لغز العراق الموحد وسوريا الموحدة!..............توماس فريدمان
ولكن لأنه الأقل سوءا.
فما السياق الذي سنتدخل به؟ العراق وسوريا توأمان: مجتمعات متعددة الأعراق والطوائف حُكمت كشأن بقية الدول العربية من القمة إلى ما دون ذلك. أولا بقبضة العثمانيين الناعمة الذين حكموا من خلال شخصيات محلية مرموقة بطريقة غير مركزية، ثم بالقبضة الحديدية للقوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية وأخيرا بالقبضة الحديدية للديكتاتوريين الوطنيين. اليوم رحل العثمانيون ورحل البريطانيون والفرنسيون ورحل الكثير من الديكتاتوريين. خلعنا ديكتاتور العراق وخلع الناتو ومتمردو القبائل ديكتاتور ليبيا وتخلص الشعب في كل من تونس ومصر واليمن من ديكتاتوره. ويواجه كل بلد الآن تحدي حكم نفسه أفقيا عن طريق موافقة جميع الطوائف والأحزاب على عقود اجتماعية لكيفية العيش معا كمواطنين متساوين يتداولون السلطة.
وكانت تونس وكردستان الأفضل في هذه المرحلة الانتقالية. حاول المصريون ووجدوا حالة القلق غير محتملة لدرجة أنهم طلبوا مساندة الجيش. وسقطت ليبيا في نزاع بين القبائل. أما اليمن فيحاول جاهدا مع توازن قبلي متأرجح. وفي سوريا يبدو أن أقلية الشيعة والعلويين بالإضافة إلى بعض المسيحيين وبعض السنة يفضلون طغيان بشار الأسد على فوضى القبائل التي يهيمن عليها الإسلاميون، أما الأكراد السوريون فاقتطعوا لأنفسهم قطاعا خاصا بهم ولذلك فالبلد الآن لوحة شطرنج.
وفي العراق اختار رئيس الوزراء نوري المالكي الذي كانت لديه أفضل فرصة، أفضل مال من أموال النفط وأكبر مساعدة من الولايات المتحدة، لكتابة عقد اجتماعي لكيفية حكم العراق أفقيا، اختار بدلا عن ذلك تمكين الشيعة العراقيين لإضعاف السنة العراقيين. لذلك ليس مفاجأة أن يقرر السنة العراقيون انتزاع نصيبهم الطائفي من البلد.
ولذلك يبدو أنه لا يمكن حكم عراق موحد ولا سوريا موحدة سواء أفقيا أو رأسيا. ولم يعد للقادة القوة لمد قبضاتهم الحديدية لكل الحدود، كما لم يعد للناس الثقة لمد أياديهم لبعضهم البعض. ويبدو أن السبيل الوحيدة ليبقوا متحدين هي أن تدخل قوة عالمية تخرج الديكتاتوريين وتقتلع المتطرفين وتصنع سياسات يتراضى عليها من القاعدة إلى الأعلى - مشروع أجيال ليس له متطوعون.
ما العمل؟ لم يكن من الخطأ الاعتقاد أنه ما لم يتحقق حكم ذاتي معقول في هذه المنطقة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر، فإنه سيستمر في خذلان شعبه وحرمانهم من المقدرة على تحقيق طموحاته بالكامل، وذلك سبب حدوث الربيع العربي وسبب تواصل أمراضه إخراج مهووسين مثل أسامة بن لادن من وقت لآخر قد يهددوننا.
لكن اتضح أن الضروري مستحيل: لم نكن نعرف ما نفعله. اتضح أن جيل القادة العراقيين ما بعد صدام مثل الأطفال الذين تعرضوا لسوء المعاملة ثم أصبحوا آباء يسيئون معاملة أبنائهم.
ويشجع الإيرانيون بصفة مستمرة التفوق الشيعي ويحبطون جهودنا في بناء التعددية. وتواصل دور العبادة في بعض الدول العربية وتركيا تمويل الوعاظ والمقاتلين الذين يدعون لأسوأ التطرف السني. كما يتدفق آلاف الرجال المسلمين إلى سوريا والعراق للقتال من أجل الجهاد ولكن لا يذهب أحد هناك للقتال من أجل التعددية.
يمكنني القول إنه حتى قبل أن يرمي الرئيس أوباما علبة كوكاكولا فارغة من المقاتلات الأميركية على المسلحين السنة في العراق، نحتاج أن نصر على أن يستقيل المالكي وأن تشكل حكومة وحدة وطنية تضم زعماء الشيعة والسنة والأكراد. كما يمكنني القول إن ذلك شرط ضروري لإعادة توحيد العراق، وإنه ليس من مصلحتنا إطلاقا ولا من مصلحة العالم أن نرى العراق يتمزق ويحكم جزءا منه مسلحون سنة قتلة.
ولكن لا بد أن أقول هذا: يبدو أن الوقت متأخر كثيرا ومبكر كثيرا لإيقاف التمزق - متأخر كثيرا لأن أي ثقة كانت موجودة بين المجتمعات ذهبت، ولا يحاول المالكي إعادة بنائها، ومبكر كثيرا لأنه يبدو وكأنه لا بد للعراقيين أن يعيشوا منفصلين ويروا كم هو مخبول ومفقر ذلك، قبل أن تستطيع الطوائف المختلفة التعايش السلمي.
في غضون ذلك ليس هناك إنكار لأن الإرهاب قد يمكن تصديره نحونا من {سنستان} العراق الجديدة الراديكالية. ولكن لدينا وكالة الاستخبارات المركزية السي آي إيه وطائرات الدرون للتعامل مع ذلك التهديد.
لم تأتِ التعددية إلى أوروبا إلا بعد عدة قرون من الحروب الدينية من جانب أو آخر كان يعتقد أن بإمكانه الحصول على كل شيء، وبعد الكثير من التطهير العرقي خرجت أمم أكثر تجانسا. ومرت أوروبا أيضا بمرحلة الاستنارة والإصلاح. ويحتاج المسلمون العرب إلى سير ذات الرحلة. سيحدث ذلك عندما يريدونه أو عندما يستنفدون جميع خياراتهم الأخرى. فلنقو في غضون ذلك جزرنا المعقولة – الدول العربية المعتدلة - ولنقو ديمقراطيتنا نحن لنعزل أنفسنا بأفضل ما نستطيع.
* خدمة «نيويورك تايمز»