داعش وأمريكا النائمة في العسل!.......د.شمدین شمدین
هي هجمة جديدة قديمة على شرق يحاول الوقوف مجدداً على قدميه بعد سنين طويلة من القمع والفقر والتسلط , هجمة أشد إيلاماً وأكثر إجراماً من هجمات المغول والتتار في التاريخ الذي سلف .
منذ أيام قليلة أطلق مسرور بارزاني نفير المقاومة ضد هجمات داعش طالباً من أمريكا دعم قوات البشمركة بالسلاح للتصدي لها قائلاً( لقد أصبحنا نملك حدوداً طويلة مع داعش وهي تملك السلاح الكثير وتعد العدة لمواجهة كبيرة مع البشمركة) , وفعلاً سريعاً بدأ الهجوم الداعشي على المناطق الايزدية الكوردية في شنغال مترافقاً مع خوف من عمليات تطهير ديني وتهجير سكاني , لذا ينبغي على أمريكا أن تقدم المساعدة العاجلة للقوات الكوردية في العراق وسورية لإنهم الفصيل الأكثر تنظيماً وإعتدالاً وقدرة على مواجهة داعش وفكرها الظلامي , فإن كان الداعشيون ينتحرون من أجل حوريات الجنة فإن الكورد أحفاد صلاح الدين الأيوبي يملكون إيماناً راسخاً بعدالة قضيتهم وحرصاً شديداًعلى الدفاع عن قدسية ترابهم .
أمريكا التي سجنت ابراهيم عوض ابراهيم في سجن مختلط مع منتمين للقاعدة محولة إياه من سلفي الى راديكالي وأخرجته ليتزعم دولة العراق والشام الاسلامية كأكثر الفصائل القاعدية شراسة وإجراماً, تجد نفسها اليوم أمام هذا الأخطبوط الفظيع الذي يسعى لفتح كل البلاد الإسلامية من جديد ورفع الراية السوداء على الطرق المعبدة بالرؤوس المقطعة !
لقد أنفقت الإدارة الأمريكية الكثير من الأموال على تأهيل الجيش العراقي الجديد والمعارضة السورية ولكن النتيجة كانت مخيبة للأمال , فقد فر الجنود العراقيون أمام أول مواجهة حقيقية مع عصابات مسلحة ومنظمة , وتشرذمت المعارضة السورية المسلحة وانسحبت من مختلف المناطق السورية أمام هجمات داعش المتكررة , وذلك بسبب صراعاتها الجانبية على تقاسم الغنائم والتكالب على المناصب وعدم وجود قيادة موحدة وقوية , لقد أخطأت أمريكا كثيراً عندما تبنت وجهة نظر المعارضة السورية وإتهمت قوى كوردية خبيرة ومنظمة كانت تدافع عن مدنها وتحرص على عدم جعلها هدفاً لبراميل وطائرات النظام , إتهمتها بالتحالف مع الأسد ورفضت حتى مجرد الجلوس معهم وسماع وجهة نظرهم حول سبل الحل في سورية , في الوقت الذي إستقبلت فيه ممثلين عن الأسد نفسه وأقنعت الإئتلاف المعارض بالجلوس على طاولة المفاوضات مع أركان النظام في جنيف واحد وإثنين والتي إنتهت دون نتائج ملموسة .
اليوم يبدو إن بوصلة الصراع تتجه نحو كوردستان حيث حقول النفط , فإن تمكنت داعش من قهر الكورد ووضع يدها على منابع الذهب الأسود في كركوك والرميلان , فإنها ستصبح الجار القوي والغني لتركيا وإيران وتهدد مباشرة المصالح الأمريكية والأوربية على إعتبار تركيا جزء من حلف الناتو , يقول مارتن ديمبسي (سنغير خططنا من تقديم المشورة وجمع المعلومات الإستخبارية عندما تصبح داعش تهديداً للأمن القومي الأمريكي ) , أما جرائم التنظيم وتهديده للأقليات الدينية والعرقية وعمليات التهجير المستمرة فلا يستدعي من أمريكا تغييراً للخطط أو حتى المؤازرة بتقديم الأسلحة النوعية التي تمكن القوى المعتدلة من التصدي لهجمات داعش الإرهابية .
إن السلاح الذي زودت به أمريكا الجيش العراقي سرعان ما أصبح في قبضة داعش , والأجهزة والمعدات التي زودت بها المعارضة السورية تبخر فجأة بسبب هجمات داعش , أما اليوم فأمريكا ترفض حتى مجرد إمداد القوات الكوردية بأبسط أنواع الأسلحة الدفاعية , فيما يقاومون وحيدين في المناطق الشمالية من سورية والعراق زحف قوات داعش الإجرامية , في معارك شرسة تجاه عدو لا يعرف من الإنسانية أية معاني ويكاد يعيش في القرون الوسطى ويتبنى مفاهيم شاذة عن زمننا وواقعنا الحالي .
أمريكا الفرحة بإزالة الحدود بين سوريا والعراق ليسهل عليها ملاحقة عناصر القاعدة حسب قول السفير الأمريكي السابق بالعراق كروكر , عليها أن تتبنى إستراتيجية أكثر ملاءمة وأكثر إنحيازاً للقوى المعتدلة والعلمانية في الشرق الأوسط ,وعليها أن لا تكتفي بالفرجة كثيراً , لأنه كلما مضى الوقت كلما زادت المآسي والمجازر التي ترتكبها داعش وإن مشاهد الرؤوس المقطعة والمرمية على الطرقات في الرقة والحسكة والموصل هي علامات تنذر بما هو أسوء ,كما إن عدم التدخل الأمريكي وإن كان محدوداً عن طريق الضربات الجوية وإمداد القوى المعتدلة كالكورد بالسلاح سوف تزيد الأحقاد ضد أمريكا وترفع من نسبة الغاضبين على سياسات الرئيس الأمريكي أوباما وباله الطويل والممل , ومثلما خلق الصمت الأمريكي تجاه أفعال وجرائم الديكتاتوريات العربية القاعدة وأحداث سبتمبر, وخلق السكوت عن جرائم النظام السوري داعش ودولة الخلافة , فأن الإكتفاء بالنوم في العسل والتفرج على جرائم داعش سوف يؤدي الى أحداث وكوارث أكثر بشاعة من 11 أيلول , وهاهو ذا وزير العدل الأمريكي يرفع صوته عالياً واصفاً داعش بالمزيج القاتل قائلاً (إن هناك سبعة آلاف مقاتل أجنبي يتمتعون بالخبرة التقنية لصنع المتفجرات وعلى إستعداد للتضحية بحياتهم دفاعاً عن معتقداتهم التي تتعارض مع سياسات أمريكا ) ويضيف إن بلاده تمر بأوقات صعبة وأنه يتخوف من ضربات إرهابية محتملة ضد الطائرات الأمريكية .
فهل تتنبه أمريكا سريعاً للخطر الداعشي القادم من الشرق والمتمترس خلف ايديولوجيات بالية ومتشددة , وتعمل سريعاً على إمداد جبهة المقاومة الكوردية الوحيدة ضد داعش والفكر المتطرف حالياً بالعتاد والسلاح اللازم ,وتنخرط في بلورة حل سريع للأزمات في سوريا والعراق ودعم القوى المعتدلة في المنطقة , أم تكتفي بالمشورة حتى تجد نفسها وجهاً لوجه مع ذلك الفلاح العراقي البغدادي ومريديه وفي عقر ديار الأمريكان وغرف نومهم .
باسنیوز