العراق ما بعد أحداث الموصل: حتمية الجمهورية الرابعة........................عبدالرزاق علي
حديث ذلك الشيخ الأنباري، فسّر ما آلت اليه الأمور في العراق. الجميع فهم الرسالة واستوعبها الا المالكي وحاشيته من المستشارين والمنتفعين والمتآمرين والخدم والحشم وأسياده. ولسان حال هؤلاء يحرض المالكي: دعك منهم. والنتيجة؛ طفح الكيل فعلا، وبدأ هؤلاء المهمشون والمظلومون من حكومة المالكي، يلجأون الى أية طريقة يسترجعون بها كرامتهم، التي طالما أهانها وداس عليها المالكي وجيشه الطائفي متعمدا.
من يعتقد ان ما حدث في الموصل وما تلاها من مدن وقصبات، بانها هزيمة عسكرية، منيت بها وحدات من جيش المالكي، وأجهزته الأمنية، ونصر عسكري لارهابيي داعش أو غيرها من الجماعات المسلحة، الارهابية منها أو مسلحي العشائر السنية؛ واهم أو جاهل أو طائفي حد النخاع.
وان اختصار الأحداث في محاربة تلك الجماعات لجيش المالكي وقواته الأمنية العديدة، وحصر المسألة في جانبها العسكري، على أهميتها، هو اختزال لمشكلة سياسية قديمة، قدم تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وهو النظام السياسي في العراق، شكلا ومضمونا، والمشاركة الفعلية لكافة المكونات العراقية في الحكم.
على المالكي ومن يدعمه من الانتهازيين أو الطائفيين أو قوى من خارج الحدود، أن يدركوا، ان مؤامراتهم ومخططاتهم بتسليم الموصل الى جماعة داعش الارهابية وباسمها، قد انقلبت عليهم. الجميع في الداخل والخارج بات يدرك ويقتنع، ان داعش والقيادات البعثية الارهابية ايضا، قد ركبتا الموجة، موجة استياء وغضب وشعور الناس في العراق عامة والمحافظات الغربية خاصة، بالذل والاهانة، كما ركب المالكي وحلفاؤه موجة الطائفية، وسرعان ما ترميهم الأحداث خارج الحدود والزمن، كما رمت أحداث الموصل، المالكي وجيشه الجرار، خارج الفعل والتأثير. ولم تعد لعبة الصاق تهمة الارهاب بكل معارض ومظلوم، تنفع المالكي، حيث أصبحت لعبة مفضوحة ومنتهية الصلاحية.
ما حدث في الموصل، وقبلها في الأنبار وبعدها في تكريت ومناطق من ديالى، ليس معركة عسكرية، أو حتى حدثاً سياسياً عابراً، بل زلزال سياسي، تتبعه ارتدادات عميقة ومؤثرة، لابد لها أن ينتج عن عراق ما بعد أحداث الموصل، لا يشبه بتاتا العراق ما قبل أحداث الموصل. لذا، ينبغي على الحكماء من زعماء العراق الآن، تجاهل الدولة التي تدعيها داعش الارهابية، ونسيان البعث ودولته القمعية القاسية والديكتاتورية السيئة السمعة والتأريخ، وطي صفحة جمهورية المالكي الطائفية بامتياز، والعمل وبسرعة فائقة، وقبل أن تنفلت الأمور كليا وتخرج عن السيطرة، الى البحث عن آليات بناء جمهورية عراقية جديدة رابعة، عمادها التوافق والتراضي والعدالة في السلطة والثروة.
على الجميع فهم واستيعاب الرسالة: لابد من تأسيس الجمهورية الرابعة، جمهورية ديمقراطية حقيقية، اتحادية فعلية، غير دينية ولا مذهبية، على أسس جديدة تماما وبتوافق والمشاركة الفعلية للجميع في بنائها وحكمها. الجمهورية الرابعة، التي لا تشبه في شكل الحكم والنظام السياسي، ما سبقتها من الجمهوريات الثلاث. لا جمهورية العسكر التي أتى بها انقلاب 14 تموز 1958، ولا جمهورية البعث الشمولية، ولا جمهورية المالكي الطائفية، بل جمهورية جميع المكونات العراقية.
هذا ان أرادوا أن يبقى العراق دولة قائمة. بعكسه، الانفصال بالمعروف، من دون اراقة الكثير من الدماء، كما حصل في حقب الجمهوريات الثلاث من دون أية نتيجة. يجب أن يفهم المالكي الذي، باستناده الخاطئ على فتاوى طائفية، يهدد المحافظات المظلومة واقليم كردستان كذلك ولو بشكل غير مباشر، انه وجمهوريته الطائفية قد ولتا الى الأبد، ولا مجال للعودة اليها بقوة السلاح والفتاوى والتحشيد الطائفي كما (يبشرنا) ليل نهار.
على المالكي ومن يقف خلفه ويحرضه علنا أو من وراء الستار، لحسابه وليس لحساب العراقيين، أن يعرفوا ان "احتلال العالم باسره بالقوة العسكرية، أسهل مرات كثيرة من تغيير قناعة وضمير انسان واحد"، كما قال الفيلسوف الانكليزي "جون لوك"، قبل نحو أربعمئة سنة من الآن.