• Monday, 23 December 2024
logo

هل يحتاج العراق الى فرض حالة الطوارئ؟...........القاضي عبدالستار رمضان

هل يحتاج العراق الى فرض حالة الطوارئ؟...........القاضي عبدالستار رمضان
الاحداث الاخيرة التي يعيشها العراق أعادت الاهتمام بموضوع اعلان حالة الطوارئ او الاحكام العرفية الى الحد الذي دفع رئيس الوزراء الى الطلب من مجلس النواب ذلك وما تبعه من الفشل في تحقيق النصاب لغرض فرضها، ولغرض الجواب على السؤال لابد من بيان الموقف الدستوري والقانوني وبعدها تطبيق هذين الموقفين على ارض الواقع.

ان حالة الطوارئ لها مسميات اخرى مثل الاحكام العرفية او السلامة الوطنية ولها معنى واحد وهو السماح للحكومة واعطائها صلاحيات واسعة للتحرر من الاجراءات القانونية التي يجب عليها الالتزام في الاوقات الطبيعية، اي انها اجراءات وصلاحيات استثنائية لمعالجة اوضاع وظروف غير طبيعية يمر بها البلد في وقت ومكان محددين.
وقد عرف العراق هذا الامر اول مرة عندما نص القانون الاساسي العراقي (دستور عام 1925) في المادة 125 منه ومنح الملك بموافقة مجلس الوزراء اعلان الادارة العرفية او الطوارئ، وبعدها صدر مرسوم الادارة العرفية رقم 18لسنة 1935، وفي العهد الجمهوري صدر اعلان الاحكام العرفية بموجب المرسوم الجمهوري رقم 8لسنة 1958 الذي اصدره الزعيم عبدالكريم قاسم، ثم صدر قانون السلامة الوطنية رقم4لسنة1965في عهد الرئيس عبدالسلام عارف الذي الغى كل القوانين السابقة وظل سارياً ولم يتم الغاؤه في زمن النظام السابق والذي اصدر العديد من القرارات وفي اوقات مختلفة بتقسيم العراق الى مناطق محددة وتحت أمرة شخص او قائد عسكري او حزبي.
وبعد عام2003 وفي 3/7/2004 صدر (أمر الدفاع عن السلامة الوطنية رقم(1)لسنة2004 ) والمنشور في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) العدد3987 في ايلول2004 وضم 13 مادة وجاء في الاسباب الموجبة (نظراً للظروف الأمنية الخطيرة و التداعيات العصيبة التي ما برحت تعصف بالعراق في هذه المرحلة و ضرورة التصدي الحازم للإرهابيين و العابثين بالقانون، و أنطلاقاً من إلتزام الحكومة المؤقتة بحماية حق المواطن في الحياة الحرة الكريمة و ضمان حقوقه السياسية و المدنية و الإلتزام بتهيئة الأجواء الأمنية المناسبة لإجراء إنتخابات حرة ديمقراطية كما يمليه قانون إدارة الدولة للفترة الأنتقالية، و تدعيماً لسيادة دولة القانون و الأستقلالية للقضاء و فاعليته و رقابته، و منعاً للتعسف في أستعمال القوة في الظروف الأستثنائية، و لغير ذلك من الأسباب المعروفة أصدرنا هذا الأمر).
ويتبين من قراءة الاسباب الموجبه اعلاه ان هذا الامر مرتبط بحالة وفترة زمنية محددة وهي المرحلة التي كان فيها العراق تحت ظل الحكومة المؤقتة والتي كانت تحضر لاجراء الانتخابات واعداد الدستور، عليه فان الاستناد على هذا الامر لا يجوز في الوقت الحاضر لانه بعد صدور دستور جمهورية العراق لعام 2005 فان كل المواد الدستورية والقوانين المخالفة له تكون ملغية بحكم الاحكام الجديدة التي جاء بها الدستور.
عليه فان حالة الطوارئ اذا كان هناك ما يبرر فرضها فانها يجب ان تتم وفق مواد الدستور العراقي ولا يمكن الاستناد على (أمر) الذي هوليس بمرتبة او درجة(قانون) ضمن مفهوم الهرم القانوني المعروف الذي يجب ان تلتزم به اي دولة او حكومة من حيث الالتزام بالدستور الذي مكانته في اعلى الهرم وبعده القوانين ثم الاوامر والانظمة والتعليمات الى جانب مراعاة الاتفاقيات والعهود الدولية التي وقع عليها والتي تاخذ مكانتها في التشريع حسب كل اتفاقية او معاهدة ينظم اليها العراق ويصادق عليها مجلس النواب.
لقم نظم الدستور العراقي لعام 2005 حالة الطوارئ والتي وردت ضمن الفصل الاول(السلطة التشريعية) الفرع الاول (مجلس النواب) حيث نصت المادة 61 على: (يختص مجلس النواب بما يأتي: تاسعاً:
أ-الموافقة على اعلان الحرب وحالة الطوارئ بأغلبية الثلين،بناءاً على طلب مشترك من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الورزاء.
ب-تُعلن حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً قابلة للتمديد، وبموافقة عليها في كل مرة.
ج-يُخول رئيس مجلس الوزراء الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من ادارة شؤون البلاد في أثناء مدة اعلان الحرب او حالة الطوارئ، وتنظم هذه الصلاحيات بقانون، بما لا يتعارض مع الدستور.
د- يعرض رئيس مجلس الوزراء على مجلس النواب، الاجراءات المتخذة والنتائج ، في اثناء مدة اعلان الحرب وحالة الطوارئ، خلال خمسة عر يوماً من تاريخ انتهائها.
ويتبين ان هذه الصلاحية من الصلاحيات الممنوحة حصراً وفقط لمجلس النواب دون غيره من السلطات، وبالتالي فان تصريحات رئيس الوزراء نوري المالكي (بانه لايحتاج الى موافقة البرلمان لغرض فرض حالة الطوارئ لوجود قانون السلامة الوطنية ) هي تصريحات مخالفة للدستور وللقانون وذلك للاسباب التالية:
1-ان حكومة المالكي هي حكومة منتهية الولاية اي انها حكومة تصريف اعمال وليس لها اي صلاحيات استثناية، لانه بنهاية ولاية مجلس النواب في 14/6/2014 فانه تنتهي صلاحيات الحكومة وتتحول الى ادارة وتصريف الاعمال.
2-ان حكومة المالكي هي منتهية الصلاحية (أكسباير) لانها حكومة الشخص الواحد والحزب الواحد والمكون الواحد والتي أثبتت فشلها وعجزها وتقصيرها وفسادها واخيراً هزيمتها في الانسحابات المتكررة من المدن (الموصل على سبيل المثال) وتسببها في حدوث(النكبه) حسب وصف المالكي نفسه.
3-ان أمر السلامة الوطنية ليس بقانون والدليل هو قيام حكومة المالكي نفسها باعداد قانون جديد باسم قانون السلامة الوطنية تم ترحيله الى الدورة القادمة لمجلس النواب بعد الفشل في تمريره واقراره في مجلس النواب.
أخيراً فان الظروف الصعبة التي يعيشها العراق الآن والمأساوية في بعض المناطق المحاصرة بالنيران والارهاب والقتل اليومي المتعمد والخاطئ من اكثر من جهة سواء كانت جماعات مسلحة او ارهابية او من قبل قوات الحكومة والموالين لها يفرض على كل من يملك بصر وبصيرة ان يبحث عن الحلول والقواسم المشتركة لجميع العراقين بما يقضي على اسباب العنف والخلاف، لا ان يقوم بفرض حالة الطوارئ وبما يزيد الاوضاع أزمات ونكبات كان من الممكن تجنبها وتلافيها لو تم الالتزام بالدستور الذي صوتت عليه اغلبية ابناء الشعب العراقي وبما يحفظ حقوق وحريات وحياة وكرامة العراقيين من غير فرض احكام عرفية او طوارئ او سلامة وطنية والتي لا تعدو سوى انقلاب على الديمقراطية وعودة العراق الى حكم العسكر الفاشلين والدكتاتورية المتمثلة بحكم القائد والحزب والمكون الواحد.


نائب المدعي العام –اقليم كوردستان العراق
[email protected]
Top