حجم التحديات على قدر أهمية الثورة
اذا كان نظام الاستبداد قد فقد الشرعية الوطنية منذ أن رفض التجاوب مع الارادة الشعبية في الخضوع للاصلاح ومن ثم الاحجام عن الرحيل وعدم التجاوب مع شعار الغالبية الساحقة " الشعب يريد اسقاط النظام " واحتكامه الى القوة المفرطة وبكل أنواع الأسلحة الفتاكة بمافيها المحرمة دوليا في مواجهة السوريين شمالا وجنوبا شرقا وغربا مستمدا غطرسة القوة من بعض أوراقه الطائفية الداخلية البغيضة في المفاصل العسكرية – الأمنية والخارجية باستحضار الدعم الايراني والحزب اللهي وكذلك بالاستقواء بالدعم العسكري من الطغمة الحاكمة بموسكو عبر أوساط احتكارات تجارة السلاح المنتشرة بالبلدين
نقول مقابل ذلك أن – المعارضات – السياسية بالداخل والخارج بمختلف مسمياتها ومنابتها التقليدية اليمينية واليسارية القومية والاسلامية وشركائها من – حديثي العهد – بالمعارضة الذين لايعود اليهم جميعا الفضل في اشعال الانتفاضة الثورية ومواكبتها الا بعد مضي مايقارب الأربعة أو الستة أو الثمانية أشهر ليس من أجل تعزيزها وتطويرها وتقريب يوم انتصارها انما طمعا في جاه ونفوذ وبحثا عن سبيل لتحقيق مآرب خاصة لمصالح آيديولوجية وخاصة الاسلامية منها وقبل هذا وذاك الحلول بديلا شرعيا لعهد الاستبداد واستحواز السلطة عبر كل السبل المشروعة منها أوالمخالفة لأهداف الثورة أو بواسطة الارتباط بالمراكز الخارجية والولاء لها ومبايعتها وفي النتيجة وأمام نظام فاقد للشرعية الوطنية هناك – معارضات – عجزت عن نيل شرف الشرعية الثورية من مصدرها الوطني على أرض المعركة بقواها المتعددة حراكا عاما وتنسيقيات شبابية وحاضنة جماهيرية واسعة وجيشا حرا ولذلك لاخوف على جوهر الثورة مهما حاول الاخوان المسلمون الالتفاف وزرع المكائد وبث الأضاليل ونشر الأكاذيب وآخرهاالنفي الصادر حول وجود ميليشيات مسلحة بامرتهم ومهما حاولت شقيقات الاخوان من جماعات الاسلام السياسي من اعلان الولاءات لمرجعياتها من خارج الحدود القاعدية منها والسلفية .
الولاء للخارج وليس للثورة الوطنية ليس حكرا على جماعات الاسلام السياسي المقاتلة منها أو المتمترسة في – المعارضات - فحسب بل يشمل غالبية الأطراف والفئات والشخصيات السياسية السورية المعارضة المزعومة منها أو المدعية أو المحايدة أو التابعة للنظام سرا وعلنا ومن بينها عدد لايستاهان به من الأحزاب الكردية السورية وخصوصا الجماعات الموالية لحزب العمال الكردستاني التركي (ب ك ك) والظاهرة هذه تشكل احدى التحديات الخطيرة للثورة السورية وأحدى الأسباب الرئيسية في اطالة أمد الصراع وتاليا االازدياد الهائل في حجم التضحيات البشرية والخسائر المادية .
تفاجأ البعض من – المعارضين - في مبايعة – جبهة النصرة – لزعيم تنظيم القاعدة وتقديم طاعة الولاء له واستغرب البعض الآخر لحدوث ذلك بهذا الوقت العصيب ! في حين سكت هؤلاء جميعا أمام مسيرة طويلة لنشوء مقدمات هذه النتيجة وكانوا شهود زور على تواصلها وتكونها ونضوجها بل ساهموا في خلقها ولا أستثني أحدا من الذين انضموا الى ركب الاخوان المسلمين في – مجلسهم الوطني السوري – من قوميي جماعة اعلان دمشق وشيوعيي المكتب السياسي وليبراليي النخب السورية في العواصم الأوروبية هؤلاء جميعا من دون استثناء ساهموا عند خضوعهم لارشادات الاخوان في تمهيد الطريق لتسلط الاسلام السياسي على أول مؤسسة معارضة سورية ظهرت على أرض دولة يحكمها حزب اسلامي وممولة من دولة أخرى ترعى مشروع أخونة أنطمة البلدان العربية في المشرق والمغرب وما يستتبع من امكانية استحضار جماعات وتيارات اسلامية أخرى بما في ذلك منظمة – القاعدة – الارهابية في عملية تكتيكية تضليلية ليستقر الرأي بالنهاية على قبول مايسمى بالاسلام المعتدل بقيادة الاخوان الذين استطاعوا في العامين الأخيرين من توسيع دائرة مؤيديهم وكسب من يطبل ويزمر لدولتهم – المدنية – حتى ضمن الطائفة المسيحية (يستحضرني هنا ماحصل في ندوة عقدت بالبحر الميت بالأردن في العام المنصرم حول سوريا وكيف استمات السيد ميشيل كيلو في الدفاع عن مشروع الاخوان في دولتهم المدنية وذلك ردا على مداخلتي التي ذكرت فيها أن هذا المشروع الاخواني لايستند على أي أساس وماهو الا تكتيك سياسي) ناهيك عن العديد من الانتهازيين الآخرين الباحثين عن مصالح خاصة ووجاهة ونفوذ ضمن صفوف (المجلس والائتلاف) اللذين باتا محرما على كل من يعارض ألاعيب الاخوان ويواجه أجنداتهم المدمرة للمجتمع السوري والثورة وأهدافها .
نعود ونكرر التأكيد مرات ومرات على الموقع الخاص للثورة السورية المستند الى خصوصية المجتمع السوري وتقاليد شعبه النضالية منذ مقارعة العثمانيين والانتداب ومعارك الاستقلال وكافة أشكال الاستعمار والتدخلات الخارجية انتهاء بمواجهة النظم الدكتاتورية التي تميزت بالمشاركة الفعالة المتساوية من كافة مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية المميزة بالتعدد والتنوع والتي لن تتوافق أبدا مع مشاريع دينية شمولية أو قومية فاشية غالبة بل تناقضها ومالثورة السورية التي اجتازت عامها الثاني الا ثمرة لذلك المنبت الأصيل ونموذجا لتجربة فريدة من نوعها في ربيع الثورات ومرآة تعكس طبيعة السوريين وجوهر دعواهم الوطنية الديموقراطية التوافقية من أجل التغيير وتفكيك سلطة الاستبداد رموزا ومؤسسات وقواعد واعادة بناء الدولة التعددية الحديثة لكل مكوناتها الوطنية وايجاد الحلول للمسائل العالقة والحل الديموقراطي الناجز للقضية الكردية بحسب ارادة الشعب الكردي بتقرير مصيره في اطار سوريا الديموقراطية الموحدة .
لقد صمدت الثورة رغم كل التحديات ولم تتخلى عن أهدافها في الحرية والكرامة والتغيير ولم تنجح كل المحاولات في حرفها عن نهجها وسقطت كل الضغوطات الهادفة الى استعارة شرعيتها وهي كفيلة باعادة انتاج من يعبر عن أهدافها ومصالحها ويخدم سياساتها حاضرا ومستقبلا .