ثورة أيلول 1961 وقرار وإرادة الكوردستانيين............صبحى ساله يى
والخلافات العميقة والصراعات السياسية بين قادة ثورة تموز، وانحراف ثورة تموز عن مسيرتها وعن أهدافها الحقيقة التي قامت من أجلها، وتعطل الجهود الرامية للإصلاح والتحررمن أسر التجاذبات بين الحركات الوطنية وشعاراتها، وتدهور العلاقات الكوردية مع عبدالكريم قاسم بسبب المماطلة في إقرار الحقوق القومية للكورد خصوصاً ماورد في الدستور المؤقت، ومطالبة البارتي بإلغاء الأحكام العرفية والأوضاع الاستثنائية وإنهاء فترة الإنتقال والشروع بإجراء الإنتخابات، وإطلاق سراح السجناء السياسيين والكف عن تعكير الحياة الحزبية والنقابية، ولابد من الحديث عن أعلان الحزب الديمقراطي الكوردستاني إضرابه السياسي الشهير العام في كوردستان في 9/ايلول/1961، ومحاولة الحكومة إنهاء الاضراب بقوة سلاح الشرطة والجيش والطائرات الحربية، وتحرك قطعات كبيرة من الجيش العراقي الى كوردستان استعداداً لشن الهجمات وحسم الامور الدستورية والسياسية بالوسيلة العسكرية البعيدة عن منطق الحكمة والعدل والإنصاف، وغلق كل السبل امام الكورد وقيادته السياسية سوى خيار الدفاع عن النفس، وحمل السلاح لا حباً بالقتال وانما اصراراً على الدفاع عن الحقوق ...
وهكذا إنطلقت الآلة الحربية العراقية لتفتك وتقتل وتبيد، وفي المقابل اندلعت الشرارة الأولى للثورة، وانضم الكثيرون الى صفوفها، وإلتفت الجماهير حول الحزب الديمقراطي الكوردستاني وقائده الخالد مصطفى البارزاني، بهدف الانطلاق مع الشعوب المتحررة نحو بناء وطن متقدم، والكوردستانيون إعتبروا ما حدث في 11 أيلول 1961 ثورة ونقلة تأريخية كبيرة ودفاعاً عن ما تضمنه الدستور العراقي، ثورة سهلت لهم وللعراقيين مهمة التحرك ضد المنحرفين عن ثورة تموز 1958 وضد الحمقى المرتبطين بالتيارات الشوفينية ومثيري النعرات القومية والمذهبية، ثورة إستطاعت أن توازن بين المعادلات وتنجح في عقيدتها السياسية وفي توجيه الاحداث وفق سياسة عقلانية حكيمة تتطلع الى الإنصاف والقضاء على ظروف التخلف والفقر والجهل والفساد في البلاد وتحقيق الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان، ثورةً لم يستخدم ثوارها الرصاصات والقنابل إلا في ارض المعركة الدفاعية التي كانوا يخوضونها و لم يفجروا جسراً و لم يخطفوا شخصاً و لم يطلبوا بفدية مقابل الأسرى، وكانوا يخلون سبيل الاسرى دون استثناء..
وخلال سنوات عمر ثورة أيلول كانت هنالك العديد من الجولات التفاوضية بين قيادة الثورة والحكام المتعاقبين على كرسي الحكم في بغداد، وجاءت اتفاقية آذار1970، التي كانت أطول الاتفاقيات عمراً وأدقها في التفاصيل وأشملها في المعالجات، لتعالج المشكلات، ولكن بعد أن طالبت الثورة حكومة بغداد الوفاء بالالتزامات وما جاء في بنود الإتفاقية، إصطدمت تلك المطالبة بصخرة العنجهية البعثية، وإندلع القتال مرة أخرى، وشنوا حربهم في آذار 1974 على قرى وقصبات كوردستان واستعملوا الاسلحة المحرمة دولياً في العديد من المناطق ضد المدنيين الكورد. وبدأت مرحلة اخرى من ثورة أيلولية ضد الظلم استمرت لعام كامل، وامام احتمالات انهيار الجبهة الحكومية العراقية وتقدم الكورد، حاولت بغداد منع أو حتى تأجيل هزيمة جيشها، رغم ضخامة القوات المسلحة واسلحتها السوفيتية الحديثة والكثيرة، فأصبحت مستعدة لدفع أي ثمن ولو على حساب السيادة الوطنية لمنع الهزيمة، طبعاً عدا الاعتراف بالحق الكوردي، وتغلبت المصالح الاقتصادية والسياسية الكبرى على الحقيقة والانسانية، وحل العقل التآمري الاستبدادي البغيض محل العقل المدني الحضاري، وتعرضت ثورة ايلول في 6/3/1975 الى مؤامرة حيكت خيوطها في دهاليز العديد من عواصم العالم، وبدت الصورة في بداياتها حالكة بفعل تكالب قوى الاعداء وحجمها، وعاش الكوردستانيون أياماً حاسمة، وبعد عام واحد فقط بدأت مرحلة اخرى من الثورة وبإيمان أكثر، وعزيمة أقوى من أي وقت آخر، وإنطلقت شرارة ثورة كولان التقدمية.