلول): عندما كنت بعيدة عن أبنائي الذين ظلوا محبوسين في مدارسهم في الأطراف المقابلة من المدينة، وعن زوجي المراسل الذي نجا بحياته أثناء تغطيته لأخبار الهجوم على البرجين. شاهدت المأساة وهي تقع عبر شاشة التلفزيون؛ على عكس بقية العالم. علمت أنه على بعد 50 عمارة سكنية من منزلي، يقفز عشرات البشر من على ارتفاع 90 طابقا ليلقوا حتفهم، بعضهم يمسك بأيدي البعض وآخرون بمفردهم..». (الفلسفة في عصر الإرهاب، المقدمة صفحتا 9 - 10).

من المؤسف أننا في هذه الأيام شاهدنا ذبح صحافيين، أميركي يدعى جيمس فولي، وأميركي - إسرائيلي يدعى ستيفن سوتلوف، عبر الإنترنت وعلى شاشة التلفزيون. السؤال المهم الذي طرأ على ذهني: ما الذي يدور في أذهان وقلوب القتلة؟ على سبيل المثال، تحدث أحد القتلة بلكنة بريطانية، وقطع رأس شخصين بطريقة هادئة، وكأنه يذبح خرافا أو دجاجا!

يبدو الحدث كأنه أحجية، وأريد الآن أن أضع قطع الأحجية المختلفة بالترتيب.

نحن نعيش في عالم شديد التعقيد، حيث يتداخل كل شيء بطريقة ما. استخدم بعض علماء الاجتماع عبارة «قدر الصهر» لوصف العالم الذي نعيش فيه، لذا اسمحوا لي أن أقدم لكم مثالين على ذلك:

الأول: يوجد رجل يتحدث بلكنة بريطانية، لنفترض أن اسمه جون، وقام بقطع رأسي صحافيين أحدهما أميركي والآخر أميركي - إسرائيلي، ويهدد الرجل بأنه في المستقبل سوف يذبح شخصا ثالثا، ربما يكون بريطانيًّا.

ثانيا: على موقع «داعش» على الإنترنت، استخدموا لقبا طويلا في وصف أبي بكر البغدادي: إبراهيم الخليفة البغدادي القرشي الحسيني أبو بكر! هنا أريد أن أركز على الجزء الخاص بـ«الحسيني». نعلم أيضا أن الاسم الأوسط للرئيس باراك أوباما هو حسين! بمعنى أنه حسيني أيضا. دعوني أضيف أيضا حسينيا ثالثا، إنه آية الله خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني، فهو الآخر حسيني!

هذه إشارة واضحة على أننا نعيش في قرية عالمية بالفعل، تختلط هوياتنا بعضنا مع الآخر. وفي إشارة أخرى، يرتدي المحتجزون في غوانتانامو زيّا برتقالي اللون يشبه تماما ما ارتداه ضحايا «داعش» الذين تم قطع رؤوسهم في الصحراء في العراق.

السؤال الرئيس الذي يطرح ذاته في هذه المرحلة هو ما إذا كان «داعش» يملك فلسفة يبرر بها أفعاله وتصرفاته، بما فيها قطع رؤوس البشر! إذا كانوا يملكونها، فما هي؟ وما الأساس الذي تقوم عليه هذه الفلسفة؟ وما أصلها؟ وما هو الإطار الذي تسترشد به أفكارهم وآيديولوجيتهم؟

بمعنى آخر؟ ما هو المنطق الكامن وراء أفكارهم؟ كيف يشكل ويطور تنظيم داعش، الذي كان يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، من أفكاره؟ أعتقد أننا نحتاج إلى تفكيك واضح لفكرة الإرهاب؛ هذا هو مسار العمل الوحيد المسؤول على الجانب السياسي.

أعتقد أن الحرب على الإرهاب تركز فقط على قطع الأوراق والفروع في شجرة الإرهاب، وليس الجذوع، بل والأهم منها الجذور. في الواقع، عندما نقارن بين 11-9-2001 و11-9-2014 يمكننا أن نرى أن الإرهابيين حققوا نموا أكبر، وانتشر توسعهم، وأصبحت قواعدهم العسكرية في الوقت الحالي تحتل أكثر من 50 ألف كيلومتر مربع في سوريا والعراق. وقد أعلن البنتاغون مؤخرا أنه وفقا لخطته، سيحتاج إلى 3 أعوام لاقتلاع جذور «داعش» في العراق، ولكن ليس في سوريا! لا أومن بأي نبوءة في السياسة، ولكن بناء على معلوماتي المحدودة، يمكنني القول إنه بعد 3 أعوام، سوف يكون «داعش» أقوى، وبذلك سنشهد ظهور جماعات أخرى مشابهة. إنها ظاهرة طبيعية في الزراعة، عندما تقطع الفروع، سوف تزداد الجذور والجذوع قوة وسمكا!

يعني هذا أن الإرهاب، بصفته مرضا عالميا هائلا، لن تتم معالجته بواسطة الأسلحة والقبضة الحديدية. في بعض الأحيان، سوف يعزز الحل العسكري فقط من جذور الإرهاب. كانت أميركا سعيدة للغاية عندما ألقت القبض على بن لادن وقتلته، ولكن اليوم أبو بكر البغدادي أقوى بكثير من بن لادن!

ما الخطأ الذي حدث في هذه المعادلة المتعلقة بـ«القاعدة» - طالبان؟ من الواضح أنها لم تكن معادلة بين عامل أو اثنين مجهولين، بل هي معادلة بين عدة عوامل مجهولة. هذا هو الإدمان الحديث في السياسة، إذ يعتقد صُنّاع القرار أنه في استطاعتهم حل المشاكل عن طريق القوة. في مثل هذه الكارثة المعقدة، يحمل دور القادة الدينيين أهمية كبيرة. يجب أن يوضعوا في الاعتبار بصفتهم عنصرا أساسيا للسيطرة على التطرف والقضاء عليه.

نحتاج إلى فهم جيد للقرآن والحديث، ونحتاج إلى إجراء أبحاث جديدة لإبراز ديننا. نحتاج إلى مجابهة عقول وقلوب الشباب الذين يعتقدون أنهم يسيرون على النهج الصحيح وهم يقتلون الناس.

ولكن من المؤسف أنه في المدارس الدينية الإسلامية، يقوم العماد الأساسي للتعليم والتدريب على الحفظ، بدلا من التفكير. في معظم المدارس الإسلامية حول العالم، يركز المعلمون أولا على تقوية الذاكرة بدلا من التفكير. أما أسلوب الخطاب الثاني المدمر في المدرسة، فيشير إلى أننا خُلقنا من أجل الدين، بدلا من أن يقول إن الدين خلق من أجل البشرية. ثالثا: يقع الطلاب تحت تأثير فكرة أنهم أفضل من غيرهم، من مسيحيين ويهود وهندوس وبوذيين، وأيضا من الطوائف الإسلامية الأخرى. يعتقد الشيعة أن السنة طائفة تسير في طريق خاطئ، بينما يؤمن السنة بأن الشيعة يتبعون اتجاها خاطئا. وللأسف لن تظل هذه الأفكار السامة مجرد أفكار إلى الأبد؛ فمع مرور الوقت، سوف تتحول الفكرة إلى جريمة، وإلى قطع رؤوس أشخاص وما إلى ذلك. لهذا السبب أعتقد أنه يجب علينا التركيز على فلسفة الإرهاب، وليس مجرد جسده. يدمر المتطرفون سفينة العالم التي تحمل على متنها جميع البشر. ولأكون صادقا، يجب أن نحل مشكلة جذور الإرهاب في بعض المدارس الدينية!

الشرق الاوسط
Top